Site icon IMLebanon

مشهد المطار أو السيادة كوجهة نظر

 

هزأ معلّقون كثر من زعم أنصار الثنائي الشيعي الأسبوع الماضي أنّهم تظاهروا على طريق المطار دفاعاً عن سيادة لبنان. وطفت مجدّداً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تعابير من نوع “الجالية الإيرانيّة”، “أزلام إيران”، “الاحتلال الإيراني”، وما شاكل. من منطلق الرفض التامّ لكلّ ما يمثلّه الثنائي الشيعي بسياسة لبنان، ومجتمعه، أصدّق أنصاره الذين صدحوا منذ أيّام أنّهم يدافعون عن سيادة لبنان. صحيح أنّ حميّتهم السياديّة لم تتحرّك ضدّ إيران مع أنّها حوّلتنا لسنوات إلى منصّة صواريخ بخدمتها على حدود إسرائيل. ولكنّ الدفاع عن السيادة يكون بوجه عدوّ؛ والنظام الإسلامي الإيراني، الذي هو عدوّي، ليس عدوّ أنصار الثنائي. ذلك أنّ الهويّة العميقة التي تحرّكني ليست هويّتهم، والعكس. استطراداً، بوصلتي القيميّة (الديمقراطيّات الليبراليّة الغربيّة) شيطانهم؛ وبوصلتهم (الجمهوريّة الإسلاميّة) شيطاني. لهذا أصدّقهم عندما يقولون إنّهم يدافعون عن سيادة لبنان التي أفهمها كوجهة نظر مرتبطة مباشرة بالهويّة الطائفيّة. أمّا وأنّ هويّتهم ليست هويّتي فطبيعي أن يكون مفهومهم للسيادة غير مفهومي. عندي أنّ الأمور بهذا الوضوح.

 

 

 

لعلّ هذا الكلام يثير امتعاض معارضي الثنائي، لا سيّما بالوسط المسيحي الذي فهم نفسه تقليديّاً كمدافع عن سيادة البلد. ولكنّ المعادلة التي تصحّ على سياديّي الثنائي تصحّ بدورها على أخصامهم. للتذكير: بالصراع بين إميل إدّه وبشارة الخوري، انحاز جلّ المسيحيّين إلى الأوّل، مع انّه بقي حتّى اللحظة الأخيرة مؤيّداً للانتداب الفرنسي على لبنان. بالخمسينات، صار كميل شمعون بطريرك المسيحيّين المدني، مع أنّه استدعى التدخّل الأميركي العسكري عام 1958. لاحقاً أيضاً، تحوّل بشير الجميّل إلى أيقونة سياسيّة مسيحيّة، ولا يزال؛ أقلّ ما يقال عن ظروف انتخابه عام 1982 إنّها لم تكن “سياديّة”، دون أن يزعج ذلك محبّيه السياديّين. واليوم، يرتاح جلّ المسيحيّين للعهد الجديد، مع أنّ التدخّل الدولي المباشر الذي سمح به لا يخفى على أحد. ربّ سائل، أيّ اتّجاه “سيادي” هذا هو الذي ينحاز لتدخّل أجنبي تلو الآخر؟ الجواب أنّ الحسّ السيادي المسيحي يتحرّك عندما يكون المتدخّل بسياسة لبنان طرف إسلامي، سواء كان هذا الطرف إيران، أو سوريا، أو منظّمة التحرير، أو مصر ناصر. بالمقابل، عندما يكون المتدخّل غربيّاً، فالحساسيّة السياديّة المسيحيّة تضعف. لماذا؟ لأنّ المسيحيّين ليسوا ذميّين بالغرب، وهم كذلك إلى اليوم بعالم الإسلام. ينظر مسيحيّو لبنان إلى أوضاع إخوانهم بمصر، أو سوريا، أو العراق، ويصدحون برفضهم أن يصيروا بدورهم مواطنين من فئة ثانية بمنطقة تستند كراهية “النصارى” فيها إلى نصوص دينيّة مؤسّسة، وموروث ثقافي قديم. ما يخاله الوعي المسيحي العام توجّهاً “سياديّاً” لبنانيّاً هو بحقيقته موقف نضالي مسيحي. عندي أنّ هذا الموقف ضروري. ولكنّه لا يلغي المعادلة التي طرحتها سابقاً ومفادها أنّ السيادة بلبنان وجهة نظر تحدّدها الهويّة الطائفيّة.

 

 

 

باختصار، نعم، الشيعة المعترضون على ما يرونه وصاية أميركيّة – إسرائيليّة على لبنان سياديّون؛ وفق فهمهم هم للسيادة. والمسيحيّون الذي يكرهون نظام إيران ويرحّبون بتدخّل الشيطان بشؤون لبنان لو خلّصهم من السلاح الأصولي سياديّون بدورهم، من وجهة نظر مسيحيّة. وما هو صحيح بالنسبة للمكوّنين المسيحي والشيعي صحيح بدوره بالنسبة للسنّة والدروز. خياراتنا، بعد مئة عام هي عمر الجمهوريّة اللبنانيّة، واضحة: يمكن لنا أن نكمل محاولات فرض هويّاتنا وتبعاتها السياسيّة على بعضنا البعض، فنتابع جولات حربنا الأهليّة التي تكون طوراً حامية، وطوراً باردة، ولكنّها دوماً مستمرّة؛ أو يمكن لنا أن نفهم أنّ هويّاتنا ليست سوء تفاهم بسيط نتجاوزه بزجل إضافي عن معنى لبنان المفترض، ورسالته.

 

 

FacebookWhatsAppXLinkedInShare