Site icon IMLebanon

عكار المنسيّة أقرب إلى السويد من بيروت

 

 

مشروع RESLOG دينامية تنموية عابرة للبلدات والقرى

 

 

“حلمي أن يكون لعكار سفارة في بيروت”… أمنية اختصرت بها إحدى الشابات واقع عكار البعيدة جغرافياً وتنموياً وخدماتياً عن الدولة اللبنانية التي صارت بعيدة عن نفسها. ولأن الطبيعة لا تحب الفراغ كانت مبادرة من وكالة التعاون الدولي لاتحاد بلديات السويد (SALAR) لدعم عكار والمساهمة في تنميتها هي التي احتضنت في رحم حرمانها المزمن أكبر عدد من اللاجئين السوريين. مشروع RESLOG بتمويل من السفارة السويدية في بيروت ومشاركة جمعيات محلية كشف عن الوجه الحلو لعكار وإمكانياتها البشرية والطبيعية الهائلة.

 

في خيال البعض ممن باتوا محصورين فكرياً وجغرافياً في مناطقهم المقفلة، عكار مجموعة قرى في أقاصي الشمال يعرفون منها اسماً أو اثنين لانتمائهما الى زعيم معروف أو لورودهما في نشرات الأخبار. لكن عكار القضاء الممتد من الساحل الى الجبل بقراه وضيعه يشكل بمساحته الممتدة على حوالى 776 كلم مربعاً ثمن مساحة لبنان ويقارب عدد سكانه 600000 نسمة. وهو القضاء الذي استقبل ثاني أكبر نسبة من اللاجئين السوريين لتضاف الى أعبائه الدائمة أعباء جديدة.

في دراسة سويدية أجريت حول أكثر البلدان تأثراً بالأزمة السورية تم حصر تركيا ولبنان. ليصار بعدها الى اختيار عكار من بين المناطق اللبنانية الأكثر تأثراً كونها غير مغطاة بالخدمات وتفتقد الى دعم المنظمات الدولية مقارنة باحتياجاتها. فكان مشروع RESLOG الإنمائي أو ” المرونة في الحكم المحلي” لدعم عكار وتلبية بعض احتياجاتها، وكانت دعوة منه للمهتمين الى زيارة عكار.

 

الطريق الى أعالي عكار وتحديداً الى فنيدق لم يكن سهلاً، كان طويلاً ومتعباً يعكس واقع المنطقة والإهمال اللاحق بها، لكن الوصول الى فوق يمحو كل تعب الطريق. هناك الطبيعة وناسها من أجمل ما يكون. مناظر مذهلة ومواقع طبيعية وجغرافية تستحق أن تكتشف وناس طيبون طيبون ومضيافون في كل محطات الزيارة من حرار الى فنيدق والقموعة…

 

ثريا حمود المديرة الوطنية للمشروع تحدثت لـ”نداء الوطن” بحماسة عما أنجز حتى اليوم قائلة: “شراكتنا مع اتحادات بلديات هي لدعم وتعزيز العمل البلدي والتنمية الاقتصادية المحلية. دورنا هو التنسيق بين فئات مختلفة من بلديات ومجتمع محلي وجمعيات لإخراج الحلول المطلوبة للمشاكل الموجودة. قد ننفذ بعض المشاريع على الأرض لكننا نعمل لتمكين الناس وتدريبهم لنضمن الاستدامة ”

 

مشاكل عكار كثيرة تعود الى ما قبل الأزمات المتلاحقة لكنها اليوم اتخذت بعداً كارثياً مع أزمة اللاجئين وظروف أهل عكار الصعبة وتدهور تام في الخدمات والبنى التحتية وضعف أو حتى إنعدام لإمكانيات البلديات.

 

” كنا نعد لمشروع معين مثلاً كمشروع “المستجيب الأول” أو “إعادة التدوير” لتأتي الظروف وتنسف كل ما خططنا له فنضطر الى تغيير مسار المشروع للتأقلم مع الظروف الجديدة. نحن نقوم بما نقدر عليه” تقول حمود “لكننا بحاجة الى وزارات لتأمين الخدمات الأساسية”.

 

مشروع RESLOG يعمل اليوم مع اتحاديين بلديين، اتحاد بلديات “جرد القيطع” و”الدريب الأوسط”. “اشتغلنا على تحسين وتطوير قدرات المجالس البلدية وتمكين البلديات وعملنا بشكل خاص على التحول الرقمي للبلديات من خلال اعتماد نظام GIS او نظام المعلومات الجغرافية الذي تم وضعه بالتعاون مع جامعة البلمند وهو يتيح تجميع البيانات ووضع خرائط رقمية للطرقات مع صور جوية وغيرها. وقمنا بتدريب الفريق التقني من مهندسي البلديات ومتطوعين من المجتمع المحلي لاستخدام هذا النظام. وكنا سابقاً قد ساهمنا في تطبيق “سلامتي” خلال جائحة كورونا لتتمكن البلديات بالتعاون مع فئات مختلفة من إدارة أزمة كورونا”.

 

تجارب تنموية رائدة

 

رئيس اتحاد بلديات “جرد القيطع” السيد عبد الإله زكريا يتحدث بفخر وحماسة عن هذا الإنجاز قائلا:” GIS نظام فريد من نوعه في كل لبنان، وقد منحنا الفرصة لجمع كل المعطيات حول المنطقة من مدارس ومستشفيات وطرقات وبنى تحتية. كذلك استطعنا من خلاله تكوين داتا كاملة عن كل السكان في نطاقنا من حيث عدد أفراد الأسرة والدخل وحالة المسكن وغيرها. بهذا أصبحنا قادرين على وضع كل هذه الداتا أمام الجهات المانحة الراغبة في المساعدة لتتمكن من أن تبني عليها وتعرف احتياجات المنطقة قبل تنفيذ أي مشروع”.

نسأل “الريس” عن دور وزارة الداخلية والبلديات في مشروع رائد كهذا فيجيبنا أنه للاسف لم تدعم الوزارة هذا المشروع أو ترعاه ولم تستفد من تبادل الخبرات حتى يتم تعميم تجربة GIS على البلديات الأخرى لتستفيد منها.

 

مشروع RESLOG لم يقتصر على دعم البلديات بل كانت له تشعبات أوسع في عكار كما تخبرنا ثريا حمود يمكن اختصارها بمشروعين أساسيين: “المستجيب الأول” وهو مشروع حيوي يهدف الى وضع شبكة متكاملة للاستجابة لحرائق الغابات التي تعتبر كنز عكار الطبيعي، والثاني مشروع “إعادة التدوير” Upcycling لتمكين النساء ومساعدتهن على الابتكاروالحصول على مدخول عبر استخدام مواد أولية معاد تدويرها وتقديمها بشكل فني وعملي لافت.

 

وفي ظل كوارث الحرائق التي تضرب لبنان سنوياً يكتسب مشروع المستجيب الأول كل أهميته في منطقة تعاني من نقص فادح في الإمكانيات. فقد تم خلق فريق للاستجابة للحرائق، بدأ من صفر تجهيزات وخبرة ليصبح اليوم مؤلفاً من حوالى 100 شخص يخضعون لهيكلية إدارية تحت إدارة اتحاد البلديات، مدربين ومجهزين ليكونوا الدرع الواقي لغابات عكار. وقد تم التواصل مع جهات عدة لتأمين تجهيز الفريق بالآليات الضرورية بعد ان جهزهم المشروع السويدي بالمعدات الشخصية والتدريبات. كذلك وبجهود جبارة تم إطلاق غرفة إدارة الكوارث وأجريت مناورة شاملة شارك فيها الجيش والدفاع المدني والصليب الأحمر ومستجيبين أوائل من مناطق أخرى مثل عرسال وعندقت ودير الأحمر وكسروان لتكون تجربة مثمرة لتضافر الجهود والتكاتف بين الفئات الرسمية والمحلية لإفادة المنطقة ككل.

 

أما مشاريع التدوير فشملت سبعة مشاريع مختلفة تقوم بها سيدات من عكار. وأهمية هذا المشاريع أنها لم تقتصر على حرف محلية بل تم تطوير الأفكار والمنتجات لتخرج بأفضل صورة. كذلك تمّ تدريب النساء وإعطائهن المعرفة والوسائل لإنجاز عملهن وتحسين منتجهن ومن ثم مساعدتهن في التسويق له وتصريفه في عكار او خارجها لضمان الحصول على أفضل مدخول.

 

حضور للجمعيات وغياب للوزارات

 

رغم أهمية هذه المشاريع التنموية لعكار إلا أن الجانب الإنساني يبقى الأهم. هنا فئات مهمشة ضعيفة تم دمجها في المجتمع لتكون شريكة كاملة: النساء، فئة الشباب، اللاجئون السوريون كلهم عملوا معاً وشاركوا في المشاريع ليأخذوا أماكنهم في مجتمعات لا تستطيع أن تقدم لهم الكثير. والأهم لكسر كل حواجز التمييز والتهميش، رغم الحاجة الى المزيد من الجهود والتقبل في هذا الإطار.

 

عبد الإله زكريا رئيس اتحاد بلديات جرد القيطع يدرك جيداً أن الواقع ليس وردياً رغم المحاولات والجهود الحثيثة لتطوير المنطقة. فبلدياته تعاني مثل كل بلديات لبنان وقد وضع إمكانياته في تصرف الجهات القادرة على المساعدة لكنه يدرك جيداً أن أي مشروع لا يمكن أن يستمر إذا لم يلق الدعم والتمويل. مسرور هو للعمل مع الفريق السويدي الذي يتعامل مع الواقع ولا يفرض مشاريع لا تحتاجها المنطقة ولا يقتنع بها أهلها. “جلسنا مع SALAR ودرسنا احتياجات المنطقة وأجرينا جردة لكل ما يمكن أن تقدمه من غنى طبيعي وثقافي وانتاجي ودرسنا ما هو الأنسب لاستقطاب الناس الى عكار وتغيير الصورة النمطية عنها”.لكن زكريا يعرف جيداً أن الجمعيات على اختلافها مهما بلغت مساعداتها وجهودها لا يمكن أن تتدخل في البنى التحتية للبلد لا سيما الطرقات العامة فهذه من اختصاص مجلس الإنماء والإعمار وطالما ان الطرقات لم تتحسن فالسياحة كما الإنماء سوف يعانيان. لكنه بفخر يعدد مواقع عكارية رائعة تستحق الالتفات إليها: غابة العذر، القموعة، وادي جهنم، عيون السمك، غابات الشوح واللزاب والجوز.

 

الناحية السياحية التي عمل عليها مشروع RESLOG وجدت في شركة ” قرية” Karya خير حليف لها. فهذه الشركة الناشئة التي انطلقت في العام 2019 هدفت منذ بداياتها الى إطلاق تطبيق يهدف الى تسويق السياحة الداخلية بطريقة جديدة. فالسياح كما أهل لبنان يجهلون ما تقدمه مناطق لبنان من تجارب سياحية مميزة ليس فقط على صعيد الطبيعة بل كتجارب محلية ثقافية وتراثية، من هنا كان سعي التطبيق الى خلق منصة يتعرف من خلاها السياح على ما تقدمه المناطق من تجارب حرفية بغية أن يحجزوها أولاً ويعيشوها متى قصدوا المنطقة. سيرج عطالله وبيترغنيمة اللذان عملا على الفكرة من بداياتها و تعاونا مع Agrithec في الجامعة اليسوعية أصرا على تفعيل هذا التطبيق وتطويره وتحسينه ليتحول الى منصة شاملة تهدف من جهة الى منح السائح الفرصة للتعرف الى منطقة ما من وجهة نظر أهلها وطريقة عيشهم والتجارب التي يقدمونها، ومن جهة أخرى الى تشجيع المجتمعات المحلية على إظهار ما تملكه من إمكانيات بأفضل طريقة ممكنة والاستفادة مادياً من هذه التجارب.

 

في عكار تعاونت ” قرية” مع SALAR للإضاءة سياحياً على منطقة عكار وما يمكن أن تقدمه. ويقول سيرج استطعنا إيجاد عشر تجارب يمكن للسائح أن يعيشها ويشارك بيديه من يقومون بها، من صناعة المكدوس الى القش والصاج والكروشيه والخشب والألبان وغيرها، إضافة الى الهايكنغ وتناول الطعام. وبهذا وضعنا الناس هنا على تماس مع السياح لخلق تفاعل مثمر بين الجميع يمكن أن يؤدي لاحقاً ربما الى مشاريع استثمارية.

 

ويؤكد سيرج ان عكار البكر تحتاج الى من يساعدها في إظهار كنوزها بأفضل شكل. إذ لا يكفي أن تمتلك تجارب حرفية شيقة بل يجب أن تقدم هذه التجارب بأرقى صورة لتجتذب السياح. هذا هو السعي الذي تقوم به ” قرية” حالياً من خلال نشاطاتها وما تقوم به من تدريب بالتعاون مع مشروع RESLOG لتساهم في كشف كنوز عكار وتحسين خدماتها بغية تقديم أفضل استضافة لكل من يقصدها وإعطائه الصورة المشرفة عن عكاروأهلها.