Site icon IMLebanon

هتافات طائفية… متى “لبنان لبنان”؟

 

عين الرمانة… نقطة خطرة لا تحتمل الاحتكاكات

 

…وحصل في 6/‏6 ما توقّعه كثيرون. نزلوا بالعصي والحجارة وبكثير من “فائض القوة” لنسفِ تظاهرة الفقراء من بِكرةِ أبيها. نجحوا في “فرْط 6/‏6″ وخسروا، في مطارح أخرى، خسائر عظيمة!

 

صديقة الصبيّة الشيعية الجميلة صبيّة مسيحية رائعة، كانتا تنويان تمضية يوم الأحد معاً، لكن حوادث الليل لم يستطع النهار محوها، ليس لأنها تحصل لأول مرة، بل لأنها، لأول مرة، تحصل في ظروف أحلاها مرّ. فقر وجوع وكورونا ومال مسروق وفساد وقهر وبطالة. وفوق كل هذا، نزل هاتفو ” شيعة شيعة” ليقولوا: “إذا فكرتوا تاخدو سلاحنا مناخد رواحكم وروسكم عن رقابكم”!

 

99 في المئة ممن نزلوا، أو كانوا يريدون النزول في 6/6، لم يفكروا بالسلاح غير الشرعي بل فكروا بمصائبهم المعيشية والإجتماعية والإقتصادية التي تزيد عن قدرة البشر على الإحتمال، لكن شاء من شاء أن يُبرز قضية السلاح على أنها وصمة عار في جبين كل مطالب! وراح يفتك يميناً ويساراً، بصبيانٍ، يظنون أن الله خلقهم وكسر كل القوالب. فنزلوا من الخندق الغميق ليتواجهوا مع شبان، ليس لديهم ما يخسرونه، بحجة أنهم شتموا فلاناً أو علاناً. وعادوا وهجموا على عين الرمانة هاتفين تلك الكلمة التي هي من مستغليها براء “شيعة شيعة”. وليست أوّل مرة يفعلون. فهل هذا من فيض القوة الذي ما عادوا يعرفون ما يفعلون به وفي وجه من ينفثونه؟

 

إذا عدنا بالذاكرة والأرشيف الى الوراء، الى 2011 و2015 و2016 و2017 و2019 وصولاً الى 2020 نلتقط مشاهد كثيرة من هذا النوع، هجم فيها الطرف نفسه على عين الرمانة المسيحية (في لغة الطوائف) وتضم “أعتى الشباب” وقاومت وسقت الأرض بدماء أكثر من 400 شهيد، فلماذا يلعبون دائماً معها؟ ألا يكفي كل الإطارات السوداء والبيضاء التي احتوت أجمل الوجوه في حربٍ لم يربح فيها أحد ولم يخسر أحد؟

 

هناك نقطة ثابتة للجيش اللبناني تفصل بين الميلين، لوقف “الهجوم” على عين الرمانة، كلما خطر في بال “شيعة شيعة” ذلك. ألا تتذكرون يوم استخدم برنامج “بسمات وطن” شخصية السيد حسن نصرالله مادة فيه، يومها تقاطر شبان من الضاحية نحو عين الرمانة والسوديكو ومونو هاتفين “الله نصرالله والضاحية كلها” وحرقوا الدواليب على طريق الشام.

 

وقبلها وقبل قبلها كما بعدها، استمرّت الإشكالات التي تنتهي بهجوم “شيعة شيعة” على منطقة عين الرمانة. ومعها كثير من الترهيب والوعيد. فهل كرامة أهالي عين الرمانة تسمح في كل مرة باعتبار ما حصل مجرد حادث وانتهى؟ هل ستنزل اليوم أمهات الشياح وعين الرمانة معلنات كما في 2019: ما في رصاص في ورد! فهل ما حصل في 6/6 في عين الرمانة وفي طريق الجديدة عارض ويمرّ؟

 

إبن حارة حريك (الشيعي) مؤسس “أمم للأبحاث والتوثيق” لقمان سليم كتب عن ذاكرة الحرب ويتابع كل التفاصيل ويقرأ في المشهد المتجدد قائلاً: هو أحمق من يقول أن ما جرى في 6/6 هو ابن ساعته أو وليد الصدفة. ما حدث أن هناك من سعى الى التذكير بأن موضوع السلاح “تابو” وإذا أشرتم إليه من بعيد أو من قريب فهو مستعد أن يفعل بلبنان ما حصل في سوريا وأن يعيد إحياء خطوط تماس أهلية باعتباره الطرف الأقوى عسكرياً القادر على حسم الأمر. ويضيف: أن يقف شبان ويصرخون “شيعة شيعة” لهو أمر ليس أقل “إباحية” من شتيمة رمز ديني أو الدخول الى عين الرمانة لتأديبها. ذاك الطرف مقتنع أنه قادر أن يقوم بمعجزات بالعصي والعضلات والهتاف بهذا الشعار. هتاف “شيعة شيعة” بات مفتاحاً الى ذاك الطرف للقول لكل الأطراف الآخرين الذين يعترضون على أمر أنه الآمر الناهي.

 

ما رأيناه في 6/6 جعلنا نطرح السؤال من جديد: هل ما نراه إيذان بأن الحرب لم تنته؟

 

يجزم لقمان سليم بأن الأرض تستمر، للأسف، خصبة أمام كل انواع الحرائق: “فماذا فعلنا منذ نهاية الحرب الأهلية كي نفكك آليات النزاع؟ لا خروج من الحرب الى السلام إلا عبر مطهر حلّ النزاع والعدالة الإنتقالية وهو ما لم يحصل. ويستطرد: لن يستطيع لا “حزب الله” ولا سواه أن يخرجوا القرار 1559 من التداول لذا علينا أن ننتظر مزيداً من الحديث عن القرارات الدولية كلها في الفترة المقبلة. وبالتالي، إذا نجح شباب الخندق الغميق والشياح بإسكات اللبنانيين فلن ينجحوا بذلك في مجلس الأمن”.

 

يعتقد سليم أن ما حصل على جبهة الشياح – عين الرمانة مقلق لكنه ليس بحجم ما حصل بين السنة والشيعة ويقول: لا يمكننا إختصار الكلام، لدى الحديث عن صراع شيعي- سني، حول خطوط تماس بين اللبنانيين. فما رأيناه وسمعناه من شتائم وتفاصيل ستعطي المسلم السني في سوريا وفي فلسطين وحتى في أندونيسيا أحقية الردّ على الشيعي وهذا خطير. وهو ما يجعل الصراع السني- الشيعي “ما فوق الوطني” ولا يمكن لأيّ كان أن يقول لمن هم خارج الوطن “لا يمكنكم الرد حول الشتائم التي أطلقت في حقّ السيدة عائشة”، وبالتالي حين نسترجع التاريخ ونتذكر حجم الدماء التي سالت بين الشيعة والسنة حول موضوع السيدة عائشة ندرك أننا دخلنا في دهليز سحيق. وهو ما يشير الى أن ما قاله الشباب في العلن هو ما يتردد همساً، عبر استخدام التاريخ والخيال، من أجل تقوية الوتر المذهبي العصبي. ما حصل في 6/6 قد يفتح الباب أمام دخول لاعبين غير لبنانيين على النقاش السياسي اللبناني وسيضطر من هم في الداخل الى الردّ على الشتائم كي لا يتهمهم المتطرفون بالتقصير. وبالتالي سنسمع كلاماً وردوداً متتالية خلال الأيام المقبلة من دار الإفتاء ومن القيادات السنية الواقعين بين شاقوفي ردّ تهمة التقصير وتخفيف العصبية المذهبية. أسوأ ما قد نمرّ به هو أن نسمع من يقول “قد نترحم حتى على أيام الحرب الأهلية”! فالحرب تأتي بالدولارات التي نحن في أمس الحاجة إليها لكن ما نحن ذاهبون إليه، حسب توقعات لقمان سليم، هو اضطراب أهلي بين الفقراء، أي الى حالة نزاعية دون الحرب مفاعيلها تشبه الحرب دون أن تكون حرباً.

 

هنا، قد تتكرس اللعبة أكثر بين أيدي “حزب الله” مالك الدولارات والسلاح.

 

هناك كثيرون يرددون اليوم، بينما هناك من يتسلى عبر “السوشيل ميديا” وفي الظنّ أنه قوي كفاية ليُقرر وينفذ ويأخذ البلاد والعباد حيث يشاء: نجنا من الأعظم. هنا، أمام مشهدية السبت نُكرر السؤال: هل يشعر الزعماء، تحت أي حجة، بما تقترفه أيديهم؟

 

يقول الدكتور في علم الإجتماع أحمد بعلبكي أن الحروب تبدأ بمناوشات تشد اللحمة العصبية وتقوي حال الإستنفار. وكلما اشتدت العصبية توثقت اللحمة. وكلما كان المجال فالتاً كان الزعيم أكثر ضعفاً وكلما اشتدّ استعراض القوى بين الجماعات سارع الزعيم الى ترسيخ الحدود. والزعامة تقوى حين تصبح قادرة على استنفار قواعدها في الظرف السياسي. إطمئنوا. الحرب تحتاج الى فريقين مسلحين، والفريق المسلح الوحيد يراهن على أن العالم مشغول عن لبنان، وبالتالي سيبقى السلاح في يد “حزب الله” وحده و”سيقبع رأس من يطالب بنزعه عن رقبته”.

 

أصبح من يطالب بالسلاح الشرعي وحده في لبنان عميلاً. وأصبح من يحملون السلاح “الآمرين الناهين”. وأصبحت الأحزاب القائمة تُرجئ فتح الموضوع لتأجيل المشكلة. لكن الأمر يكبر والبلاد باتت محشورة في عنق الزجاجة والكل في حالة إختناق سريرية وأتباع السلاح قالوها البارحة بصراحة: “سيبقى سلاحنا حتى ظهور المهدي”.

 

عين الرمانة لم تنم ليل السبت – الأحد. وأغنيات بشير ظلت تصدح طوال الليل. والعصبية، ليس في عين الرمانة وحدها، تظلّ تشتدّ. والعصبية قوقعة في حين أن المطلوب دولة فهل هذا كثير؟ هل قيام الدولة اللبنانية ضمن الممنوعات كما نزع السلاح كما “القيامة”؟ هل التقاء الشيعة والسنة والمسيحيين حول الدولة القوية من رابع المستحيلات؟ هل عودة الجميع الى مساحة الـ 10452 كيلومتراً مربعاً لن يكون في المدى المنظور؟