لبنان ساحة التجاذبات الإقليمية سابقًا بات اليوم محصّنًا من هذه الزاوية، فما حصل في مخيم عين الحلوة بالإضافة الى الاحتقان السياسي والخطابات المضادة، جميعها لم تُفلح في خرق جدار التكاتف الوطني المتين، بالرغم من ذروة الحرب الناعمة التي تعصف في المنطقة.
عودة الاشتباكات لم تكن صدفة
بعد التوقف ما قبل الأخير للاقتتال داخل المخيم، حصلت لقاءات عدة على المستوى الفلسطيني- الفلسطيني والفلسطيني- اللبناني، بحيث تشير المعلومات على المستوى القيادي في الفصائل الفلسطينية، انّه وخلال جميع الاجتماعات سيطرت وجهتا نظر رئيسية كالتالي:
1- وجهة النظر الأولى تقول انّه يجب تسليم جميع قتلة قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا العميد أبو اشرف العرموشي، والّا فإنّ الحل بحسب ما يراه أصحاب هذه النظرية هو الحسم العسكري.
2- وجهة النظر الثانية تقول بأنَّنا كلاجئين لدى الأشقاء اللبنانيين علينا الاحتكام إلى القضاء اللبناني ومؤسسات الدولة اللبنانية التي تتعاطى دائمًا بإيجابية في الملف الفلسطيني، بخاصة بأنَّ الاقتتال الداخلي لم يكن يومًا هو الحل.
ما حصل أخيرًا عند عودة الاشتباكات الى مخيم عين الحلوة هو تهور من أصحاب وجهة النظر الأولى بُغية الحسم العسكري، الأمر الذي لم يحصل من جهة، وأدّى الى إراقة الدماء وتهجير المواطنين واستهداف الجيش وترويع اهالي المناطق المجاورة من جهةٍ أخرى.
مخطط دراماتيكي على مستوى الوطن
عند احتدام معارك عين الحلوة كان لا بُدَّ من مراقبة بعض الأبعاد الدقيقة لما يحصل، بخاصة أنَّ المرحلة التي يمرّ فيها لبنان والمنطقة تُحتّم وضع الأبعاد الجيوسياسية نُصب أعيننا.
يقول أحد الخبراء العسكريين والقيادي السابق في إحدى المنظمات التي شاركت في الحرب الأهلية، بأنَّ التداخل الموجود في مخيم عين الحلوة يجعله ذو بُعد مناطقي، ولا يمكن ان يستمر على المستوى الذي نشهده حاليًا، لذلك الحسم العسكري شبه مستحيل في عين الحلوة. ويضيف المصدر، بأنَّ أبناء الحي الواحد في مختلف أحياء المخيم سيجدون أنفسهم جنبًا إلى جنب بغض النظر عن انتمائهم للدفاع عن الحي الخاص بهم، لذلك هذه المعارك التي تدور حاليًا لا تغيّر في معادلة المخيم ابدًا.
أما عن البُعد الاستراتيجي لما يحصل داخل المخيم وتأثيره على الساحة اللبنانية، فيقول مصدر قيادي فلسطيني رفيع المستوى، بأنَّ الإجماع الفلسطيني داخل مختلف الاجتماعات التي حصلت لم يكن مؤيّدًا لما يحصل، لأنّه يخدم فقط العدو الإسرائيلي الذي باتت تشير التقديرات بأنّه يعوّل جدًا على ما يحصل في عين الحلوة لأسباب عديدة أهمها:
1- الاستفادة مما يحصل لاستخدامه على كامل الأراضي اللبنانية، سواءً اقتتال فلسطيني- فلسطيني او فلسطيني- لبناني.
2- محاولات الاستفادة مما يحصل ونقله الى داخل فلسطين والاستفادة منه في الداخل وتحديدًا في الضفة الغربية.
3- الاستعاضة عن محاولات ضرب الاستقرار داخل لبنان من خلال التحرّكات الميدانية وترهل مؤسسات الدولة بحالة عسكرية تتطور تدريجيًا من عين الحلوة الى باقي الاراضي اللبنانية.
ما حصل عمليًا هو أنَّ الإجماع الفلسطيني داخل مختلف الاجتماعات استطاع ضرب مختلف المخططات التي وُضِعت لضرب الاستقرار من بوابة عين الحلوة، حيث كان استهداف الجيش اللبناني هو أحد سيناريوهات المخطط الدراماتيكي. ويشير المصدر القيادي الفلسطيني، إلى أنَّ حكمة المؤسسة العسكرية اللبنانية والقوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية التي كانت على تنسيق دائم في ما بينها، حمت لبنان من عدم الإنجرار والانزلاق في مستنقع عين الحلوة. فالمخطط كان سيتخطّى عين الحلوة ليُصبح الهدف هو استهداف الجيش اللبناني المتواجد سواءً على ابواب المخيمات او على مقربة منها، عبر طابور خامس يهيئ الأرضية لبعض الخلايا النائمة لتتحرّك تدريجيًا.
التكامل السياسي- العسكري اللبناني
لم تنم عين القيّمين على الأمن في الجنوب حتى توقف اطلاق النار، فالمؤسسة العسكرية التي تحوّلت الى خلية نحل تنشط على أعلى المستويات لتكون جاهزة للردّ الحكيم على مختلف السيناريوهات المحتملة، لم تتقوقع على نفسها بل انفتحت على لقاء مختلف المؤثرين لبنانيًا وفلسطينيًا.
هذا التكامل اللبناني- اللبناني تحديدًا بين المؤسسة العسكرية والقوى السياسية الفاعلة لبنانيًا، أرسى معادلات عديدة في الداخل اللبناني أهمها:
1- مهما بلغ حجم المساعدات التي تقدّمها الدول الغربية للجيش اللبناني، فإنَّ ذلك لا يؤثر أبدًا على القرار الوطني النابع من رسالة المؤسسة العسكرية وانفتاحها على جميع الأفرقاء اللبنانيين لما فيه خير ومصلحة لبنان.
2- محاولات بعض ادوات العدو الاسرائيلي في دق إسفين بين الجيش اللبناني من جهة والفلسطينيين من جهةٍ أخرى، قوبِلَ بحكمة جامعة ليس لها مثيل، تجسّدت بدور للمؤسسة العسكرية يقابله وعي فلسطيني وصيداوي يُعوَل عليه لتثبيت الاستقرار محليًا.
بعد جهود عديدة منذ انطلاق المعركة الأخيرة في عين الحلوة، وعندما نفدت الحلول التقليدية، كانت الكلمة الفصل لرئيس مجلس النواب اللبناني دولة الرئيس نبيه بري، الذي كان حاسمًا في لقاءاته الأخيرة التي عقدها، وأسفرت وقفًا لاطلاق النار. تشير مصادر مواكبة بأنَّ الرئيس بري وضع الجميع أمام مسؤولياتهم وتأثيرها على الواقع الفلسطيني واللبناني، وأكدَّ للمسؤولين الفلسطينيين بأنَّ الحكمة اليوم هي في عدم تنفيذ أجندة العدو الاسرائيلي من خلال ما يحصل، مشدّدًا على أنّ استقرار الساحة الداخلية اللبنانية هو أولوية أساسية.