صيف جهنّمي بامتياز والـ “إيركونديشن” خارج الخدمة
مخطئ من يظن ان الدولة اللبنانية غير عابئة بمواطنيها الذين يكتوون بحرّ الصيف، ومن يتهمها زوراً بأنها لا تشعر بمعاناتهم، فالدولة قلبها علينا تريدنا أن نتأقلم شيئاً فشيئاً مع حرارة الجحيم و قد أصبحنا على أبوابه حتى لا نصاب بصدمة حرارية قد تعرقل دخولنا الهانئ إليه. فبين طقس لبنان المعتدل ونار الجحيم الكاوية مسافة تريد دولتنا أن نقطعها بسلاسة، بلا تكييف ولا هواء مبرّد حتى تتعوّد اجسامنا على حرّ جهنم وتذوب أدمغتنا شيئاً فشيئاً. أجل التكييف ممنوع رحمة بصحة المواطن وتحفيزاً لقدرته على التكيُّف.
وكأن المصائب السياسية والاقتصادية والغلاء وأزمة البنزين لم تكفهم لتضاف الى مصائب اللبنانيين مصيبة جديدة في عز موجة الحر الصيفي ألا وهي غياب التكييف عن معظم المنازل وتحولها الى آتون ملتهب يكوي أهله بناره. فمع انقطاع التيار الكهربائي لعشر ساعات أو لخمس عشرة ساعة أو أكثر يومياً وسياسة التقنين الحادة التي يعتمدها معظم اصحاب المولدات بالتضامن والتكافل في ما بينهم وتحت رعاية وزير الطاقة ريمون غجر وأنظار السيدة أورور الفغالي مدير عام النفط في وزارة الطاقة والمياه وهمّة السيد عبدو سعادة رئيس تجمع اصحاب المولدات، صار تشغيل المكيفات في البيوت حلماً شبه مستحيل فيما تشغيل المراوح الكهربائية دونه عثرات التقنين القسري للكهرباء و المولدات.
أعوام وأرقام
قد يقول قائل إن الخبز أهم من التكييف الذي هو رفاهية لطالما عاش اللبناني من دونه، وإن لديه من المصائب ما هو أهم من الحصول على نسمة هواء باردة تعينه على النوم عله ينسى مصائبه، لكن وبحسب تقرير للبنك الدولي نشر على موقعه عام 2019 فإن تكييف الهواء أصبح ضرورياً للصحة العامة والرخاء الاقتصادي مع ارتفاع درجة حرارة العالم والتوسع السريع للمدن وهو يساعد البلدان على التكيّف مع هذا الواقع المناخي الجديد. ويؤكد التقرير أن درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع تقلل انتاجية العمل وتزيد من معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات ما يشكل تهديداً حقيقياً لحياة الإنسان ورفاهيته. ففي العام 2017، فُقدت 153 مليار ساعة عمل بسبب الحرارة وبحلول منتصف القرن، من المتوقع أن تؤدي الحرارة الشديدة إلى خفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة تصل إلى 50% في بلدان الجنوب بحسب التقرير نفسه.
ووفق الأرقام تعتبر السنوات الثماني عشرة الماضية اي منذ مطلع الألفية الثالثة الأكثر ارتفاعاً في درجات الحرارة على الإطلاق. وقد أدت الحرارة الشديدة في صيف 2018 في اليابان إلى دخول أكثر من 22 ألف شخص المستشفيات ووقعت 80 حالة وفاة، وفي باكستان والهند، توفي ما لا يقل عن 65 شخصاً عندما ظلت درجات الحرارة أعلى من 40 درجة مئوية لعدة أسابيع.
زمن المراوح
وتواجه بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحسب التقرير متوسط درجات حرارة سنوية يبلغ 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وقد زاد استهلاك الطاقة لتبريد الأماكن الداخلية في الشرق الأوسط بمقدار الخُمس على مدار العقود الثلاثة الماضية.
نحن إذاً لا نتكلم هنا عن ” فنظزة” يطلبها اللبناني او من يقصد لبنان زائراً أو سائحاً بل عن حاجة حياتية أساسية لم يعد له عنها غنى مع زيادة موجات الحرارة وتحولها إلى وضع شائع صيفاً، مكلف صحياً وعصبياً. فهل يمكن تخيل حال هذا المواطن حين يعود الى بيته بعد انتظار ساعات في صف البنزين تحت حرارة شمس لاهبة ليجد انه غير قادر على تشغيل المكيّف ليسترد معه النفس المقطوع؟ وهل يمكن تصور وضع مواطن أمضى نصف ليله مستيقظاً يتعارك مع البرغش على شرفة منزله او السطيحة لأنه لم يستطع النوم بلا تكييف؟
وهل سمعتم يوماً في منتصف الليل صراخ مواطن يشتم ويسبّ باسيل وغجر وصاحب المولد معاً لأنه لا يستطيع تشغيل المكيف لينال قسطاً من النوم؟ إنه الجحيم بعينه ومن لم يختبره لا يمكنه أن يدرك قساوة لسعته.”بورد” على حسابك
منذ أسبوع، أو أكثر أعلن عبدو سعادة أن تسعيرة الإشتراك سترتفع وستصبح تكلفة 5 أمبير 500 ألف ليرة لبنانية مع الارتفاع الحاصل في سعر المازوت، لذا حملنا بعض الأسئلة التقنية الى متخصص في الكهرباء ويعنى بشكل خاص بالمكيفات لنستفهم منه كيف يمكن لاشتراك 5 أمبير ان يلبي كل احتياجاتنا للكهرباء ويشغّل المكيّف؟ وبأية كلفة يمكننا ان “نبورد”؟
يقول رياض ساسين المتخصص في الكهرباء أن 5 أمبير يمكنها ان تشغل مكيفاً بقوة 9000 BTU يبرّد غرفة لا تزيد مساحتها عن 16 متراً مربعاً وتشغيل المكيف هذا يستهلك 4,5 امبير ولا يترك لباقي احتياجات المنزل الكهربائية إلا 0,5 امبير. ويرتفع الاستهلاك بالطبع كلما زادت طاقة المكيف. والغرف الكبيرة او الصالونات تحتاج الى مكيف طاقته تتراوح من 18 الى 24 ألف BTU اي ان هذه المكيفات بحاجة الى 10 أو 15 أمبير. هذا إن تحدثنا عن مكيّف واحد في المنزل.؟ فهل تجتمع العائلة كلها وتنام في غرفة واحدة؟ ام يتم تقسيم “البرودات” بالعدل والقسطاس في ما بين افرادها وفق جدول توزيع مدروس لساعات الليل والنهار؟ وإذا احتسبنا قيمة تقريبية لمصروف المكيّف الصغير على التسعيرة التي تعتمدها وزارة الطاقة لشهر حزيران اي 1326ليرة للكيلواط نجد ان مصروفه في الساعة يعادل حوالى 13000 ليرة. فكيف إذا تمت زيادة تعرفة المولدات ورفع سعر الكيلواط؟ حينها تصبح ساعة “البرود” أغلى من ساعات الاساتذة المتعاقدين في المدارس الرسمية من الفئة الرابعة و ما دون…
يؤكد ساسين أن ثمة مكيفات حديثة مزودة بنظام Inverter تستهلك طاقة اقل لا تحتاج لأكثر من 1,2 امبير عند التقليعة لتصل بعدها الى حدود 3,5 فيما المكيفات التقليدية تستهلك الكثير من الطاقة عند التقليعة لكن لحسن الحظ ان الأمر يستمر لجزء من الثانية قبل أن يقرأها الديجونكتور ويفصل أو “يطق”.
خطان لا يلتقيان
بعيداً عن الشروحات التقنية نسأل الخبير ما هي المشاكل التي تنتج عن تشغيل المكيفات على المولد غير الكلفة المالية؟ فيقول أنه عند تحميل المولد فوق طاقته تنزل الترددات( frequency) التي يجب ان تكون عادة عند حدود 50 هيرتز الى مستوى 45 هيرتز وهو ما نعرفه كلنا ونشهده يومياً حين ” يغصً الموتور”. فذلك يشكل خطراً كبيراً على الأنظمة الإلكترونية للمكيفات ولكل جهاز كهربائي يعمل بمحرك مزود بـbobine لأن ” الغصة” تتسبب باحتراق البوبين الذي باتت كلفة تصليحه اليوم لا تقل عن 30 دولاراً تدفع بالعملة الصعبة او ما يوازيها. ومن جهة أخرى قد يبادر اصحاب المولدات الى تسريع دوران المولد ما يرفع من الترددات الى ما فوق 52 وهذا بدوره يحمّي الأنظمة الإلكترونية او الكهربائية في البيت ويسبب بإحتراقها. أما مشكلة المشاكل بحسب الاختصاصي الكهربائي رياض ساسين فحين ” ينوص” الموتور اي لا ينطفئ بشكل ملائم فتخف الطاقة الكهربائية فيه ثم تختفي حينها يمكن ان يتسبب بأعطال كبيرة في كل الأدوات الكهربائية فنسمع ارتجاج البراد مثلاً او تتعطل اللوحة الإلكترونية في المكيفات وغيرها…
إذا المكيّف والمولّد مثل خطين متوازيين لا يلتقيان، وكهرباء وزارة الطاقة كحبل مقطوع في وسط البئر معلقاً اللبنانيين بين قعر مظلم وسطح لا يجدون للوصول إليه سبيلاً. فكيف يحصلون على نسمة منعشة تخفف عنهم حر جهنم الذي ينساب نحوهم من ابوابها المفتوحة؟ هل المراوح هي الحل بمصروفها الخفيف ام أنها تدور في حلقة التقنين المفرغة ذاتها؟ وإذا سلّمنا جدلاً أن المراوح الحديثة التي يمكن شحنها وتشغيلها على البطارية هي الحل فكيف نؤمن لها بضعة ساعات طاقة متواصلة حتى نعيد شحنها لوقت الحاجة؟ كل الحلول إذاً تعيدنا الى المربع الأول أي الى الكهرباء وتقنينها، ونجد أنفسنا عاجزين عن ابتكار حل سبقتنا إليه قبائل الغابات والصحارى.
نتيجة هذا الواقع ربما يتجه اللبناني بأنظاره نحو الأندلس أرض الأجداد ليستعير منها “مهوايات” القش الأندلسية الشهيرة أو قد ينصب مرجوحة بين سطوحه وسطوح الجيران علّه يحظى بنسمة باردة تجعله يكيف على حسابه وبلا جميل الدولة.
السوري مكيّف
في عز أزمة المكيفات هذه حيث يفكر بعض اللبنانيين بالتخلي عن مكيفاتهم وبيعها قطعاً فإن استيراد المكيفات قد ازداد وفق أحد مخلصي البضائع الجمركيين في مرفأ بيروت خصوصاً تلك الزهيدة الثمن. وقد استبدلت إحدى شركات الإلكترونيات في لبنان ما كانت تستورده من مكيفات ذات ماركة عالمية شهيرة بمكيفات أخرى اقل ثمناً وأدنى جودة. وبحسب عدد من التجار فإن هذه المكيفات لا يصل معظمها الى السوق اللبناني الذي لم يعد قادراً على استهلاكها بل يتم تهريب جزء منها الى سوريا ليبقى الشعب السوري الشقيق “مكيّفاً” ولو عن طريق لبنان.
كيّف بأربعة ملايين
في مثل هذه الأيام من سنوات العز كانت العروضات على مكيفات الهواء تملأ كل وسائل الإعلام والتواصل، فالصيفية لا تحلو من دون مكيّف والأسعار بالتقسيط المريح في متناول الجميع، فمن لا يكيّف بـ20 دولاراً في الشهر؟ اليوم الأمور تبدلت والحسومات اختفت وحدها بعض العروضات الخجولة على شكل هدايا تحفيزية لا تزال تطل برأسها في بعض المحلات الكبرى. المكيفات الكورية الصنع او اليابانية او الأميركية صارت من الماضي والسوق لم تعد تحتمل إلا البضاعة الصينية ذات الأسعار المقبولة، وفق ما يقول أحد مخلصي البضائع في مرفأ بيروت. المكيفات التي لا تزال تحتل المرتبة الأولى مبيعاً هي ذات 9000 او 12000 BTU والأولى يتراوح سعرها بين 200 و 250 دولاراً يضاف إليها ضريبة القيمة المضافة أما إذا كانت من فئة الـ INVERTER الحديثة فالسعر يرتفع الى 330 دولاراً وما فوق فيما الثانية اسعارها تبدأ بـ 245 دولاراً وتتصاعد الى أعلى. ولكم أن تحسبوا الأسعار على الليرة اللبنانية حيث يقارب سعر أرخص مكيف حوالى 4 ملايين ليرة لبنانية كاش ومن دون تقسيط. وترتفع الأسعار كلما ارتفعت طاقة المكيف او تحسّنت نوعيته لترتفع معها حرارة المواطن الذي يكتوي بنارها متهيئاً لنار جهنم.