بين غياب التشريعات ومنافسة الفنادق
“أهلا بهالطلّة…أهلا” والإستعدادات جارية على قدم وساق لاستقبال السيّاح والمغتربين العائدين إلى لبنان. وزارة السياحة شمّرت عن زنودها ومعها كل العاملين في القطاع السياحي من فنادق ومنتجعات ومطاعم وبيوت ضيافة. وحده قطاع سياحي واعد يطل رأسه بخجل إنما بثبات وإصرار وسط زحمة الإستعدادات من دون أن يلقى حتى اليوم الدعم الكافي من المعنيين بالسياحة، إنه قطاع بيوت AirBnb أو ما يعرف بالإيجار على المدى القصيرالذي بات ينافس الفنادق عالمياً ومحلياً رغم عدم وجود تشريعات قانونية له بعد.
لبنان ركب هذه الموجة السياحية وبدأ يحولها من عمل إفرادي محدود الفائدة والأرباح الى بزنس منظم يمكن أن يساهم في تفعيل استجابة لبنان للتحديات التي تطرحها أساليب السياحة الجديدة، كما يساهم في الوقت نفسه في زيادة المداخيل السياحية للبلد وللأفراد في وقت هم في امس الحاجة الى مردود بالعملة الصعبة.
المبدأ سهل لا يحتاج الى رأسمال كبير بل يقوم على الاستفادة من البيوت الموجودة في بيروت والمدن والقرى وعرضها على منصة AirBnb العالمية ليقوم من يود زيارة لبنان باستئجارها لفترة محدودة لا تتعدى فترة إقامته. وبهذا يستفيد السائح من إقامة بسعر مقبول ويستفيد صاحب البيت من مردود جيد وثابت من دون وجع رأس ومشاكل عقود الإيجار وقوانينها الملتبسة. لكن لا يزال مفهوم تأجير البيوت على المدى القصير او ما هو شائع عالمياً تحت مصطلح AirBnb غير واضح بالنسبة للكثيرين، حتى أن الاسم قد عُمّم وطغى على المضمون في حين ان منصة AirBnb ما هي إلا وسيلة من بين وسائل ومنصات عدّة لحجز البيوت. هي وسيط بين من يملك بيتاً يود تأجيره لفترة محدودة ومن يود حجز بيت. ولمعرفة المزيد عما يكتنزه هذا القطاع الجديد نسبياً في لبنان كان لنداء الوطن لقاء مع رولان بيطار وهو شريك إداري مؤسس لشركة Local Host التي تعنى بتسويق المناطق والبيوت المعروضة للأيجار على المدى القصير بطريقة محترفة ترفع من قيمة هذا البزنس.
بزنس مزدهر
بدأ ازدهار هذا النوع من الإيجار مع ازدهار الأونلاين فصار كل من لديه بيت أو غرفة في بيته يود تأجيرها يلجأ الى عرضها عبر منصات الإنترنت ليراها المهتمون حيثما وجدوا في العالم، ووجد الناس في هذه البيوت فرصة لإقامة أقل كلفة من الفنادق. يمكن لأي كان أن يعرض بيته على المنصة إنما إن جاءت التعليقات حوله سلبية أو تم التأكد أن الصور المعروضة لا تناسب الواقع أو أن البيت غير موجود اصلاً فإن المنصة تسارع الى إزالته. أما إذا تم تقديم المنزل بشكل محترف مع صور جيدة ووصف دقيق فإنها تبقيه معروضاً ويزداد الإقبال عليه كلما زادت التعليقات الإيجابية. وعادة ما تربح المنصة 15% من كل حجز يتم عبرها.
«نحن كشركة نجمع البيوت المعروضة للإيجار في لبنان ونضعها على منصة AirBnb وغيرها من المنصات ونعمل كوسيط على تسويقها وتحسينها لقاء بدل مالي نسبي، وذلك لتأجيرها بأفضل الأسعار. ونقدم الاستشارات لطريقة إجراء الديكور فيها وتحسين وضع الكهرباء والواي فاي حتى تصبح أكثر جاذبية بالنسبة للباحث عن بيت. كما نضمن لصاحب البيت الحصول على الربح المطلوب حتى ولو تضمن الأمر مخاطرة نتحملها نحن. وقد نعمد الى استئجار البيوت من اصحابها ومن ثم نعيد تأجيرها. وقد باتت شركتنا مرجعية يثق بها الطرفان وصار الكثيرون يجرون حجوزاتهم عبر موقعنا وشركتنا سواء من خارج لبنان أو داخله وذلك لأننا نقدم لهم خدمات عدة مثل الاستقبال على المطار وتأمين النقليات وتصريف الأموال وإرشاد الوافد الى كل ما يحتاجه في محيط البيت من متاجر ومطاعم وغيرها وتوفير المساعدة الضرورية للتنظيف ومعالجة أية مشاكل تقنية قد تطرأ في البيت لجعل تجربته سهلة ومريحة فيترك افضل التعليقات عنها ما يساعد لاحقاً في سرعة تأجير البيت من جديد».
لإدخالها ضمن الشبكة السياحية، لا يكفي العمل على صعيد بيوت فردية بل يجب التسويق لمناطق معينة وإبراز ما فيها من إمكانيات سياحية وبيئية قادرة على جذب السياح ما ينعش المنطقة وينعش معها بيوتها المعروضة للإيجار سواء في أحياء بيروت او في المناطق الجبلية.
إحياء المناطق سياحياً
«فريقنا يقوم بالتسويق لمناطق مار مخايل والجميزة التي تضررت بعد انفجار بيروت والتي لا تزال رغم الحركة السياحية فيها غير مسوقة بشكل كاف ليقصدها سواح من كل أنحاء العالم، ومعروف ان كل منطقة لا تقوم بتسويق نفسها تموت سياحياً ولو كانت غنية بالإمكانيات والأدلة على ذلك كثيرة وأبرزها وسط بيروت. بعد الانفجار ساعدنا في ترميم وتجديد حوالى 80 بيتاً واليوم بات لدينا 300 بيت في المنطقة وبعضها ذو طابع تراثي وتلقى إقبالاً كبيراً. كما نقوم بالتسويق لمناطق في جرود البترون وفي فاريا وفقرا والمتن وذلك لمساعدة الناس في هذه الأماكن لا على تأجير بيوتهم فحسب بل على إحياء كل الحركة الريفية والتجارية والإنمائية فيها. فالأجانب وأيضاً المغتربون يبحثون عن عيش تجربة ريفية ممتعة ونحن نساعد على تأمينها لهم بأفضل الظروف ليشعروا وكأنهم في بيتهم».
لكن رغم أهمية الإيجارات القصيرة المدى فإنها تطرح إشكالية كبيرة سواء بالنسبة للفنادق أو للقوانين والتشريعات التي تنظمها وذلك على مستوى العالم وليس محلياً فحسب. هي حتماً تشكل منافساً قوياً للفنادق وقد بدأ هذا القطاع يتذمر من وجودها وفق ما سمعنا سابقاً من شخصية فندقية مرموقة. فكعكة السياحة باتت مقسومة على أكثر من فئة: الفنادق، بيوت الضيافة وبيوت الإيجار القصير المدى. لكن المعنيين بتسويق القطاع الأخير يرفضون هذا المبدأ وحجتهم حسبما يقول السيد بيطار انه حين يتم التسويق لمناطق معينة والمساعدة في ازدهارها فهذا يساهم في إبقاء الناس في ضيعهم والمحافظة على بيوتهم القديمة والتراثية وجعل كل ما في المنطقة ينتعش حتى الفنادق المحيطة والمطاعم وكل الأنشطة. ويؤكد انه كلما ساهمنا في زيادة أعداد الأشخاص القادمين الى لبنان ساعدنا في تنشيط كل القطاعات السياحية دون خلق منافسة مؤذية. ولبنان مؤهل لحسن استقبال الضيوف وتقديم الناحية الإنسانية فيه على الناحية التكنولوجية لذلك لا بد من استغلال كل هذه الطاقات وجمعها من أجل النهوض بالسياحة ونشر دعاية جيدة للبنان.
صحيح ان هذا القطاع لم يقونن بعد وبعض مدن العالم باتت تضع شروطاً له حتى لا يؤثر على قطاع الفنادق فيما البعض الآخر يشجعه لإحياء السياحة. في لبنان لا يزال الأمر بعيداً عن التشريعات فلا رخص محددة تعطى من قبل وزارة السياحة او البلديات لمن يود تأجير بيته أو للشركات ولا ضرائب إضافية تفرض بل يخضع البيت للضرائب المعتادة من مالية وبلدية كما تخضع الشركة المشغلة لضرائب على الأرباح وضريبة الدخل وغيرها. أما تسعيرة الإيجار فلا يحددها أي قانون بل تخضع للعرض والطلب وتختلف حسب المناطق.
إنما في بلد مثل لبنان تطرح هذه البيوت إشكالية أمنية فمن يضمن خلفية من يقوم باستئجارها او اهدافه؟ «أمنيا يقول بيطار ندرس وضع كل من يود استئجار البيت وننسق تنسيقاً كاملاً مع القوى الأمنية ونرسل إليهم تقريراً كاملاً حول هوية مستأجر البيت وموعد وصوله ومغادرته».
غياب الدعم الرسمي
الموسم الصيفي يبدو واعداً جداً والحجوزات حتى اليوم وصلت الى 75% لكن رغم ذلك لا تزال وزارة السياحة شبه غائبة عن هذا المشهد رغم مساهمته الكبيرة في تنشيط السياحة. ووفق ما عرفنا لا إحصاء للبيوت المعروضة للإيجار سواء إفرادياً أو عبر الشركات ولا خرائط لأماكن انتشارها ولا تسويق لهذا القطاع من قبل الوزارة. وقد يعود السبب الى كون هذا القطاع لم «يتكودر» بعد ولم يتم إنشاء نقابة له كما فعل اصحاب بيوت الضيافة ولا يزال العمل فيه على مستوى فردي ما عدا بعض الشركات التي تعمل جاهدة لتحويله الى بزنس وقطاع مثمر. وفي هذا الصدد يقول رولان بيطار إن امتداد شركتهم بين عدة بلدان مثل قبرص واليونان وقريبا المملكة العربية السعودية يؤمن شبكة سياحية متراصة يكون من خلالها السائح قادراً على إجراء جولة بين مختلف هذه البلدان.
تنمية ريفية… شتوية
ميشال يملك في إهدن بيتاً عائلياً قديماً حوّله الى بيت للإيجار لكن التجربة لم تكن ناجحة مئة في المئة وفق ما يقول لأنه لم يستطع تأجيره إلا صيفاً فيما شتاءً ورغم جمال المنطقة إلا أن التنقل فيها صعب وكذلك تأمين التدفئة والواي فاي والحركة فيها شبه غائبة. ويأمل لو تعمل الجهات المسؤولة على وعي هذا الواقع والعمل على تنشيط المناطق الريفية صيفاً وشتاء ليستفيد أهل المنطقة من بيوتهم. فهل تستجيب البلديات في المناطق لنداء السياحة؟