كثير من ماء الحوار قليل من نار المواجهة، وهكذا يسهر الرئيس نبيه بري سلفاً على توجيه إطفائيته الممثلة بالوزير علي حسن خليل الى قريطم والضاحية، فتحتضن عين التينة جلسة الحوار العاشرة بين “المستقبل” و”حزب الله”، فنسمع في نهايتها كلاماً جيداً إن لم يقدّم حلاً لكنه يمنع مشكلة:
“أجواء الجلسة كانت إيجابية وقد تجاوزنا كل ما قيل في المرحلة الماضية، مع التأكيد على أن لكل طرف الحق في ان يكون له موقفه السياسي من دون ان تكون هناك أي تداعيات في الشارع”.
عظيم، اذاً اقرعوا طبولكم في الخارج وليغنِّ كل على ليلاه الإيرانية أو السعودية، أما في عين التينة فكونوا في السكوت ايها الأشقاء المتخاصمون وادخلوها آمنين مُطْمئنِّين ومُطَمئنين. وإن سأل سائل ماذا فعل الحوار حتى الآن ليكن الجواب جوابين:
أولاً: لو لم يكن هناك ومنذ زمن بعيد مهندس بارع وقاضي صلح هو نبيه بري والعازف دائماً “دقّي دقّي يا ربابة” على “الأوتار المشدودة” والساهر على تفصيل مسلسل الحوارات، يدير المتحاورين ويقرّر أشكال الطاولات والمقاعد، لكنا، طال عمرك، أمام حلبة ملاكمة تتساقط فوقها الأسنان وغير الأسنان، وخصوصاً وسط هذا الاحتقان المتزايد الذي تلهبه صراعات الإقليم وآخرها ما يجري في اليمن.
ثانياً: الجلسة العاشرة لم تكن لا للوجوه الصفر ولا للكزكزة على الأسنان، فالغيظ لا يحتاج الى ساعتين ونصف ساعة، وليس من يعرف أكثر من النبيه ان مشاعر المتحاورين طبقات مثل الارض، وان تحت فالق الخلافات العاصفة والمعصوف بها من الخارج، طبقة وئام لبناني مكنون ومخزون مثل النفط والغاز تحت مياهنا.
اذاً لو لم يكن هناك نبيه بري لكان علينا اختراعه، وهكذا لم يتردد في جلد الطرفين بمنطقه السلس متسائلاً: يا عميّ لماذا لا تقتدون بمواقف ايران والسعودية اللتين على رغم الخلاف بينهما حرصتا وتحرصان على ان تتخاطبا بنبرة منخفصة ولغة مقبولة؟
لهذا ضعوا هراواتكم عند الباب ولننسَ الزعيق، ونرطّب البلاعيم بحديث مفيد مثلاً عن بلورة الإجراءات الميدانية التي يجري تحضيرها لتفكيك مخيم النازحين السوريين الواقع بين عرسال وجرودها، وقد بات عبئاً أمنياً على المنطقة والجيش اللبناني. ثم أوليس من الضروري ان نكون حريصين على ضبط الوضع الأمني في البلاد بمقدار حرص الدول الخارجية على ان لا ينجرّ لبنان الى الحرائق المندلعة في طول المنطقة وعرضها، خصوصاً انه لا يتحمّل إشعال عود ثقاب بعد؟
بري مطمئن الى مناعة الحوار وقدرته على تجاوز كل الاختبارات الصعبة، وهو يذكّر بان الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصرالله يتمسكان به، لكن مسلسل الحوار مطمئن الى سحر ربابة عين التينة!