IMLebanon

“حلاوة الرزّ” صنعة تراثية في ببنين مُهدّدة بفلتان الأسعار

 

في محلّه المتواضع في ساحة بلدة ببنين العكّارية، يطبخ محمد عبد الكريم برغل “حلاوة الرز” منذ سنوات طويلة، وقد ورث هذه الصنعة أباً عن جد. كانت الأيام في السابق أجمل، وكان كلّ شيء أفضل، لكنها تغيّرت اليوم وتقلّبت الظروف، فتراجعت الصنعة وتأثّرت أشغال الناس وعشرات العائلات التي تعتاش منها، كما يؤكد برغل وجميع العاملين في هذه الصنعة أو في غيرها.

 

والمعروف عن أكلة “حلاوة الرزّ بجبن” أنّها من أنواع الحلويات التي تعبّر عن تراث بلدة ببنين وحاضرها أيضاً، إذ لا يُمكن لأيّ كان عبر التاريخ، أن يأتي إلى عكّار أو إلى ببنين ويعود من دون أن يشتري ما تيسّر له منها، حتّى أنّ أشخاصاً من خارج عكّار كانوا يوصون على الحلاوة وحجزها قبل أيام من زيارتهم الى عكّار. قبل سنوات، كانت تُصنع حلاوة الرزّ في العديد من المحلات المنتشرة في أزقّة ببنين، هذا عدا عن الكثيرين الذين يُجيدون طبخها وصناعتها من دون أن يكونوا من أصحاب محلات. فهم يصنعونها في المنازل لتوزّع على الأصدقاء والمعارف من ببنين وباقي القرى والبلدات. تراجع أولئك الصنّاع، فبعضهم وافته المنيّة، والبعض الآخر ترك الصنعة لأسباب كان آخرها غلاء المواد الغذائية في الأشهر الأخيرة.

 

محمد عبد الكريم برغل هو مختار ببنين، وإعاقته الجسدية تفرض عليه أن يجهد أكثر فأكثر لإتمام عمله، لكنّه لا يزال يتمسّك بهذه الصنعة التي أجادها عن أبيه وأجداده. يتحدّث برغل عن حلاوة الرزّ وواقع الحال فيقول: “عندي 7 أولاد ربّيتهم وعلّمتهم من هذه الصنعة. كنت في السابق أعمل طوال الأسبوع وأستمرّ كل يوم من السابعة صباحاً وحتى العاشرة مساءً، وأطبخ مرّات عدّة. كنّا نبيع الكيلو الواحد بـ 4 أو 5 آلاف ليرة لأنّ المواد الأولية المطلوبة، من أرز وسكر وجبنة كانت رخيصة جداً قِياساً بالغلاء الحاصل هذه الأيام”.

 

ويضيف: “عندما يقرّر الشخص ألا يأكل حلاوة الرزّ، وهو نوع الحلو الأرخص والأطيب والأكثر شعبية، فهذا يعني أنّ أوضاع الناس المعيشية وصلت إلى أسوأ حالاتها، فيفضّل ربّ العائلة تأمين الطعام لعياله بدل ان يدفع ثمن كيلو الحلو، ولو حرم نفسه من طيبات كان يتمنّاها.. اليوم كيلو الجبنة بـ 30000 ليرة، وكلّ شيء تضاعف سعره أضعافاً، عدا الأرزّ والسكّر وغيره. فتحضير صدر واحد من حلاوة الرز بحاجة إلى 3.5 كيلو جبنة إلى جانب الأرزّ والسكر.. لقد اضطررنا ان نرفع السعر بعض الشيء كي نستطيع ان نستمرّ وما زلنا في المحلات الشعبية أرخص بكثير من المحلات المشهورة، ولكنّ الحركة أخفّ لأن أوضاع الناس صعبة.. وها أنا الآن لا أطبخ في الأسبوع إلا مرة واحدة أو مرتين وحسب الطلب”.

 

وإعداد حلاوة الرزّ في طنجرة نحاسية يستغرق مع المختار برغل قرابة الـ 3 ساعات قبل ان تجهز ويصار الى مدّها على صدر الألمنيوم.

 

ويصف رئيس اتحاد روابط مخاتير عكّار مختار ببنين زاهر الكسّار زميله محمد برغل بأنّه “رجل مكافح وهو صاحب صنعة يحافظ عليها في هذه الأوقات الصعبة”. ويقول: “لقد تعوّدنا منذ الصغر على الحلويات الببنينية، لا سيّما حلاوتي الرز والجبن والبصمة، وهي من تقاليد البلدة وتراثها.. للأسف، نفقد كلّ شيء جميل في هذا البلد بسبب السياسات الجائرة بحقّ الشعب. ولو أنّ الدولة تهتمّ أكثر لأمر المخاتير لخصّصت لنا أموالاً كما هو حال البلديات. للأسف، المختار بحاجة لأن يعمل في أي صنعة كي يتمكّن من تأمين قوت عياله، وعليه في الوقت نفسه، خدمة الناس التي انتخبته، ومهام إضافية كثيرة”. وشدّد على ضرورة تنظيم فعاليات، تخصّص لدعم هذه المصنوعات التراثية ودعم أصحابها.