ثمّة مشروع كبير يُحضَّر له في سوريا، ولبنان سيستفيد منه حكماً. منذ توقيع الاتفاق النهائي حول الملف النووي الايراني بدأ الكلام عن تسويات مقبلة ستطاول خصوصاً الملفّين السوري واللبناني.
يومَها تحدّثت أوساط ديبلوماسية في باريس عن مؤتمر دعم الأقليات في الشرق الذي تستضيفه العاصمة الفرنسية في السابع من ايلول كنقطة انطلاق في هذا الاتجاه. وبالفعل شكّلت مواقف الرئيس فرنسوا هولاند في المؤتمر إيذاناً ببدء عمل جوّي في سوريا.
قبل ذلك كانت التحضيرات جارية على قدم وساق تمهيداً لذلك. مشاورات مكثَفة خلف الكواليس بإدارة واشنطن التي حرصت على إيلاء موسكو دوراً محورياً.
وبهذا المعنى حصلت زيارات سعودية لروسيا، وضمن هذا المفهوم لبَّت الرياض رغبة الكرملين في استضافة الموفد السوري اللواء علي المملوك، ووفق هذا السياق أعادت موسكو طرح «جنيف 3» في اعتبار أنّ ظروفه نضجت.
وكما أنّ أقصر الطرق لدفع ايران لتوقيع الاتفاق النووي بلا مماطلة كان انفلاش «داعش» في العراق، فإنّ حضور هذا التنظيم في سوريا يشكّل ممرّاً ممتازاً لفتح الملف السوري الشائك.
إيران المتوجّسة والتي تنتظر الاخراج النهائي لاتفاقها عبر الأطر الدستورية في واشنطن، رأت في تبدّل موازين القوى في اليمن وامتناع السعودية عن فتح أبواب التواصل معها إشارات سلبية، فوجّهت إشارات التشويش مثل الكشف عن لقاء المملوك بوليّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن مع التزامها الخطوط المرسومة وهو ما ظهر في لبنان من خلال التزام الحكومة والاستقرار الامني.
في هذا الوقت بدأت في أوروبا، ومن خلالها في العالم، حملة مركّزة على ملف اللاجئين السوريين من زاويتين مختلفتين. الاولى إنسانية وتتعلّق بالمآسي اللاحقة بهؤلاء ويبقى انتشار صورة الطفل التي هزّت العالم في هذا الاطار، والثانية تتعلق بالمجتمعات الاوروبية وتصوير تدفّق اللاجئين بمثابة تهديد وجودي للمجتمعات الاوروبية. وبذلك أصبحت أوروبا جاهزة للانخراط في الحرب الجوّية ضدّ «داعش».
الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لم يكن بعيداً من هذه الاجواء بعد زيارته لواشنطن. ففي البيان الختامي كلام عن سوريا ولبنان ولو من دون كثير من التفاصيل.
وفي نيويورك قريباً وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف سيلتقي وزراء خارجية دول الخليج كلّ على حدة، ما يعني إيذاناً بفتح خطوط التواصل ولو بصعوبة.
في الشهر المقبل زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني لباريس كان قد أعلن عنها سابقاً، وزيارة هولاند للبنان تأتي ما بين لقاءات نيويورك وزيارة روحاني.
واضح أنّ المسرح أصبح جاهزاً للبدء بالمرحلة الجديدة انطلاقاً من سوريا على أن تصيب لبنان. وحسب أوساط ديبلوماسية فإنّ فكرة زيارة هولاند للبنان اخذت جدلاً طويلاً داخل أروقة القرار الفرنسية: كيف للرئيس الفرنسي أن يزور لبنان من دون وجود رئيس للجمهورية، وهو ما قد يُشكّل في أحد جوانبه اعترافاً بالأمر الواقع الحاصل؟ ووفق أيّ توقيت يجب أن تحصل الزيارة؟ وضمن أيّ ظروف؟
لكنّ القرار اتُخذ على اساس أنّ الزيارة يجب أن تهدف لدفع الجهود إلى إنتخاب رئيس للجمهورية، ولذلك لا بدّ لها أن تحصل بعد بدء الضربات في سوريا.
ووزعت واشنطن اضافة الى باريس على الجانبين الايراني والروسي، أنّ الضربات ستكون محدّدة وستشمل مواقع «داعش» والتنظيمات المتعاونة معها، إنّما لن تطاول مواقع الجيش النظامي السوري.
وتردّد أنه يجرى وضع القيادة العسكرية الروسية وكذلك إيران في عناوين الضربة العسكرية، وهو ما دفع موسكو الى تعزيز حضورها العسكري البحري وتسلّم مطار اللاذقية للتأكيد أنه سيكون لها ردّ في حال تجاوز العناوين المرسومة. وتبدو واشنطن مطمئنّة الى دورٍ روسيٍّ مساعِد لوضع عملية التسوية بعد بدء الورشة العسكرية بما يساعد على ضمان النتائج السياسية المطلوبة.
وقد تكون من اهداف زيارة هولاند للبنان تأكيد عدم تجاوز الضربة الحدود المرسومة لها، ذلك أنّ لسوريا قدرة استهداف المصالح الفرنسية المتعددة في لبنان.
منذ ايام اعلنت موسكو ثابتتين حيال سوريا. الاولى أنْ لا تسوية على حساب الرئيس بشار الاسد، والثانية أنّ الرئيس السوري وافق على مشاركة السلطة مع قوى المعارضة. وفي هذا الوقت كانت الأحداث تعصف بمحافظة السويداء ليتصاعد معها مطلب الحكم الذاتي والذي كان خياراً موجوداً لدى الدروز، ولو من دون المجاهرة به منذ بدء الحرب.
وفي موازاة هذه الورشة السورية التي ستبدأ عسكرياً بمشاركة دول عربية عدة، فإنّ الدخول الى صلب الواقع اللبناني يصبح اكثر سهولة. ذلك أنّ أحد أبرز أسباب الفراغ الرئاسي في لبنان هو تمسّك ايران بالحصول على ضمانات اساسية في سوريا لتقدم على «المساعدة» في لبنان. لكن مع بدء الإعداد للمرحلة العسكرية في سوريا وجّهت ايران رسائل مرنة لفتح ابواب التفاوض مع السعودية بلا جواب من الاخيرة.
وراقبت الاوساط الديبلوماسية بكثير من التمحيص توقيف المطلوب الاول لدى السعودية في لبنان أحمد المغسل وتسليمه للرياض، ذلك أنّه وصل الى لبنان من طريق البر وأوقفه فرع المعلومات. وحصل يومها نقاش لدى قيادة هذا الفرع حيال طريقة تسليمه للسعودية. وطرح البعض فكرة نقله الى طرابلس ومنها بحراً الى تركيا خشية تدخّل «حزب الله».
إلّا أنه وفي نهاية الامر استقر الرأي على إخراجه من خلال مطار بيروت على رغم إدراك مسؤولي الفرع حجم تأثير «حزب الله» وقدرته في المطار، وفعلاً تمّت العملية بلا أيّ ردّ فعل للحزب وهو ما جعل الديبلوماسيين الغربيين يستنتجون أنّ ايران ومعها «حزب الله» أصبحا أكثر مرونة.
كذلك فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي عقد طاولة الحوار إنّما شرع بذلك بعد تواصل مع ديبلوماسيين ولا سيما منهم السفير الاميركي ديفيد هيل الذي شجعه على ذلك، وما كان ليقدم على خطوته أيضاً لولا موافقة «حزب الله».
طاولة الحوار مهمتها الحقيقية مواكبة المستجدّات السورية ولكن من الزاوية الداخلية اللبنانية للمساعدة في إنجاز تسوية تلحظ قانوناً جديداً للانتخابات والحكومة المقبلة ورسم توازناتها والجيش اللبناني وتتويج ذلك بإنتخاب رئيس جديد من المجموعة الوسطية او المستقلة مع نهاية السنة.