Site icon IMLebanon

عكاّر ترفض المقايضة… فهل تشتعل النفايات و«تُشعِل» لبنان؟

منذ أكثر من سنة وموضوع إقفال مطمر الناعمة أمرٌ محسوم، إلّا أنّ الحكومة الحاليّة الشبيهة بالحكومات المتعاقبة كافّةً لا تتلافى وقوع أيّ أزمة في لبنان قبل موعد «استحقاقها» عبر التخطيط والتنظيم والتطبيق، متلطّية وراء حجَج الخلافات السياسية ووراثتها لفشل الحكومات السابقة. أقفِل مطمر الناعمة وأقفِلت أبواب الحلول أمام الحكومة فمانعَت المناطق اللبنانية كافّة إنشاءَ أيّ مكبّ أو مطمر ضمن نطاقها أو«استقبال» نفايات المناطق الأخرى. حتى عكّار المحرومة لم تستطع الحكومة هذه المرّة إغراءَ نوّابها أو أهلّها ومقايضتها بوضعها على خريطة الإنماء مقابل إنقاذ شوارع بيروت من النفايات.

مكبّات ومطامر عدة موجودة ضمن محافظة عكّار تمَّ «ترشيحها» لنقل ورمي نفايات بيروت وبعض المناطق الأخرى فيها موَقّتاً أو دائماً، ومن أبرزها مكبّ سرار. تعلو منطقة سرار ثلاث مئة متر عن سطح البحر وتبلغ مساحتها أربعة ملايين متر. يملك «ضيعة» سرار بأكملها خالد الياسين، وهي تبعد عن المناطق الأخرى ولا منازل مجاورة لها.

أُنشِئ مكبّ سرار سنة 1995 وتمّ تخصيص مساحة مئة ألف متر مربّع من المنطقة للمكبّ واستُخدم عشرة آلاف مترٍ منها لغاية اليوم. هذا المكبّ مخصّص لمعظم بلديات عكّار، ولا يتمّ رمي أيّ نفايات فيه من خارج عكار. شركة الإنماء العربية التي يملكها الياسين تقوم بجمع النفايات من مئة بلدية في عكار ورميها في المكب، وتقوم خمسة عشر بلدية أخرى بنفسها بالجَمع والرمي في المكب.

أوضَح الياسين في حديث لـ»الجمهورية» أنّ «سرار يُعتبَر مطمراً وليس مكبّاً تفرَز فيه النفايات أوّلاً ومن ثمّ يتمّ بيع النفايات غير العضوية وطمر العضوية منها» مشيراً إلى أنّ «نسبة الطمر تَبلغ ستّين في المئة، وإلى وجود برَك مخصّصة للمياه الناتجة عن النفايات كي لا تتسرّب ولا تتعدّى مساحة المكب.»

وأكّد أنّ «وزارة الصحة تكشف على المكب وتراقب عملية الطمر، فيشير آخر كشف سنة 2010 إلى أنّ المكب مستوفٍ للشروط الصحية المفروضة.»

يَستقبل مكب سرار بين المئتين وخمسين والثلاث مئة طن يومياً، ويستطيع استيعاب خمسمئة طن إضافياً حاليّاً، كما يمكن توسيع رقعة المكبّ لاستيعاب كمّية أكبر.

أعلنَ الياسين عن «عدم تلقّيه أيّ اتّصال من جهة رسمية لإبلاغه بأنّ الحكومة قرّرت استخدام مكب سرار» ، مؤكّداً «على ضرورة إجراء دراسات جيولوجية أوّلاً لمعرفة تأثير النفايات الزائدة على المياه الجوفية، كما يجب معرفة طريقة النقل والمعالجة، بالإضافة إلى القيام بعمل صحّي وبيئي من خلال إنشاء معامل فرز وتدوير متطوّرة إنْ عبر الدولة مباشرةً أو بتكليفها شركته أو البلديات بهذا العمل.»

ضمّ الياسين «صوتَه إلى صوت أهالي عكّار بعدمِ القبول برمي النفايات عشوائياً في مكبّ سرار قبل وضع آليّة واضحة وإجراء الدراسات اللازمة.»

أمّا بالنسبة للشاحنات التي نَقلت النفايات من مناطق خارج عكار ورَمتها في مكب سرار فأكّد الياسين «عدمَ صحّة ذلك، بل تمَّ رمي نفايات على بعض الطرقات فكلّفته البلديات بجمعِها ونقلِها إلى المكب كي لا تبقى في الشوارع.»

«فشَروا يشتروا النفايات بالإنماء»

رفض النائب معين المرعبي من جهته «استخدامَ مكب سرار أو غيره في عكار لرمي نفايات المناطق الأخرى عشوائياً دون أيّ دراسة علمية بيئية مسبَقة ودون اتّباع خطوات تقنية تَحول دون زيادة التلوّث ودون الإضرار بالمياه وبأبناء عكار»، مشيراً إلى أنّ «رغم مرور أكثر من أربعين يوماً على بَدء المشكلة لم يَعرض وزير البيئة حتى الآن الدراسات الضرورية التي من المفترض أن تقوم بها الوزارة أو تكلّف مَن يقوم بها، ولا نَعلم إنْ كان قد قام بأيّ خطوة من هذا النوع». وتساءَل: «لماذا لم يضع الوزير خطّة بديلة لتلافي ما وصَلنا إليه اليوم، عِلماً أنّ تداعيات إقفال مطمر الناعمة كانت قد بدأت تَلوح في الأفق منذ أكثر من سنة.»

واعتبَر المرعبي في حديث لـ»الجمهورية» أنّ «تخصيص الحكومة مبلغَ مئة مليون دولار لعكار حقّ للمنطقة وأهلها وليس مِنّة من أحد»، مؤكّداً «رفض مقايضة الإنماء بالنفايات، بل حصول عكّار على حقّها المكتسب دستورياً بالإنماء المتوازن أوّلاً وبعدها البحث في موضوع المعمل والمطمر بطريقة منطقية وعلمية.»

ولفتَ إلى أنّه هو «أوّل مَن كشف وفضَح مخطّط نقل النفايات ورميها في عكّار وتصدّى إلى جانب أبناء منطقته لهذا المخطط من دون إحداث الفوضى أو تحريك الشارع، بل من خلال التنسيق مع القوى الأمنية لتكثيف دورياتها ووضع نقطة ثابتة على مدخل المحافظة للتحَقّق من أيّ شاحنة يتمّ الاشتباه بها تنفيذاً للقرار الذي صدرَعن المحافظ بمنع دخول أيّ شاحنة تَنقل نفايات من مناطق خارج عكّار، وكانت النتيجة منع عدد من الشاحنات من تهريب النفايات.» وأشار إلى «كشف هوية بعض مَن أرسَل الشاحنات فتمَّ الاتصال بهم وتحذيرهم واتُّخِذت الإجراءات القانونية في حقّ البعض منهم».

وأعلنَ عن «تواصله الدائم مع المجتمع المدني في عكّار لتلَمّسِ الحاجات والعمل معاً لإنماء عكار واحتواء الشارع منعاً لأيّ تصرّفات فردية غير مضبوطة من خلال توقيفات عشوائية وتفتيش مَن يدخل إلى المنطقة.»

رفضَ المرعبي «استخدام مكبّ سرار ولو موَقّتاً من قبَل الحكومة لنقل نفايات المناطق الأخرى المتراكمة قبل إجراء الدراسات اللازمة، فالمكبّ غير جاهز واقتربَ موسم الشتاء، ما سيَزيد تلوّثَ المياه والضرَر البيئي بأضعاف والتلوّث موجود منذ خمس عشرة سنة ولم تكلّف وزارة البيئة أحداً بإجراء أيّ دراسة لتلوّث المياه.»

وأوضَح أنّ «زيارة وزير الداخلية نهاد المشنوق لعكّار كانت من أجل الإنماء، وهي ثمرة المذكّرات التي قدّمت لرئيس الحكومة تمام سلام من أجل تحويل حصّة عكّار من مبلغ الخمسمئة دولار الذي صرفَته الحكومة لعدد من المناطق دون عكّار»، لافتاً إلى أنّ «الزيارة موَثّقة بالصوت والصورة ولم يتمّ خلالها تناوُل موضوع النفايات نهائياً من قبَل المشنوق».

وأوضَح المرعبي أنّ «عكّار جزء من لبنان، ومَن لم يبخل بدَمه من أجل الوطن لن يبخل بأيّ موضوع آخر، شرط عدم تأثيره وتشكيله ضرَراً على أبناء المنطقة»، مبدِياً «الاستعداد لتقديم المساعدة في موضوع النفايات بعد مناقشة علمية بين أبناء عكار والمعنيين في الحكومة، وبشرط أن تشاركَ جميع المناطق اللبنانية في الحلّ، وعدم تحميله لعكّار فقط.»

وأثنى على «الهبة السعودية بمبلغ أربعة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني لمكافحة الإرهاب»، معتبراً أنّه «أمرٌ ضروريّ، لكن لا يجب الاكتفاء بمعالجة النتائج بل يجب معالجة الأسباب، خصوصاً بعد تخَوّف قائد الجيش من احتمال اتّجاه بعض المجموعات في عكّار والشمال إلى التطرّف في حال اقتراب تنظيم داعش من الحدود.»

وأكّد أنّ «إهمال الحكومات المتعاقبة لعكّار الذي أوصَل المنطقة إلى هذا الوضع المذري هو السبب الرئيسي للتطرّف، بسبب انسداد أفق المستقبل أمام الشباب، خاصةً لجهة عدم إنشاء فرع للجامعة اللبنانية في عكّار حتى اليوم»، مبدياً نقمتَه على «المسؤولين الذين لم يقدّموا نقطة مياه للمنطقة التي يشَكّل أبناؤها نحو أربعين أو خمسين في المئة من القوى الأمنية، فلم يتذكّروا عكّار إلّا لرمي نفاياتهم.»

الأهالي

أمّا أهالي عكار فيرفضون نهائياً نقلَ نفايات بيروت إلى مكب سرار أو غيره، وأطلقوا حملة «عكّار مَنّا مزبلة» التي قامت بتحرّكات عدّة كان أبرزها الاعتصام في ساحة حلبا نهار الخميس في الثامن والعشرين من شهر آب الفائت. اليافطات التي رُفعت، الشعارات التي أطلِقت والكلمات التي ألقِيَت أجمعَت على الرفض التامّ لأيّ قرار يَفرض على عكار استقبالَ نفايات المناطق الأخرى، ومنها «عكّار لن تكون مطمراً لفضلاتكم» ، «لن نقبلَ بتحويل عكّار مزبلة» و «أتمّوا صفقاتكم المشبوهة بعيداً عن عكّار.»

إعتبَر أحد قادة الحملة الناشط عبدالله موسى أنّ «الحكومة رشَت نوّاب عكّار ورؤساءَ بلدياتها بمئة مليون دولار مقابل نقلِ النفايات إليها»، مؤكّداً: «لا يمكن أن تحلّ الحكومة المشاكل الناتجة عن فسادها في عكّار، فلا يمكن مكافأة مَن قدّم الشهداء بالنفايات.»

أوضَح موسى في حديث لـ»الجمهورية» أنّ «نفايات عكّار التي تُرمى وتُطمَر في مكبّ سرار هي نفايات منزلية، بينما النفايات التي ستُنقَل من المناطق الأخرى فهي كيميائية ونفايات مستشفيات ومصانع»، معتبراً أنّ «الدخان الناتج عن الحرق، الروائح، الغازات السامة والحشرات الغريبة ستؤدّي إلى أمراض و إلى تلوّث الهواء والتربة والمياه الجوفية.»

وأكّد «رفضَ أهالي عكّار الجازم لنقل أيّ نفايات حتى لو أجريَت دراسات واعتمِدت معايير تمنَع التلوّث وتكفَل عدمّ تضرّر أبناء عكار». وأعلنَ «فقدان العكّاريين ثقتَهم بالدولة وبالسلطة السياسية التي ممكن أن تقوم بتزوير دراسات والكذب على المواطن كي تمرّر مشاريعها»، مرَدّداً «إحذَروا الشعب الجائع.»

بعد الاعتصام اجتمعَ منَظّمو حملة «عكّار مَنّا مزبلة» وتمَّ التنسيق مع الأهالي، حسب موسى، وتقرَّرَ «الاستمرار في التحرّك على جميع الأصعدة، التحضير لتوقيع عريضة على مستوى مناطق عكار كافّة وزيارتها جميعها لتوعية الأهالي على خطورة توسيع المطمر وزيادة النفايات، كما تقرّر النزول إلى بيروت والمشاركة في تحرّك الحملات الأخرى لإيصال الصوت.»

الحملات الأخيرة تحمل مطالبَ مختلفة، من إيجاد حلّ لأزمة النفايات إلى إسقاط النظام، إلّا أنّ الجامع المشترك بينها هو «المطالبة من أجل المطالبة» أو «الرفض من أجل الرفض» تماماً كما «الثورة من أجل الثورة»، فلم تقدّم أيّ منها حلولاً أو بدائل لِما ترفضه أو تطالب بتغييره.

ويَظهر أنّ الثقة بالسلطة «المركزية» فُقِدت تماماً، ولم يعُد يَبدو إلّا حل وحيد وهو اعتماد «اللامركزية»، فتكون بدايتها بمعالجة كلّ منطقة لنفاياتها، تفادياً لحرب «نفايات» أهليّة.