Site icon IMLebanon

الحرب والتّعطيل المستدام

 

 

لطالما تعوّذ اللبنانيّون من سيرة الحرب الأهليّة التي عاشوا ويلاتها بقول “تنذكر ما تنعاد”، اليوم وبفضل أحداث مخيّم عين الحلوة المشتعلة بفعل فاعل إيراني بات اللبنانيّون متأكّدين أنّ الحرب ستعاد وتعاد وتعاد إلى ما لا نهاية، مجدّداً أخبار المواجهة في عين الحلوة ومطاولتها مدينة صيدا التي تحمّلت الكثير من هذا المخيم مع أحاديث عن تهديد شخصيّات صيداويّة تجعل الكثيرين يضعون أيديهم على قلوبهم من حدوث محاولة اغتيال تعيد التاريخ إلى العام 1974، حتى المشهد النيابي يوشك أن يستدعى من ذاكرة اللبنانيّين صورة كان فيها النّائب أمين الجميّل يمسك بتلابيب رئيس الحكومة آنذاك رشيد الصّلح، في أيلول نشعر أنّنا وسط دوّامة الأحداث كحطب يابس جاهز للاشتعال!

 

البلد كالقابض على جمرة الفتنة بيده، وأصبح على أهبة الاستعداد للفوضى وأخوف ما نخاف من انزلاقه وسط نيران المناطق ، هذا مشهد جاهز لحرب طائفيّة وليس انتخابات بلديّة ستكون سبباً في تفجير البلاد من بوّابة “المناصفة” التي تدور حولها دوائر الاستعداد للمشكل الكبير!! لم يَعد بخافٍ على أحد أنّ الفتنة “حاضرة ناضرة” وأنّ كلّ الفرقاء يحملون بأيديهم أعواد الثّقاب المشتعلة يحدّقون في فتيل الحرب الذي بات قريباً جدّاً. ولم يعد بخفيّ أنّ جميع المسؤولين ليسوا بوارد العمل على إيجاد حلول لأزمات البلد وليس لديهم أدنى استعداد لتهدئة قطعانهم الهائجة والجاهزة للقفز في الهاويات السّاحقات وأخذ كلّ ما تستطيع في طريقها!

 

يبدو أنّنا في كلّ قرن أو نصف قرن أو أقل من ذلك لنا موعد مع حرب أو شبه حرب، فلا دعوات الحوار لحلّ المنازعات السياسيّة الدّائمة والمماحكات اليوميّة ولا حتّى فولكلور تبادل المحبّة والأخوّة في الوطن والعيش المشترك تنطلي على أحد أبداً، ولم يعد واقع لبنان واقعاً يختصره توصيف “النّار تحت الرّماد” لأنّها  ليست ناراً ولا رماداً إنّها حرب حقيقيّة جاهزة للاندلاع في أيّ وقت متى استدعت الأمور اندلاعها وقد بات استدعاؤها قريباً أكثر ممّا يتصوّر الجميع، ومُداراتها بالقول “تحت الرّماد” مجرّد ذرّ رّماد في عيون الحقيقة، إنّها تتّقد ولهيبها يستعير ينتظر أن ينشب في الثوب اللبناني وألوانه المرقّعة البشعة بطائفيّتها المتوحّشة!

 

لا نستطيع أن ندّعي كلبنانيين أنّ دورنا في لعبة الحرب مجرّد ضحايا، بل على العكس أزمة “التوقيت الشتوي والصيفي” أنّنا كشعوب بطوائفها ومذاهبها متورطة حتى النهاية في التماهي مع هذه اللعبة واحتشدنا لممارستها بمنتهى الهمجيّة على مواقع التواصل الإجتماعي وأنّنا ننقلب فجأة إلى “أرطة همج وفالتة”!! نحن الأداة ونحن الوقود والحطب وللأسف نحن الضّحايا، وعندما تتداعى علينا صور الحرب حتى من قبل اندلاعها، نُدرك أنّه ومنذ تاريخ الاستقلال ولبنان دمية المنطقة التي تفصّل الصورة التي سيتمظهر فيها لبنان. هذا يحدث ويتكرّر منذ العام 1920 والعام 1943  والعام 1958 والعام 1969 ، والعام 1975 وحتى اليوم، في هذه اللحظة المفصليّة من التّعطيل المستدام فكلّ ما يحدث يستدعي أن نخاف وأن نفهم أنّه ما أشبه أحداث لبنان اليوم بأمسه، فاسْتعِدّوا!