Site icon IMLebanon

عين التينة وكليمنصو: الخيبة

في 31 تشرين الأول من العام الفائت، بدا أن كلّ شيء تغيّر بالنسبة إلى الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط. الرجلان اللذان ارتابا من وصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة، ربما باتا مقتنعين بأن تحفظاتهما «كانت في محلّها». وهي تبدأ من العلاقة الشخصية المفقودة مع رئيس الجمهورية، وصولاً إلى رؤيتهما للتوازنات والأحجام والأدوار المنسوبة إلى الجماعات الطائفية والسياسية بعد انتهاء الحرب الأهلية.

 

«ليست البلاد بعد عام على ما يُرام»، تقول مصادر الرجلين اللذين يمثّلان في اجتماعهما دولة ما بعد الطائف «العميقة». تسجّل عين التينة وكليمنصو أربع نقاط لتقييم 365 يوماً، لتؤكّدا أن «ما قبل العهد هو نفسه كما بعده، لا بل ربما أسوأ»:

أولاً، ما حصل لم يكُن تسوية شاركت فيها جميع الأطراف، بل اتفاق بين التيار الوطني الحرّ والرئيس سعد الحريري «فرض نفسه علينا في واقع الحال». ويذهب الجنبلاطيون بعيداً إلى حدّ اتهام العهد بالقيام بما يُشبه «عمليات انتقامية» عن السنوات الفائتة.

ثانياً، العهد ليس جامعاً. اتفاقه مع القوات يسقط يوماً بعد يوم، ولم يعُد الوزير سليمان فرنجية «واحداً من البيت»، ولم يستطع أن يكون سامي الجميّل واحداً منه. لا العلاقة مع الرئيس برّي ثبتت رغم كل محاولات الترقيع، ولا هواجس جنبلاط تبخّرت.

ثالثاً، لم يكُن هذا العهد طوق إنقاذ بالنسبة إلى الإدارة والدولة والمؤسسات. فمنهجية العمل التي كانت موضع انتقاد من قبل التيار الوطني الحرّ لم تتبدل، بل تكرّست. ظهر ذلك في تعثّر تعيينات، وفي ترقيات وتعيينات تمسّك فيها أهل بيت العهد بمن يريدونه في السلطة.

رابعاً، على مستوى الإدارة والفساد، فإن التيار الذي «أرعب» البلد بتهديده الجميع بالمحاسبة مخترعاً «الإبراء المستحيل»، تراجع بعد أن أصبحت الرئاسة في متناول اليد، ثم قيل لنا «من لديه أدلّة عن فساد فليقدمها إلى القضاء». فهل ثمة دليل أقوى من «الإبراء» نفسه؟

يتخذ الطرفان من هذه النقاط «التي هي تفصيل في بحر التجاوزات» حجّة للقول إن «الشعارات لم تكن سوى مجرّد صيغ خطابية خادعة أخفت ما هو نقيضها». لكنهما يعترفان بأنهما كانا «الحلقة الأضعف» ولا يزالان في هذا الاتفاق. لماذا؟ لأن الضلع الثالث من «ترويكا الدولة العميقة»، أي الرئيس سعد الحريري، خلَع نفسَه منها. ويرى الطرفان أنهما أمام «تحالف متماسك يتشكّل من المارونية السياسية في نسختها الجديدة، والسنية السياسية الحريرية»، من دون أن يكون في وسعهما الانضمام إليها. وهما من دون الحريري، بما يمثّله على مستوى التركيبة الوطنية والطائفية، «لا يُمكنهما الضغط في اتجاه ما يريدانه في كثير من الأحيان». فهو «يتصرّف بالتحاق وتسليم كاملين للتيار الوطني، يبدأ من التنسيق في جدول أعمال مجلس الوزراء ولا ينتهي بالمصالح الخاصة المشتركة بينهما».

 

هذا الواقع المعقّد «يثير القلق» بحسب من اختار طوعاً أن يكون خارج الاتفاق، خصوصاً أن «استدارة الحريري من مُعارض لعون إلى مؤيّد له ومتحمّس، لم تصبح بعد أمراً طبيعياً» في عين التينة وكليمنصو. وهنا يتخذ الطرفان موقفاً خارج المناكفات اليومية، بالنسبة إلى ما يعتبرانه «خطراً على الكيان اللبناني والنظام السياسي برمّته». الأكيد أن «لا نيّات خلافية عند بري وجنبلاط تجاه رئيس الجمهورية»، كما يقول مُقرّبون منهما. لكنهما لا يبلعان طريقة إدارة العهد، حيث يريد البعض «تحقيق الشراكة الحقيقية تحت ضغط رهاب أقلوي والحقوق المسيحية»، وبالتالي «يسهم هذا الأمر في شرذمة سياسية تُفكّك مع الوقت الصيغة التي قام عليها اتفاق الطائف». وبدلاً من أن يطوي انتخاب الرئيس صراعات زمن الشغور في بعبدا، إذا به يفاقمها، بحسب مصادر بري وجنبلاط. الأكيد أن العهد لم يستطع أن يقرّب بري من عون ولا حتى جنبلاط منه. لكنه استطاع أن يجعلهما أكثر التصاقاً في ما بينهما وفي معارضتهما ولو المجمّلة لرئيس الجمهورية، لاقتناعهما بأن هذا العهد، تشريعياً وتنفيذياً ورئاسياً، مذيّل «بالخيبة»!