تتّجه الأنظار اليوم إلى المساعي السياسية في بيروت على وقع استمرار المواجهات العسكرية في مخيم عين الحلوة، مع وصول المشرف على الساحة اللبنانية في السلطة الفلسطينية عزام الأحمد، موفداً من رئيسه محمود عباس، فيما يُعقد في المديرية العامة للأمن العام اجتماع موسّع دعا إليه المدير العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، للضغط على القوى المتصارعة للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار.
ويتوافق المعنيون لبنانياً وفلسطينياً على اعتبار الاجتماع الذي دُعي إليه ممثلو الفصائل وحماس والسفير الفلسطيني أشرف دبور ورئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني باسل الحسن، مفصلياً بعد فشل مساعي الجيش والرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي. وقالت مصادر مطّلعة على التحضيرات لـ«الأخبار» إن «أجندة الاجتماع منسّقة مع الحكومة والجيش، وتتضمّن البحث في تشكيل جديد موازٍ لهيئة العمل المشترك والقوة الفلسطينية المشتركة تتولّى في المرحلة الأولى تسليم المطلوبين وإخلاء مدارس الأونروا وحفظ الأمن». ويأتي مقترح التشكيل الجديد «نتيجة فشل الأطر السابقة التي شهدت تجاذبات بين القوى النافذة فيها، ولا سيما بين فتح من جهة وحماس والقوى الإسلامية».
وكان البيسري شدّد في حديث صحافي على أنه «لا يمكن للدولة أن تقف مكتوفة الأيدي، وعلى الجميع اتخاذ الخطوات اللازمة لحفظ الأمن»، لافتاً إلى أن أحداث عين الحلوة «قد تعيد فتح موضوع السلاح الفلسطيني».
وعلمت «الأخبار» من مصادر أمنية أنه «سيتم توجيه رسالة تحذيرية إلى المتقاتلين في المخيم، وأن الموضوع لن يعالج على طريقة أبو ملحم لأن التطورات التي تحصل تنذر بكارثة في حال لم تجر السيطرة عليها». ولفتت المصادر إلى أن «الكلام سيكون واضحاً بأن هذا السلاح صارَ يشكل خطراً ليس فقط على أبناء المخيم، بل أيضاً على اللبنانيين، وأنه لا يجوز تعريض الناس للخطر، ولا يجوز تهديد الساحة اللبنانية لأن الوضع أصلاً لا يحتمِل»، مع الإشارة إلى أن «لبنان كانَ يقدّم تسهيلات كثيرة للفلسطينيين على عكس كل الدول، ولا يُمكن للبنان أن يستجيب لهم بينما يرفض هؤلاء ما تطلبه الدولة اللبنانية، والاستمرار في هذه الممارسات سيحول دون الاستفادة من هذه التسهيلات لاحقاً».
وقالت المصادر إن هذه الإجراءات «ناجمة عن خطورة ما يحصل. فالأمر لم يعد يتعلق بالمخيم فحسب، بل يهدد بخلق مشكل داخلي بين اللبنانيين أيضاً، كما حصل بعد إقامة ميني مخيم جانبي لأهالي المخيم في إطار فرض أمر واقع جديد، وهذا ما لا يمكن أن يُسمح به، وعلى الفلسطينيين أن يتّعظوا مما حصل في مخيم نهر البارد سابقاً».
وعن بند السلاح، أكّدت مصادر رسمية لبنانية أنه لن يُدرج بشكل جدي على طاولة اليوم. «لكن الأحداث الأخيرة جعلته من ضمن الأولويات اللبنانية، وستشهد المرحلة المقبلة، البحث في إدارة جديدة للمخيمات تتولاها الدولة ومؤسساتها، وسيكون الجيش إحدى أدوات الدولة في إدارة المخيمات».
وعن دور الجيش في حسم المعركة ضد الإسلاميين، قالت المصادر الرسمية اللبنانية إن «التدخل العسكري في الطوارئ والتعمير وارد في أي لحظة. فهي أرض لبنانية خارج نطاق المخيم، وعلى الدولة أن تحفظ الأمن فيها».
وتتوافق المرجعيات المعنية على أن اجتماع الأمن العام سيؤدي إلى وقف إطلاق النار كتدبير فوري، يعقبه الاتفاق على آلية لتسليم المطلوبين وإخلاء المدارس، تكراراً لسيناريو اجتماع السفارة الفلسطينية الذي أوقف جولة القتال الأولى مطلع آب الماضي. وعليه، فإن النار ستبقى تحت الرماد. ولذلك، فإن الليلة الأخيرة قبل الاجتماع ستكون الأكثر سخونة من قبل الطرفين على السواء.
ما زاد من حماوة المعركة ليل أمس، إعلان «الشباب المسلم» و«عصبة الأنصار» عصر أمس، كل على حدة، عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، داعييْن «فتح» إلى الالتزام بوقف القتال حفاظاً على عين الحلوة. لكنّ مصادر «فتح» شكّكت في نواياهما، معتبرة أن الإعلان «يهدف إلى حشرها في الزاوية ويفسح المجال للإسلاميين لترتيب الصفوف للانقضاض عليها». وعليه، عمدت «فتح» إلى تكثيف استهدافها لمناطق تواجد الإسلاميين الذين عادوا إلى المعركة.
مصادر رسمية: التدخل العسكري اللبناني في الطوارئ والتعمير وارد في أيّ لحظة
وعُلم أن الأمن الوطني التابع لحركة «فتح» استقدم من خارج المخيم عتاداً وعديداً أمس، بالتزامن مع اشتداد وتيرة المعركة. وقال مصدر عسكري لبناني لـ«الأخبار» إن مسؤولاً فلسطينياً رفيعاً «اتصل برئيس فرع استخبارات الجيش في الجنوب العميد سهيل حرب أمس، طالباً من الجيش منح حركة فتح يومين إضافيين لتحقيق إنجاز عسكري». لكنّ المعطيات الميدانية لا توحي بالقدرة على التغيير، ولا سيما بعد دخول عصبة الأنصار الإسلامية على خط القتال ضد فتح في جولة القتال الثانية منذ ليل الخميس الماضي. وسيطر مقاتلو العصبة على حي الرأس الأحمر. في حين لم يتمكن الإسلاميون من إخراج الفتحاويين من حي الطيرة. أما معاقل الإسلاميين في أحياء حطين والطوارئ والصفصاف، فقد استهدفها مقاتلو فتح بالقصف من جبل الحليب من دون تحقيق تغيير ميداني في موازين القوى.
التطور الميداني الأبرز الذي سُجّل مساء أمس بعد أكثر من 36 ساعة من الاشتباك العنيف، هو استهداف مركز الجيش اللبناني في جبل الحليب في سيروب المشرف على عين الحلوة. وأكّد مصدر عسكري أن القذيفة التي انفجرت فوق المركز أُطلقت من مركز لفتح من دون حسم ما إذا كانت متعمّدة أم خطأ. لكنها أوقعت خمسة جرحى بينهم عسكري في حالة خطرة. وقد ردّ الجيش بقصف مصادر النيران.
لائحة المطلوبين
رغم كثرة الحديث عن وجود عناصر من خارج لبنان في معاقل «الشباب المسلم»، ضمن المساحة التي تشرف عليها «عصبة الأنصار»، تبيّن أن لا وجود إلا لفلسطينيين من أبناء المخيم، إضافة إلى لبنانيين ممن قاتلوا إلى جانب أحمد الأسير في صيدا، أو شادي المولوي في الشمال. وأكّدت مصادر مطّلعة أن هناك نحو 11 عائلة لبنانية من جماعة المولوي، واثنتين من جماعة الأسير.
أما لائحة المطلوبين التي اتُّفق على أن تقوم هيئة العمل الوطني بتسلّمها من تلك المنطقة، فتشمل المشتبه في تورطهم في اغتيال أبو أشرف العرموشي ورفاقه في 30 تموز الماضي، وهم: عز الدين إبراهيم أبو داود (فلسطيني)، عمر فايز الناطور (فلسطيني)، 3- محمد أبو بكر ذوت (لبناني يحمل جنسية بلد أفريقي)، محمود علي عزب الملقّب بـ«الفولز» (فلسطيني)، فراس درويش الملاح (لبناني)، عبد شهاب قدور (لبناني)، عثمان إسماعيل تكريتي (لبناني) ومصطفى أحمد الأحمد الملقّب بـ«العاجوري» (فلسطيني).
عين الحلوة – 2 : فكرة غبيّة!
مخيم عين الحلوة بعد النكبة الفلسطينية في عام 1948
لم يدرك كثر حجم المأساة الإنسانية الناجمة عن اشتباكات عين الحلوة، إلا بعد محاولة إنشاء مخيم بديل قرب الملعب البلدي في صيدا عصر السبت. منذ تجدّد الاشتباكات نزح الآلاف إلى صيدا وجوارها بوتيرة أكبر من الاشتباك السابق بسبب توسّع رقعة الاشتباكات. وتحوّل مسجد الموصلي المجاور لحي التعمير وباحة بلدية صيدا إلى مراكز لجوء. المئات التحفوا العراء بانتظار وقف إطلاق النار. ولما طال أمد الاشتباك، لجأ قسم منهم إلى مجمع سبلين التابع للأونروا في سبلين في إقليم الخروب. في اليوم التالي، دعت هيئة إدارة الكوارث في بلدية صيدا إلى اجتماع حضرته مديرة الأونروا دوروثي كلاوس وممثلو الجمعيات المحلية والدولية. وطرح رئيس البلدية حازم بديع نقل النازحين في البلدية إلى عقار شاغر بجوار الملعب البلدي. فتلقّف الصليب الأحمر اللبناني المقترح، معلناً عن وجود 35 خيمة جاهزة للنصب. في غضون ساعة، عادت عقارب الزمن في صيدا 75 عاماً إلى الوراء، عندما نُصبت الخيم في عين الحلوة بعد نكبة عام 1948. وخلال وقت قصير، توافرت المراحيض الجاهزة والفرش والأغطية لنقل نازحي البلدية وسواهم إلى «عين الحلوة – 2».
وبعد انتشار صور المخيم الجديد، تواترت المواقف الرافضة من مرجعيات صيداوية وفلسطينية، ما دفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الطلب من وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي بالإيعاز إلى القوى الأمنية بإزالته. وقد دافع حازم بديع عن مقترحه بـ«توفير ظروف مقبولة للنازحين أفضل من حديقة البلدية»، داعياً الغيورين على أهالي المخيم إلى إنهاء القتال وإعادتهم إلى منازلهم.
ولاحقاً نُقل عدد من النازحين إلى مدرستَي نابلس وبيسان في صيدا، بينما أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» نيتها تجهيز مركز سبلين. ويُعقد اليوم في مقر “الإسكوا” في بيروت، اجتماع للبحث في تأمين البدائل لإيواء النازحين ولا سيما المتضرّرة منازلهم حتى بعد انتهاء المعارك وتأمين انطلاقة العام الدراسي داخل وخارج عين الحلوة. وأبدت الأونروا نيتها استئجار مبانٍ لاستخدامها كمدارس لتأمين انطلاقة الدراسة في موعدها.