ليست المرّة الأولى التي تندلع فيها الإشتباكات في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة صيدا في الجنوب، بين الفصائل الفلسطينية المسلّحة، غير أنّ توقيتها في المرحلة الراهنة يُعتبر مؤشّراً خطيراً كونه يحصل في ظل الشغور الرئاسي المستمرّ منذ تسعة أشهر، وفي ظلّ انتظار حدث أمني ما يفرض وصول قائد الجيش العماد جوزف عون الى قصر بعبدا. فما هي حقيقة هذه الإشتباكات، وما هي الأسباب التي أدّت الى اندلاعها اليوم ولعدم توقّفها بشكل نهائي رغم كلّ المحاولات السياسية والديبلوماسية والدينية وتوقيع إتفاقية لوقف إطلاق النار، وكان آخرها اجتماع دار الفتوى ولقاء السفارة؟!
تقول مصادر سياسية واسعة الإطلاع بأنّ اغتيال قائد الأمن الوطني في مخيم عين الحلوة اللواء أبو أشرف العرموشي في ظلّ الأزمة المالية والإقتصادية التي يعيشها لبنان والتي يتأثّر بها كلّ من يعيش على أراضيه، وفي ظلّ الشغور الرئاسي واستمرار رحلة البحث عن رئيس الجمهورية المقبل، له أسباب عدّة أبرزها:
1 – محاولة إسرائيلية لنقل ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلّة الى الداخل اللبناني بهدف توتير الوضع الأمني في البلاد، ما يُفاقم من الأزمات الحالية في الداخل اللبناني. فالعدو يهمّه نقل التوتّر الأمني بعيداً عن الحدود الجنوبية للبنان التي يريد المحافظة على استقرارها خلال عمليات استخراج الغاز من حقل «كاريش»، الأمر الذي يُريحه على مستويات عدّة.
2 – محاولة مشبوهة وجديدة لإعادة فتح ملف سلاح المخيمات، بهدف إثارة مسألة السلاح غير الشرعي الموجود في لبنان، وذلك من خلال تصوير وتوزيع عملية الإغتيال بطريقة هوليوودية، وإطلاق النار على الضحايا للتأكّد من مقتلهم، أي استعراض للعنف والسلاح.. وقد يكون ذلك بهدف تكريس «عين الحلوة» وسائر المخيّمات الفلسطينية الـ 13 المنتشرة على الأراضي اللبنانية كبؤر أمنية خارجة عن سيطرة الدولة. الأمر الذي يفرض بند «السلاح غير الشرعي» على «طاولة المحادثات» التي سيقودها المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان الذي يُفترض أن يعود الى لبنان في أيلول المقبل لمناقشة مواصفات ومهام الرئيس المقبل.
3 – إمكانية إقحام الجيش اللبناني في هذه الإشتباكات، وقد تلقّفها سريعاً، فحذّر من مغبّة تعريض مراكزه العسكرية وعناصره للخطر، بعد أن سقطت قذيفة في أحد مراكزه وتعرّض نقاط تابعة له لإطلاق النار، ما أدّى الى إصابة عدد من العسكريين بجروح. وقال إنّه سيردّ على مصادر النيران بالمِثِل، مع العلم أنّه يتولّى حالياً الأمن خارج المخيّم، في حين تُترك مهمّة حفظ الأمن داخله للفلسطينين أنفسهم. وقد يتمّ المطالبة بتدخّل الجيش داخل المخيم، في حال تواصلت الإشتباكات في الأيام والأسابيع المقبلة.
4 – عملية تهجير جديدة للاجئين الفلسطينيين الذين يبلغ عددهم في مخيم عين الحلوة أكثر من 54 ألفا، ونحو 500 ألف لاجىء في سائر المخيمات والتجمّعات، خصوصاً إذا ما تواصلت الإشتباكات المسلّحة رغم الإجتماعات التي تحصل لتثبيت وقف إطلاق النار، وآخرها اجتماعي دار الفتوى والسفارة. فإثارة موضوع اللجوء الفلسطيني يُشكّل تهديداً لقضية اللاجئين في لبنان، وقد يفتح الباب أيضاً على ملف النزوح السوري وضرورة تحريكه أمام المجتمع الدولي الذي لا يزال يرفض عودة النازحين السوريين الى بلادهم، رغم كلّ ما يُعانيه لبنان من أعباء مالية ضحمة جرّاء استضافة أكثر من مليون ونصف نازح سوري على أراضيه.
وبرأي المصادر نفسها، إنّ تدخّل الجيش من خلال إقفال مداخل المخيّم وإعادة فرض الأمن فيه، أظهر قدرته على إمساك زمام الأمن في البلاد بيدّ من حديد. ويعتقد البعض بأنّ الإشتباكات في المخيم، وقدرة الجيش على ضبط الأمن سريعاً هي فرصة قد ترفع من حظوظ قائد الجيش العماد جوزف عون، في حال تعذّر التوافق بين القوى السياسية على إسم رئيس الجمهورية منذ الآن وحتى عودة لودريان. علماً بأنّ انتخابه يحتاج الى تعديل دستوري، وفي حال طال الشغور الى حين انتهاء ولايته في كانون الثاني المقبل، فتنتفي هذه الحاجة.
وتجد بأنّ التصعيد في مخيّم عين الحلوة في حال استمر لأيّام أخرى بعد، بدلاً من التهدئة التي تسعى قيادات سياسية وروحية الى إحلالها فيه، قد يؤدّي الى تنقّل الإشتباكات الى مخيّمات فلسطينية أخرى. وهذا أمر خطير، تسعى الفصائل الفلسطينية من خلال اجتماعها في السفارة واجتماعات أخرى لتلافيه قدر الإمكان. أمّا سكّان المخيم الذين غادروه فقد توجّهوا الى أقارب لهم في مخيمات أخرى، والى بعض التجمّعات في مدينة صيدا، حفاظاً على سلامتهم الى حين عودة الهدوء والإستقرار الى مخيم عين الحلوة، وإلّا فإنّهم يكونوا قد بدأوا موجة تهجير جديدة.
كما تخشى المصادر كثيراً من أن تستفيد جهات خارجية من التوتّر الأمني الحالي، وتعمل على خرق إتفاق وقف إطلاق النار، بهدف استخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات الخارجية على أرضه، الأمر الذي ترفضه الحكومة والمسؤولون اللبنانيون، لأنّ الوضع الحالي المأزوم في البلاد على صُعُد مختلفة، لا يحتمل أي تفجير أمني.