لم تُفلح الوساطات المبذولة في وقف القتال في عين الحلوة. رُفِض عرض بلال بدر تسليم سلاحه للقوى الإسلامية والتواري عن الأنظار، ورَكَزَتْ «فتح» بين اثنتين: إمّا يُسلِّم الأصولي الإسلامي نفسه أو يستمرّ القتال ليُقتل أو يُعتقل. ما هو أُفق المعركة؟ وهل ستنجح فتح أم يصمد بدر؟ ومن يكون هذا الشاب الذي يكاد يُحرق المخيم لأجله؟
لم يهدأ «عين الحلوة». ليله استحال نهاراً جرّاء الاشتباكات التي استُخدِمت فيها القذائف الصاروخية. قُتل ما لا يقل عن ستة أشخاص وناهز عديد الجرحى الأربعين، فضلاً عن عشرات المنازل والمحال التي دُمِّرت وأُحرِقت، فيما يقبع مئة ألف أو يزيد من قاطنيه في أسر المتحاربين.
الخبر بات مملّاً، رغم أن الأبرياء هم من يُقتلون ويتضررون. وتتسع دائرة الضرر لتشمل مدينة صيدا، ومعها طريق بيروت ــ الجنوب. وكما في كل مرة، يقال إن هذه المرّة لا تُشبه سابقاتها. إلا أن الثابت الوحيد أنّ حركة فتح أخفقت في إنهاء حالة الأصولي الإسلامي بلال بدر حتى الآن، ولم يُسعفها الوقت في فكفكة حالته المتشددة، لكنها قادرة على الاستمرار في المعركة. والعنوان العريض اليوم: سلِّموا بلال أو تستمر الحرب. خلاصة تختصر مستجدات الاشتباكات المستعرة منذ أيام بين حركة فتح والقوّة الأمنية من جهة وجماعة الأصولي الإسلامي بلال بدر، لا سيما بعد فشل الوساطات التي بُذلت لوقف إطلاق النار، والتي تُوِّجت بمبادرة للقوى الإسلامية تفيد بتعهّد بلال بدر بتسليم سلاحه وفكفكة مجموعته، ثم التواري عن الأنظار بشكل كامل. هذا الطرح لم تستسغه «حركة فتح».
تبدو المعركة اليوم محاولة لتثبيت الشرعية الأمنية للفصائل المعترف بها من قبل الدولة اللبنانية (منظمة التحرير والتحالف والإسلاميين)، في وجه المجموعات الصغيرة، التابعة لتنظيمَي القاعدة و«الدولة الإسلامية»، أو المتأثرة بهما. ومن هنا تأتي حدّة المعارك، وعدم توقفها حتى فجر اليوم. كذلك، فإن للمعركة وجهاً آخر: تريد حركة فتح أن توجّه رسالة إلى الجميع، داخل المخيم وخارجه، للقول إنها، رغم انقساماتها، صاحبة اليد العليا في عاصمة الشتات. وعلى الضفة اللبنانية، لا يزال التعامل مع المخيم أمنياً، بعيداً عن أيّ جهد سياسي. الجيش يعزز حضوره في عاصمة الجنوب، ويرفع مستوى تنسيقه مع القوات التي تقاتل مجموعة بدر، ويسهّل لها حصولها على الدعم من المخيمات الأخرى. هنا أيضاً يريد الجيش للقوة الأمنية المشتركة (المدعومة من كافة الفصائل) أن تنجح في مهمتها، لإبعاد شبح سيطرة «داعش» وأخواته عن المخيم. وكسر شوكة بلال بدر، يُفهِم كلّ المطلوبين أن المخيم لم يعد مكاناً آمناً لهم.
قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب قال لـ«الأخبار»: «لا نفاوض مع بلال بدر. لا حل إلا بتسليم نفسه وإلا فإن المعركة مستمرة». وفي هذا السياق، رأى القيادي الفتحاوي (جناح محمد دحلان) محمود عيسى الملقب بـ«اللينو»، في اتصال مع «الأخبار»، أنّ «الكلام عن منح بلال بدر فرصة ليُسلّم سلاحه ويتوارى عن الأنظار كلامٌ خطير. وجع ساعة ولا كل ساعة. لقد فُتِحت المعركة ويجب أن تستمر لتصل إلى خواتيمها». ورأى اللينو أن «وقف إطلاق النار مرفوض ولو سقط ٥٠ شهيداً منّا». وقد أبلغت مصادر «فتح» جميع المفاوضين أنّ القرار بالحسم نهائي. تُرجِم ذلك باشتداد ضراوة المعارك ليل أمس. ورأت مصادر «فتح» أنّ «مجرّد طرح بقايا الشباب المسلم حلاً كهذا يعني أنّ هناك حالة إحباط وتراجع لدى مجموعة بلال بدر»، مشيرة إلى أنّ «مزيداً من الضغط ممكن أن يؤدي إلى أن يُسلِّم نفسه». وبحسب مصادر فتح، فإنّ «الشباب المسلم أنفسهم حلّوا تجمّعهم أصلاً لرفع الغطاء عن بدر». أما عن سبب اندلاع الاشتباكات، فذكرت مصادر «حركة فتح» أنّ بلال بدر طالب القوّة الأمنية بدفع خوّة قدرها ٣٠ ألف دولار كدفعة أولى، ثم مبلغ عشرة آلاف دولار شهرياً للسماح للقوة الأمنية بالانتشار في حيّه. ولمّا رفض الضابط المسؤول عن القوة الأمنية عرضه، ردّ شباب بلال بدر بإطلاق النار عليها لطردها من حي الطيري. غير أنّ مصدراً مقرّباً من بدر ذكر لـ«الأخبار» أنّ بلال طالب القوّة الأمنية بدفع التعويضات للمتضررين جرّاء الاشتباكات الأخيرة، إلا أنّ أحد عناصر القوّة الأمنية م. ف.، المقرّب من «اللينو»، بادر بإطلاق النار على المجموعة، فاندلعت الاشتباكات. ورغم تبرّؤ القوى الإسلامية ممّا اقترفه بدر، إلا أن مصادر «الشباب المسلم» رأت أنّ «ردّ الفعل جاء مبالغاً فيه من قبل حركة فتح»، ورأت أنّ «الخطأ الصغير يُكبّر للإيحاء بأن هناك خطأً كبيراً». ونقل المصدر الإسلامي أنّ «مهاجمة بلال بدر في داره وحيّه من دون إعطائه فرصة للانسحاب ستدفع به للاستماتة في القتال»، مشيراً إلى أنّ «الغاية من افتعال الاشتباكات الأمنية المتكررة تدمير المخيم وتهجير أهله خدمة لأجندات خارجية».