طبعت أحداث مخيّم عين الحلوة المشهد الأمني، بينما افتتح الأسبوع الماضي بالانتقال السلس للسلطة في حاكمية مصرف لبنان بعدما سلّم الحاكم رياض سلامة الأمانة لنائبه الأول وسيم منصوري بعد موجة من «الغنج» و»الدلع» بتهديده مع بقية نوّاب الحاكم بالاستقالة وعدم تحمّل المسؤولية.
لا يزال عنصر السّلاح المتفلّت في المخيّمات الفلسطينية عامل تفجير في أي لحظة، ولم تنجح السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس في لجم نار التوتّر وضبط المخيّمات وحصر السّلاح بيدها وتنظيم الأمور. وتعاني السلطة الفلسطينية مثلما تعاني الدولة اللبنانية، فعلى كتفيْ محمود عباس «حمّالات» تتمثّل بالميليشيات المدعومة من دمشق وطهران والمزروعة في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا وفي الضفة الغربية وغزة. ووفق مسلسل الأحداث، يُمثّل عين الحلوة أكبر المخيّمات الفلسطينية في لبنان، ولديه امتداد داخل صيدا، لذلك تبقى السخونة سيدة الموقف حتى لو خفّت حدّة الاشتباكات.
وتُشير المعلومات إلى أنّ حركة «فتح»، منذ أكثر من 5 سنوات، مُنحت الضوء الأخضر من السلطات اللبنانية ومن جهات إقليمية فاعلة لحسم الوضع داخل المخيّم وضبطه والقضاء على بؤر التوتّر وعدم جعل المخيّم مأوى للإرهابيين والفارّين من وجه العدالة، ولكن «الحركة» التي تُعتبر الممثّل الشرعي للفلسطينيين لم تنجح في حسم الموقف وإنهاء الوضع الشاذ.
وعدا عن الحركات الإسلامية المتطرّفة، هناك أيدٍ خفيّة تلعب في المخيّم وتحاول توجيه رسائل إقليمية عبر الصندوق اللبناني، وتستخدم بعض الجماعات لخدمة أهدافها ومصالحها، وتدعمها بالمال والسلاح، وهذا الأمر قد يفجّر المخيّم أمنياً في أي لحظة.
سارع الجيش اللبناني إلى وضع خطة طوارئ كي تبقى الاشتباكات محصورة ولمعالجة أي طارئ، في حين نشطت الإتّصالات السياسية على أعلى المستويات من أجل تطويق الاشتباكات ووقف حدّتها وعدم تمدّدها للخارج.
لا توجد مخاوف أمنية لبنانية من اتّساع رقعة الاشتباك على الرغم من تحذير السفارات رعاياها، فهذه الحرب تدور بين حركة «فتح» ومجموعات صغيرة، والخوف كان ليزداد لو حصلت بين «فتح» وحركة «حماس» بالمباشر مثلاً، أو لو لاقت تعاطفاً وتدخّلاً من الجوار اللبناني، لكن الحذر الأمني يبقى واجباً في ظل كلّ المخاطر التي تحيط البلاد. وهذا الأمر يدلّ على أنّ تحذيرات السفارات للرعايا تأتي ضمن الإطار السياسي وليس الأمني.
لا شكّ في أنّ أحداث عين الحلوة ترافقت مع خروج سلامة بعد 30 عاماً من حاكمية مصرف لبنان، وهذا الأمر قد يفتح الباب أمام فوضى أمنية ومالية في الوقت نفسه. لكن يبدو واضحاً وجود قرار كبير بمنع فلتان الأمور وإبقاء الوضع على ما هو عليه إلى حين إبرام تسوية ما أو اتفاق الكبار على كيفية معالجة الوضع اللبناني.
وفي السياق، تكشف معلومات عن توجيه دول كبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية رسائل إلى الفرقاء اللبنانيين، ومفادها تواجهوا بالسياسة وعطّلوا، لكن العبث بالأمن والاستقرار ممنوع.
ولا يمكن إخفاء الاعتبارات الأميركية في حاكمية مصرف لبنان لترتيب الأوضاع بعد خروج سلامة، علماً أنّ منصوري التقى مسؤولين أميركيين منذ مدّة وطرح تصوّراً لكيفية قيادة الحاكمية في هذه المرحلة.
ويبرز من كل هذه المعطيات، أنّ العين الدولية غير غائبة عن لبنان، وهناك حرص دولي للجم الانهيار وعدم السماح بتوسّع حالة الفوضى. وعلى الرغم من حالة الإنهيار المالي والإقتصادي، إلّا أنّ هناك دولاً لا تزال ترغب في الاستثمار في لبنان ولديها مصالح كبرى، وهذا ظهر من خلال اندفاعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وإبرامه تسوية مع محور «الممانعة» من أجل تأمين المصالح، ولقطر أيضاً مصالح في لبنان في مجال الطاقة والغاز، لذلك هناك حرص كبير على حفظ أمن لبنان واستقراره على الرغم من الخضّات التي تحصل بين الحين والآخر.