Site icon IMLebanon

«قناة سويس» القرى الحدودية: عيتا تدفع الفاتورة مضاعفة

 

 

في حرب تموز 2006، بعد 6 سنوات على تحريرها، لم يتمكّن جنود الاحتلال طوال 33 يوماً من دخول عيتا الشعب (قضاء بنت جبيل) رغم القصف العنيف والغارات التي طاولت 65% من الوحدات السكنية فيها: تضرر في القصف 1100 منزل، من بينها 700 دُمّرت كلياً، واستشهد في المواجهات تسعة مقاومين وأربعة مدنيين، «لكن، كل ذلك لم يعكّر شعور أهل عيتا بلذة الانتصار على المحتل الذي جثم على صدورهم طويلاً. منذ عام 2006 يتناقل أبناء البلدة أحداث تلك الحرب وبطولات المقاومين، ما ولّد لدى الأجيال الجديدة شعوراً بالعزّة والتحدّي» وفق أحد المخضرمين في العمل المقاوم من أبناء البلدة. لذلك، كانت «الفاتورة» التي دفعتها عيتا في الحرب الحالية مضاعفة: 18 شهيداً «على طريق القدس»، شيّعهم أهالي البلدة النازحون إلى القرى المجاورة في فترات هدوء استغلّوها لاستراق النظر إلى منازلهم المدمّرة.تتداخل أراضي عيتا مع الأراضي الفلسطينية التي تحدّها من الغرب والجنوب، وتنتصب مقابلها 4 مواقع محصّنة لجيش الاحتلال، هي: شتولا، الراهب، تل شعر ونطوعا. عايشت البلدة مأساة الفلسطينيين منذ نكبة عام 1948، فاستقبلت عشرات العائلات النازحة من البلدات الفلسطينية المجاورة، مثل تربيخا والدير وصروح والنبي وغيرها، «عاشوا معنا سنوات طويلة حتى ستينيات القرن الماضي، وبعضهم لا يزال يقيم بيننا» بحسب المدير السابق لثانوية عيتا الشعب محمد قاسم (75 سنة)، مشيراً إلى أنه «منذ نشأة الكيان الغاصب، تعرضت البلدة لاعتداءات متكررة وسرقة جزء من أراضيها وأملاكها، وكان المستوطنون يتسلّلون إلى أطرافها ويعتدون على رعاة الماعز ويسرقون مواشيهم».

بقيت البلدة، كما غيرها من البلدات الحدودية، طوال فترة العمل الفلسطيني المقاوم، «ملاذاً آمناً للفدائيين الفلسطينيين الذين استخدموا طرقاتها الزراعية وحرجها للعبور إلى فلسطين وتنفيذ عمليات عسكرية، وكانوا يتخفّون في منازلها قبل الانطلاق نحو أهدافهم»، بحسب الدكتور نبيل سرور، حتى «أطلق عليها أبناء المنطقة اسم قناة السويس نظراً إلى أهميتها في الدفاع عن المنطقة وفلسطين».

ويلفت ابن البلدة السيد علي مسرّة إلى أن «محافظة أبناء البلدة على تقاليدهم وعاداتهم والتزامهم الديني ساهمت بشكل كبير في تعزيز الانتماء إلى الخط المقاوم ونصرة فلسطين وأهلها، والفضل في ذلك يعود إلى عدد من أبناء البلدة الذين تفرّغوا لتربية الأجيال ونشر الثقافة الدينية والوطنية». فيما يشير سرور إلى أن «الوعي الوطني لأبناء عيتا جعلهم يرفضون شراء البضائع الإسرائيلية أثناء الاحتلال ويقاومون أساليب التطبيع المختلفة، ما عرّض عدداً من المعلمين والمبلّغين للاعتقال والتعذيب». وفي هذا السياق، يقول قاسم إن سجن الخيام كان يضم عند تحريره عام 2000 «أكثر من 90 شاباً من البلدة من الذين رفضوا التجنّد في جيش لحد». بعد التحرير ارتفع عدد المقيمين في البلدة من 12000 إلى حوالي 17000 نسمة، وزاد عدد وحداتها السكنية بأكثر من ثلاثة أضعاف.

منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، نزح معظم أبناء عيتا، ومعظمهم من الفقراء أو متوسطي الدخل، إلى قرى صور والنبطية. ورغم خطط الطوارئ الحكومية، يشكو مسرّة من «الغياب الكامل للدولة ومؤسساتها التي لم تقدم سوى القليل جداً للنازحين، بما لا يكفي لتأمين الحاجات الخاصة ولا سيما تلك المتعلقة بالأطفال وكبار السن». ويشير إلى أن «أبناء القرى والبلدات التي استقبلت النازحين لم يبخلوا ببيوتهم، فيما يتحمّل حزب الله وحده تأمين الخدمات الصحية والاستشفائية». فيما «تضامن أبناء البلدة في ما بينهم بتشكيل لجان للمساعدة، ساعد ذلك في تأمين الحاجات الضرورية لعدد كبير من العائلات، وفي اندماج أبناء عيتا في القرى والبلدات التي نزحوا إليها». أما المشكلة الأكبر، بحسب ابن البلدة الطبيب علي بزي، فتتعلق بـ«عدم القدرة على تسجيل الطلاب في المدارس الرسمية والخاصة، لذلك يجب تأمين الدعم اللازم للأهالي لتغطية تكاليف التسجيل والكتب واللوازم المدرسية».

18 شهيداً وأكثر من نصف منازل البلدة دُمّرت، إضافة إلى تضرّر مئات أخرى وأكثر من 400 محلّ ومؤسسة تجارية

 

إلى شهدائها الـ 18، يقدّر متابعون من أبناء البلدة أن عدد المنازل المهدّمة كليّاً في هذه الحرب «زاد على 800 منزل، أي أكثر من نصف منازل البلدة، إضافة إلى تضرّر مئات أخرى، وأكثر من 400 محلّ ومؤسسة تجارية». وفي ما يتعلق بالأضرار الزراعية، يشير المزارع نزيه دقدوق إلى أن «في البلدة أكثر من 800 أسرة تعتمد على زراعة التبغ وتسلّم سنوياً ما يزيد على 12000 طرد ( الطرد يعادل 23 كلغ) ما يعني أن كل أسرة خسرت ما يزيد على 10 آلاف دولار، إضافة إلى الخسائر الناجمة عن عدم قطاف الزيتون وزراعة القمح والغار وغيرها». ويلفت سرور إلى أن «القنابل الفوسفورية التي استخدمها العدو أدّت إلى يباس مئات الأشجار وتلوث الحقول، ما سيؤثّر سلباً على عمل المزارعين في المستقبل».

وإلى تداخل حدودها مع فلسطين المحتلة، تحيط بعيتا بلدات رميش ودبل والقوزح، وهي بلدات مسيحية تربط أهلها مع أبناء عيتا «علاقات مودة وانصهار قلّ نظيرها»، بحسب السيد مسرّة، مشيراً إلى أن «علاقة حسن الجوار برزت في حرب تموز عندما نزح الآلاف من أبناء عيتا إلى بلدة رميش التي قدّم أهلها منازلهم لإيوائنا وتقاسموا معنا الخبز والماء رغم الحصار». أما عدم النزوح إلى رميش في الحرب الحالية فسببه «الخوف من انقطاع المياه والمواد الغذائية كما حصل في حرب تموز. ومهما حاول البعض إثارة الفتن فلن يهزّ ذلك العلاقة التاريخية مع أبناء رميش». فيما يشدد علي بزي على أن «عائلات رميش ترفض أصوات النشاز». ويؤكد معنيون بالعمل الإغاثي أن مساعدات حزب الله تشمل البلدات المسيحية القريبة من الحدود، بما فيها المازوت للأفراد والبلديات والتقديمات العينية والمساعدات الطبية والصحية. ويؤكد إيلي الحاج، أحد أبناء رميش الذي استقبل في منزله في عدوان تموز نازحين من عيتا أن «علاقة رميش بعيتا مرتبطة بتاريخ البلدتين ولن يعكّر صفوها الذين لا يكترثون للواقع والمستقبل. أبناء رميش يعرفون أن شباب عيتا وغيرها يدافعون عن الأرض التي تحضننا جميعاً، وهم يشعرون بالحزن والأسى عند سماع أصوات الغارات التي تهدم منازل زملائنا وأصدقائنا في عيتا وباقي القرى».