IMLebanon

عيناتا والعيون الجميلة

 

على طريق عيناتا، انتهت رحلة عيون ريماس وتالين وليان شور يوم الأحد الماضي. كنا في زمن الدراسة نفتش عن بيت من الشعر تبدأ كل كلمة فيه بحرف «العين»، فكان:

 

«على عين عيناتا عبرنا عشيّةً عليها عيون العاشقين عواكفُ».

 

من يتأمّل صورة جمعت ريماس وتالين وليان والتي صارت خبراً في ذلك اليوم، يتأكد أنّ الشاعر العاملي عبد الكريم قبلان كانت له أسبابه عندما جذبته عيون عيناتا. وليست بليدا التي ضمّ ثراها الجميلات الثلاث مع جدتهنّ سميرة أيوب بعيدة عن المكان الأخير الذي اشتعلت فيه النيران في السيارة التي طارت منها هدى والدة الجميلات.

 

على امتداد لبنان، ولنقل من عيناتا الأرز إلى عيناتا الجنوب، كل العيون فاض دمعها قبل أن يحلّ الشتاء. وراح نهر الدموع يشقّ طريقه سريعاً إلى أرض عطشى غار فيه كل ما سال من الدموع والدماء. وعندما أبصرت ريماس وتالين وليان النور، كانت حرب تموز 2006 قد عبرت. وبين تلك الحرب، وبين حرب اليوم 17 عاماً أزهرت حقول الجنوب خلالها 16 ربيعاً، فكان من بين ورودها، جميلات بليدا اللواتي اتّشحن سواداً على طريق عيناتا. وكم من ورود لا يزال يتهدّدها السواد وهي وما زالت في ريعان الربيع؟

 

هناك روايتان: الأولى يرويها سمير أيوب، شقيق الجدة سميرة التي لقيت المصير مع حفيداتها. فيقول: كانت طائرة استطلاع تحوم فوق الحيّ حيث تسكن شقيقته في بليدا. فأشار على الصغيرات بأن يصعدن إلى ظهر السيارة قبل الانطلاق لترى المُسيّرة أنّهن طفلات.

 

وفي الرواية الثانية، قال الجيش الإسرائيلي (بحسب رويترز)، إنّ قواته اشتبكت مع مركبة «تم تحديدها على أنها وسيلة نقل مشتبه فيها للإرهابيين».

 

ما يُستفاد من الروايتين، أنّ هناك عمى كاملاً في الرؤية ما جعل صغيرات بليدا في مرمى نيران إسرائيل الحارقة. وقبل أنّ يتم تصحيح هذا «العمى» في حرب تفيض حقداً، كم صار لزاماً أن تتخذ إجراءات السلامة لحماية ورود الجنوب التي ما زالت تنشر عطرها في حقول الموت الجديدة.

 

على امتداد 16 ربيعاً، ظنّ من عاش في الشريط الملاصق للحدود مع إسرائيل أنّ حرب العام 2006 هي آخر الحروب. وشمّر أهل تلك الأرض عن سواعدهم كي يستخرجوا من الأرض أفضل ما تعطيها. هكذا فعلت سميرة أيوب جدة الجميلات الثلاث التي دأبت على الذهاب إلى سوق بنت جبيل وعيترون ورميش لتبيع منتجاتها من المونة البلدية. أمّا والد الورود الثلاث، محمود شور فذهب إلى أفريقيا ليأتي برزق أبيض يمنح الرفاه لعائلته.

 

وعلى امتداد 16 ربيعاً، لم يقم من هم في موقع من اؤتمنوا على مصير الجنوب ببناء ولو عرزال على الشريط الفاصل للتمتع بسحر المكان الذي أزهر بعد حرب العام 2006 وروداً وعيوناً جميلة وعزيمة صلبة كي يكون الجنوب مكاناً للحياة.

 

انتهت أجساد جميلات بليدا وجدتهنّ إلى الثرى، لكنّ صورتهنّ بقيت مشعّة بابتسامات الربيع. إنّها صورة على نقيض كامل مع الحرب وصورها الكالحة. في صورة الجميلات، يلوح ربيع مقبل. أما في صور الحرب المشتعلة، فهناك مستنقع حقد ينشر الكراهية ورائحة الظلام.

 

والبقاء لن يكون إلا لصورة الجمال والربيع الآتي.