معركة تفكيك حالة بلال بدر داخل مخيم عين الحلوة هي إحدى المشاهد الاولى في مسار محاولة تفكيك عبوة الارهاب التي هناك خشية أن تنفجر بالمخيم ومحيطه اللبناني.
وبعد مضي نحو ثلاثة أيام على هذه المعركة التي بدأت بسبب مقاومة مجموعة بدر لقرار فصائل المخيم الوطنية والإسلامية بنشر القوة المشتركة في كل إرجائه لقمع تجاوزات التكفيريين التي تتسبّب عادة بجولات العنف فيه، يتبيّن الملاحظات الاساسية الآتية:
اولاً – لقد قاربت فصائل المخيم خطة تصفية حالة بدر، انطلاقاً من اعتبار أساسي يقضي بتوجيه الضربة الاولى في الحرب ضد بيئة الارهاب في عين الحلوة، لمجموعة بدر المتمركز في حي الطيري.
وتمّ تحديد هذا الهدف، لأنّ ضمنه أهدافاً عدة رمزية ومهمة:
• أوّلها، محاسبة بدر على تصدّيه عسكرياً لقرار المخيم بنشر القوة المشتركة الفلسطينية لوقف معاناة سكانه من الفلتان الامني، وإدراج ضرب بدر ضمن هذا الاطار يجعل لقرار تصفيته أسبابه الموجبة المباشرة.
• ثانيها، لأنّ بلال بدر يمثّل الذراع التنفيذية لكل المجموعات التكفيرية الموجودة في المخيم، والتي يتزعمها أسامة الشهابي، فيما يعتبر توفيق طه عقلها المدبّر.
• ثالثها، لأنّ حي الطيري له رمزية المكان الذي ينطلق منه بدر ليمارس منه ثقل وجوده العسكري على مجمل معادلة الامن في المخيم، فيما مفترق شارع سوق الخضار اللصيق بالحي يمثّل المكان الذي ينفّذ فيه بدر عمليات الاغتيال وتشويش سلاسة النظام العام في المخيم كله، كون هذا المفترق تتوزّع منه طرق عدة في اتجاه أحياء مختلفة في عين الحلوة.
مجمل الاعتبارات السالفة، تجعل من معركة السيطرة على حي الطيري ومفترق سوق الخضار اللصيق به، بمثابة هدف رمزي مهم، علماً أنّ إنجازه لا يُنهي بالعمق ملف الارهاب في عين الحلوة، بمقدار ما يوجّه رسالة قوية لمجموعاته بأنها أصبحت امام معادلة المساءلة الأمنية عن كل تصرّف إرهابي تقوم به سواء داخل المخيم او خارجه.
والواقع انّ الاستنتاج المُقلق الذي أظهرته الوقائع الميدانية لمعركة حي الطيري، تَمثّل في أنّ الحالة التكفيرية المسلحة داخل مخيم عين الحلوة اصبحت شوكة ليس سهلاً اقتلاعها. فحي الطيري لا يشكل من المخيم سوى رقعة ضئيلة الحجم جغرافياً، ولكنه عسكرياً يُنظر إليه بصفته «الحي صغير المساحة، والكبير على مستوى تَشعّب زواريبه وأزقته»؛ فهو «حي صغير بأزقة كثيرة جداً»، بحسب توصيف أحد المصادر العسكرية.
ثم انّ بلال بدر الذي يوجد إصرار له خلفيات أبعد من داخلية على القبض عليه، لن تنتهي حالته بإسقاط حي الطيري، إذ تعتقد السيناريوهات المطروحة لمقاربة المعركة ضده بأنه قد ينجح في الهروب الى حي آخر من المخيم الذي تسيطر على نسبة ٦٠ في المئة من مساحته مجموعات إرهابية أخرى او قوى غير معادية لها.
وعليه، تبدو ظاهرة بدر أنها قابلة للتنقّل داخل المخيم، ولذلك فإنّ الهدف من المعركة ضده في حي الطيري لا يتطلّع الى إنهاء ملف الارهاب في عين الحلوة، بل لكسب جولة رمزية ضد الإرهاب فيه، ولتأسيس مسار جديد قوامه فرض «معادلة كَسر شوكة» المجموعات التكفيرية داخل المخيم، وتدشين معارك تفكيك سياسية وأمنية باردة، ضدها.
ثانياً – خلال ليل السبت ـ الأحد، وبعد نحو 48 ساعة من القتال بين حركة «فتح» المؤيّدة عسكرياً او سياسياً من الفصائل الاخرى في المخيم بينها «حماس»، ظهر تقدير للموقف الفلسطيني ـ اللبناني، يعتبر انّ القوة الفلسطينية المشتركة وعلى رأسها «فتح» التي استحضرت نحو 300 مقاتل من عناصرها في مخيمات صور، غير قادرة على حسم معركة حي الطيري.
وعليه، بَرز مَيل لإعطاء الحسم العسكري فرصة حتى العاشرة صباح أمس، وفي حال ظهر أنها غير مجدية، يتم البحث عن تسوية سياسية تقودها فصائل إسلامية تحت عنوان تراجع القوى الفلسطينية عن سقف اعتقال بدر، والعودة الى مربّع اعتبار معركة الطيري بصفتها جزء من مشاهد جولات العنف الماضية، وليست بداية الحسم ضد الارهاب في المخيم.
ولكن هذا التوجّه الذي برز ليل السبت ـ الأحد تحت ثقل فشل «فتح» في حسم المعركة ضد بدر، اعترضه خلال الساعات التالية على طرحه، مُستجدّان اثنان بحسب مصادر مطّلعة: أولهما بروز اقتناع في بيروت ورام الله مفاده انّ اي وقف للقتال لا يسفر عن القبض على بدر ستكون له نتائج وخيمة داخل المخيم، أقلّه إعلان الاسلاميين بعد أيام عدة «إمارة» في داخله.
وثانيهما، تمثّل بمطالبة ضاغطة من الخارج بتوقيف بدر او تصفيته، نظراً لأنّ بقاءه بات يمثّل، بحسب معلومات متوافرة، خطراً على الامن ليس فقط في المخيم ولبنان، بل خارجياً ايضاً. وقد أدى بروز هذين المعطيين الى تعديل التوجّه بالتراجع عن الحسم ضد بدر، وذلك باتجاه الاستمرار في الضغط العسكري داخل المخيم حتى إحراز هدف الانتصار عليه، امّا عبر توقيفه او اعتقاله او صيغة أخرى قريبة منهما.
ثالثاً – أظهرت معركة اجتِثاث حالة بدر من حي الطيري انّ المجموعات التكفيرية في المخيم، التي يعتبر بدر ذراعها التنفيذية، تدير المعركة باحتراف عسكري يفوق قدرات القوى الفلسطينية الاخرى التي تواجهها. فعمليات الاقتحام التي نفّذتها «فتح» ضد حي الطيري كانت تستخدم كثافة النار، ولا تُبدي حسن سيطرة في إدارة هجماتها، فيما مجموعات بدر كانت تقتصد بإطلاق النار وتُظهر براعة في التحكّم والسيطرة.
حتى الـ300 عنصر الذين أحضرتهم «فتح» من خارج المخيم لم يُحدثوا فارقاً نوعياً عسكرياً لمصلحتها، لأنّ نجاح القتال في عين الحلوة يعتمد أساساً على معرفة المقاتلين بأزقته وجغرافيته المعقدة والمتداخلة.
وهذه الجزئية الاخيرة تطرح مسألة أيّهما أقدَر على الحشد العسكري بين قوى الفصائل الفلسطينية وفي أساسها «فتح»: وبين القوى التكفيرية، حيث مجموعة بدر المقدّرة بـ90 مقاتلاً، نجحت خلال ساعات المعركة الماضية بجَذب «300 مقاتل جهادي» كمتطوّعين الى صفوفها وهم من داخل المخيم، بمعنى أن ليس لديهم مشكلة معرفة بجغرافيا المخيّم المتشعبة.
الخلاصة الأساسية من معركة حي الطيري تتمثّل في انّ عين الحلوة دخلَ مسار اللاعودة في شأن كسر شوكة المجموعات التكفيرية في داخله؛ ذلك انّ عدم الحسم ضد بلال بدر سيعني توجيه رسالة للمجموعات التكفيرية، مفادها أنه لا يوجد لدى خصومها، فَرادى او مجتمعين، قدرة على الحسم ضدها في حال تحرّكت مجتمعة لإعلان إمارة إسلامية في المخيم. والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً هو ليس ماذا بعد القبض على بلال بدر؟ بل ماذا لو انتهت معركة حي الطيري من دون القبض عليه؟