IMLebanon

عين الحلوة بعد الجرود: «معركة التحرير» آتية؟

ما الذي ينتظر عين الحلوة بعد إنجاز تحرير الجرود؟ القيادات الفلسطينية تحاول توقّع خطوة الجيش المقبلة، في ظل عجزها عن حسم الظواهر المتشددة في المخيم

بعد تحرير الجيش اللبناني جرود بلدتي رأس بعلبك والقاع من تنظيم «داعش»، لم تهدأ موجة المعلومات والتحليلات حول مستقبل عين الحلوة. يجمع الفلسطينيون على أن مخيمهم سيكون ساحة المعركة المقبلة، من دون الجزم بما إذا كانت عسكرية أو أمنية. لكن مؤشرات عدة تعزز التكهنات بفرض تغيير يطال المجموعات المتشددة التي تشكل آخر ذيول التنظيمين الإرهابيين في لبنان، داعش والنصرة.

مصدر أمني لبناني كشف عن «مطالبة الدول الكبرى للجيش اللبناني بتحقيق إنجاز منفرد على الإرهاب بشكل مستقل عن المقاومة». أما الساحة الأنسب لتحقيق ذلك الإنجاز فهي «عين الحلوة»، يجزم بذلك المصدر الذي لمّح إلى «قرار ضمني لبناني بتكليف جهة فلسطينية بإنجاز الحسم عاجلاً أو آجلاً، في حال ضيّعت القيادة الموحدة كل فرص الحل».

في اشتباك نيسان الماضي، دعم الجيش معركة فتح ضد مجموعة بلال بدر والجماعات التي قاتلت معه. لكن الحركة لم تستطع القضاء عليهم. وفي الاشتباك الأخير، ترك الجيش للقيادات الفلسطينية تقدير الموقف المناسب، لناحية المضيّ في الحسم العسكري. الحركة أيضاً لم تقضِ على المتشددين. بين هذا وذاك، تكرر مطلب تسليم المطلوبين، من دون تلبيته سوى في استثناءات محددة (خالد السيد). تقرّ القيادات الفلسطينية بأن الجانب اللبناني يتعاطى معها بجفاء في الآونة الأخيرة بعد فشلها في تحرير عين الحلوة. السفير الفلسطيني أشرف دبور أشار في اجتماع القيادة السياسية الفلسطينية الموحدة في لبنان، الأسبوع الفائت، في مقر السفارة، الى «تكشير لبناني تجاهنا»، لافتاً إلى أن «الدولة ستطالبنا عاجلاً أو آجلاً بالمطلوبين».

في اجتماع السفارة، بحسب مصدر فلسطيني مشارك، «وضع ممثّلو الفصائل اقتراحات للخروج من المأزق، منها الطلب إلى المطلوبين مغادرة المخيم والطلب من فتح ألا تستفرد بالقرارات في أيّ مخيم». ممثل حماس أحمد عبد الهادي طرح «حل ملف 80 في المئة من المطلوبين من خلال لجنة قضائية تنظر في التهم المنسوبة إليهم ثم تسليمهم إلى الدولة بموجب نتائج عمل اللجنة. أما المتبقون، فيؤمّن لهم خروج إلى خارج المخيم. والمطلوبون الذين لا يوافقون على أحد المخرجين، يتم التعاطي معهم بالحل العسكري على غرار ما حصل مع العرقوب، بشرط التنسيق بين الجميع». في الاجتماع، اتفق على لجنة أمنية للتواصل مع الدولة وغرفة عمليات لمتابعة الأحداث الطارئة والتطورات في المخيم ولجنة مختصة لمتابعة ملف المطلوبين للدولة ولجنة من المهندسين من منظمة التحرير الفلسطينية تبدأ مسحاً ميدانياً لأضرار الاشتباكات الأخيرة».

لكن المواقف المتباينة للقوى الفلسطينية وبعض المرجعيات اللبنانية لا تبشّر بمخرج محلي لأزمة عين الحلوة. «عصبة الأنصار» التي يُلقى على عاتقها عبء توقيف المطلوبين تعاني من خلاف داخلي، بحسب مصادر مواكبة، بسبب دورها في تسليم السيد. وينقسم أعضاؤها بين موافق على تسليم المطلوبين ورافض لذلك، فضلاً عن أن المتشددين (بدر والمولوي ضمنهم) يتحركون في حي الصفصاف، معقل العصبة. فأيّ كفّة عصبوية سترجح؟

مواقف شريك «العصبة» في القوى الإسلامية، رئيس «الحركة الإسلامية المجاهدة» جمال خطاب، الذي يعدّ المرشد الروحي للمتشددين، لا تبشّر بالحل. خلال مشاركته في «لقاء مجدليون» مع ممثلين لكافة القوى والفصائل بدعوة من النائبة بهية الحريري (يوم 26 آب)، شنّ هجوماً عنيفاً على فتح بسبب معركتها ضد العرقوب في الطيرة. الهجوم استكمله في خطبة الجمعة (قبل عيد الأضحى) عندما اتهم القيادة المسؤولة عن أمن المخيم بـ«الكذب وافتعال المعارك لقبض الأموال من الخارج بحجة محاربة الإرهاب على غرار عرسال ورأس بعلبك».

لبنانياً، قطع لقاء مجدليون الطريق على الحسم العسكري. اللقاء الذي حضره الرئيس فؤاد السنيورة والقيادات الأمنية اللبنانية والمشرف على الساحة اللبنانية في فتح عزام الأحمد، حصل على تعهّد من الفلسطينيين بـ«الحفاظ على استقرار المخيم وضبط الوضع من خلال تعزيز القوة الأمنية المشتركة واستمرار البحث عن المطلوبين وتسليمهم للدولة». السنيورة وجّه انتقاداً لاذعاً للفصائل الفلسطينية بسبب تكرار الاضطرابات الأمنية، رافضاً «أن تبقى صيدا رهينة لوضع المخيم»، بحسب مصدر مشارك، فيما كررت الحريري موقفها الدائم بوقف دائم لإطلاق النار ومنع تكرار الاشتباكات.

قبل اللقاء، توافقت حماس والقوى الإسلامية على استبعاد فتح عن المشاركة في القوة الأمنية (في حيّ الطيرة) التي تترأسها حماس، مطالبة بانسحاب مقاتلي «فتح» من المواقع التي سيطروا عليها. حماس ذهبت أبعد من ذلك بتهديد فتح بحلّ قوة الطيرة في حال لم تنسحب، ولوّحت بتشكيل قوة أخرى بمشاركة العميد محمود عيسى (اللينو). رفضُ الأخير «مناورة» حماس وإصرار فتح على الحفاظ على إنجازها الميداني، عزّزا المشهد القائم منذ وقف إطلاق النار: انسحاب بدر من الطيرة إلى الصفصاف وبقاء فتح في الحي الأول. أما انتشار القوة، فلا يزال معلقاً. الصراع بين حماس وفتح وصل إلى تراشق كرة التعويضات في الحيّ الذي شهد تدميراً هائلاً طاول أكثر من 400 بيت. حماس وغيرها من القوى طالبت فتح بدفع التعويضات «بسبب تفرّدها بقرار الهجوم العسكري، فيما طالبت الحركة بتقاسم الدفع بين القوى».

هذا ما يريده الفلسطينيون، ماذا عن الدولة؟

قبل عطلة العيد، استدعى رئيس فرع استخبارات الجيش في الجنوب العميد فوزي حمادي قيادة «عصبة الأنصار الإسلامية» وسلّمها لائحة المطلوبين، من بلال بدر وبلال العرقوب إلى أنصار أحمد الأسير وشادي المولوي. حمادي أجرى اتصالات بممثلي الفصائل لإبلاغهم بجدية الدولة في تسلّم المطلوبين. مصدر في أحد الفصائل نقل عن حمادي رسالة شديدة اللهجة لقيادات المخيم: «على كل فصيل تحمّل مسؤولية الأمن في المربع الذي يسيطر عليه وتسليم المطلوبين المتوارين فيه». هل يلبّى الطلب هذه المرة؟ وهل يقدم الجيش على عملية عسكرية؟ في الاجتماعات المتتالية مع قيادات الجيش، استشعرت القيادات الفلسطينية أن «الجيش لن يكرر تجربة نهر البارد في عين الحلوة، حرصاً على سكانه الذين يزيدون على مئة ألف وتداعيات ذلك على صيدا والجوار»، بحسب المصدر. ما البديل؟ «الاحتمال الأول عمليات عسكرية محدودة تخوضها فصائل فلسطينية من دون أن يشارك الجيش فيها بشكل مباشر». أما الاحتمال الأبرز، فعمليات أمنية خاطفة تؤدي إلى توقيف المطلوبين البارزين لتشتيت الشبكات الإرهابية، كما حصل مع عماد ياسين وخالد السيد. في المقابل، يجري العمل على أن يسلم من يرغب من المطلوبين أنفسهم إلى الدولة، كما فعل أنصار الأسير قبل أشهر، لمحاكمتهم.