كما كل أمر في لبنان، وُضعت حادثة العاقبية على مشرحة التفسيرات العشوائية والاستنتاجات المتضاربة، علماً أنّ غالبية من أدلوا بدلوهم في هذه المسألة لا يملكون الوقائع الكافية والحقائق الكاملة للبناء عليها.
لم ينتظر كثيرون نتائج التحقيق الذي يتولّاه كل من قوات «اليونيفيل» والجيش، على رغم من ان القضية حساسة ولا تتحمل ترف سوء التقدير او سوء النيات، فراحت الأحكام المسبقة تصدر منذ اللحظة الأولى من هنا وهناك، كلٌ وفق مزاجه السياسي، من دون انتظار اكتمال الصورة الميدانية التي لا يزال بعض أجزائها الاساسية غامض او ضائع.
وكان لافتاً انّ «حزب الله» بادرَ فور وقوع الحادثة الى استنكارها ونفي اي علاقة بها، عبر تصريح مسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا الى وكالة «رويترز»، ثم قدّم عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب ابراهيم الموسوي التعزية بمقتل الجندي الايرلندي الى قائد القوات الدولية في الجنوب، الى جانب عدد من أعضاء لجنة الشوون الخارجية النيابية، في دلالة واضحة الى ان الحزب حاول مبكراً أن يقطع الطريق على توظيف ما جرى ضده.
وتؤكد اوساط قريبة من الحزب انّ واقعة العاقبية لا تتحمل اي أبعاد سياسية وبالتأكيد ليست رسالة موجهة الى «اليونيفيل»، «بل هي حادثة موضعية، غير مدبّرة وغير مخطط لها، على أن تكشف التحقيقات ملابساتها الميدانية».
وتشير الاوساط الى انّ الحزب اعتاد على معالجات الاشكالات الطارئة مع «اليونيفيل» عبر أقنية التنسيق المعتمدة، خصوصاً عندما كانت تحصل حوادث دهس لمواطنين لبنانيين او احتكاكات مع الاهالي خلال تنفيذ مهمات مُلتبسة «وبالتالي، فإن العلاقة مع «اليونيفيل» تخضع الى إدارة مَرنة والتعايش بين الجانبين ناجح عموماً، ولو كانت تُسجّل احياناً بعض التباينات حول نمط سلوك القوات الدولية على الأرض».
وتلفت الاوساط القريبة من الحزب إلى أنه حتى عندما صدر عن مجلس الأمن، بالتواطؤ مع أطراف في السلطة، قرار يلحَظ تعديل دور القوات الدولية في شكل يسمح لها بالتحرك ضمن مناطق عملها بلا تنسيق مع الجيش اللبناني، تفادت قوات «اليونيفيل» في الجنوب استخدام فائض الصلاحيات الممنوح لها وقررت التصرف بواقعية من خلال إبقاء القديم على قدمه، اي مواصلة تنسيق تحركاتها في نطاق انتشارها الجغرافي مع الجيش.
وتكشف الاوساط ان الساحل المُمتد من الأوزاعي الى الناقورة يخضع لمراقبة الحزب في سياق التحسّب لأي اعتداء او خرق اسرائيلي وسط استباحة الزوارق المعادية للمياه الإقليمية اللبنانية و«اليونيفيل» تعرف ذلك، وبالتالي تدرك حساسية الخط البحري».
وتوضح الاوساط انّ الحزب مُنكبّ على إجراء تحقيق خاص به لمعرفة ملابسات ما جرى، كاشفة انه طرح مجموعة أسئلة لم تصله أجوبة عنها من قيادة «اليونيفيل»، ومن اهمها:
– ما هو المبرّر او التفسير لخروج المركبة الدولية عن الاوتوستراد الأساسي على نَحو غير مألوف، وسلوكها الخط البحري القديم الذي لم يعد يستعمله سوى أبناء المنطقة المحليين؟
– لماذا لم يتم أصلاً تنسيق الانتقال من الجنوب الى بيروت مع الجيش وفق العرف السائد؟
– اذا كان الجنود قد ضلّوا طريقهم، لماذا لم يستدركوا الأمر باكراً ويعيدوا تصويب اتجاههم في الدقائق الأولى التي أعقَبت تغيير مسارهم عوضاً عن التوغّل في منطقة ليس معهودا ان تمر فيها «اليونيفيل»؟
– ألم يكن ممكناً ان تتوقف «المركبة الضالّة» في مكانها للتواصل مع الناقورة او مع الجيش من أجل مساعدتها بدل التصرف بتوتر انعكسَ هلعاً في صفوف المواطنين الذين كانوا موجودين آنذاك؟
– أين كانت المركبة الثانية وكيف تصرفت بعد انفصال المركبة الأخرى عنها علماً انّ المسافة الفاصلة بينهما ليست طويلة ويُفترض انهما على تواصل مستمر؟