IMLebanon

محرقة عكار.. والمصائبُ التي لا تأتي فُرادى

 

عون يستغلّ ويحرّض طائفياً.. والجيش مُطالب بأجوبة

 

وكأن ما يعيشه لبنان من إفلاس وجوع ووباء ومآسي وفراغ لا يكفي.. حتى يأتي الفجور السياسي ليُكمل سورياليّة المشهد. كلما حلّت كارثة، قيل هي الأكبر.. هكذا حصل مع تفجير 4 آب 2020 المشؤوم، وهكذا رددنا يوم محرقة التليل في عكار فجر 15 آب 2021.. وقبلهما مجزرة التقوى والسلام في 24 آب 2013.. كم أنت قاسٍ يا آب، بتّ عنواناً للنحس أكثر من هذا العهد المشؤوم.

انتهى الكلام، وما عادت الأحرف تُسعف بتوصيف الإذلال والإجرام والفجور الذي يواجهه اللبنانيون؟ هي قمة التراجيديا السوداء أن تدفع الحاجة والقلّة والفقدان شباناً وفتية للموت حرقاً في بنزين الفساد والجشع، وحرقِ قلوب كلّ من شاهد وسمع وعرف وتابع. تلك هي المأساة والفجيعة والصدمة.

 

إنه الوجع اللامتناهي في أرض الأحزان والحرمان، عكار، إنها الحدود السائبة، التهريب الوقح، الاحتكار المخزي… والسعي المحموم للكسب على حساب على دم الشعب. ما جرى لا يرقى إلى الجريمة المنظّمة فحسب، بل يكشف العلاقة المتداخلة، القذرة، والجرميّة بين أزمة المحروقات المفتعلة، والأطراف السياسية المشغولة بمراكمة الأرباح على حساب دماء وأوجاع وكرامات وأوقات وأعصاب الشعب! ويعيد السؤال، بعد كل التقارير والكلام والفيديوات والصرخات والتنبيهات والتحذيرات المتعلقة بفلتان الحدود وهيمنة المليشيات على عشرات المعابر، عن جرائم كارتيلات المحروقات، ومافيات التهريب.

 

عكار، فخامةَ الرئيس، أجملُ أمثولات الوطنية والتلاقي والتعايش.. هي نموذج شراكة مواجهة التهميش والحرمان من قبل النظام الفاسد عبر كل العهود والحكومات

 

فخامةُ عشقِ الفتنة

 

وكما حصل بعد تفجير 4 آب، كذلك بعد فاجعة التليل، لم ير فخامة رئيس الجمهورية «القوي»، في المأساة، ومسبباتها الجرمية إلا مادة للتحريض الطائفي وإيقاظ الفتنة. بدا كمن يرقص فرِحاً على جثث الضحايا المتفحمة، وعلى أحزان الأهالي.. استغلّ المناسبة ليكرر أمام مجلسهِ الأعلى (سلطتهُ المتخَيَلَة) الكلام الممجوج عن «الجماعات المتشدّدة، والفوضى والفلتان الأمني»!! وللبنانيين أن يفاخروا العالم بما يتجرعوه في عهدَ الذلّ والسواد والنحس والحِداد الدائم.

 

بدا كلام رئيس الجمهورية، والمفترض أنه حكمٌ وراعي، وكلام صهره العبقري غير مسؤول، ولم يقدّرا أنه قد يؤدي إلى فتنة إسلامية – مسيحية في لحظة شحن وغضب وذهول. هكذا تيار الشعبوية لا يشبع من الولوغ في الفتنة والدم.. تماماً كما لم يشبع من احتكار المحروقات ورعاية التهريب إلى جانب راعيه المسلّح. لقد بات شغل العهد الشاغل، وبقية رموز السلطة الفاسدة محصور بتغطية انتهاك السيادة، وفضائح الفساد، وجرائم المافيات والكارتيلات.

 

عكار، فخامةَ الرئيس، هي أجملُ أمثولات الوطنية والتلاقي والتعايش والتنوّع.. هي نموذج لشراكة المسلمين والمسيحيين في مواجهة التهميش والحرمان من قبل النظام الفاسد عبر كل العصور والعهود والحكومات.. عكار البساطة، لكن العزّة والوطنية والشرف والشجاعة.

 

عكار المنسيّة.. والقتيلة

 

اختصرت عكار، أول من أمس، كلّ الحزن والوجع والظلم، تلك الأرض التي جوعوها.. ثم حرقوها. معيبٌ ومخزي وصادم أن لا مستشفى مجهّز، ولا إسعاف، ولا أدوية ولا أمصال، ولا محروقات، ولا خدمات.. ولا أمل ولا ضوء، ولا أفق.. كشفت الكارثة أن هذه المنطقة منسيّة، منكوبة، قبل أن تكون قتيلة ومحروقة.. ليس الأمر بجديد، فالأحزاب، وتحديداً «تيار المستقبل»، لم ينظروا إليها إلا ساحة خلفية للعبث، ومستودعاً للانتخابات والتحشيد للمناسبات. إنه الفراغُ القاتل الذي رمت به السلطة والنظام وهذه الأحزاب المنطقة وأهلها في أتونه.

 

نفهم أن لميشال عون مشكلة قديمة مع السنّة، وأن جبران باسيل يسير على خطى عمّه حقداً وشعبويّة، وهما عمدا إلى رشّ ملح الفتنة على جرح أهالي عكار.. لكن ما هو غير مفهوم أو مقبول أو مبرر استمرار استعمال عكار وأهلها وظلامتها ومآسيها في بازار شعبويات «تيار المستقبل» ومعاركه الدونكيشوتية بعد كل ما جرى ويجري. الجريمة – المأساة أعادت السؤال عمّا حصّله هؤلاء من حقوق للمنطقة وأهلها في ذمة الدولة والحكومات والموازنات والهبات والمشاريع؟!

 

جميعكم مرتكبون ومذنبون بحق عكار، وجميعكم، على اختلاف انتماءاتكم السياسية، متواطئون ومستغلون وجشعون. آن لـ «المستقبل» أن يدفع ثمن احتقاره وتهميشه لعكار وأهلها، والتلاعب بأرزاق ومصائر ناسها. ثلاثة أو اثنان من نواب القضاء، معروفون بالاسم والفساد والفضائح والجشع، متورطون حتى العظم، بما جرى.. ونقطة على السطر.

 

الجيش وأسئلة تحتاج إجابات

 

ولكي لا يطوي الفساد والمحسوبيات والمناكفات محرقة التليل، وهذا وارد جداً قياساً على ما حصل ويحصل وسيحصل مع جريمة تفجير مرفأ بيروت، من تضليل التحقيق وعرقلة العدالة، أولاً، ولأن التعويل عليه كبير لإدارة مرحلة انتقاليّة سيصل إليها لبنان عاجلاً أو آجلا، ثانياً، فإن الجيش مطالبٌ بأجوبة عن أسئلة ضرورية، خصوصاً وأنه سقط له شهداء ومصابون في الكارثة؛

 

ما سرّ التحرّك المفاجئ بدءاً من 14 آب باتجاه «بعض» المحتكرين وأصحاب المحطات الجشعين، وهم معروفون منذ أشهر؟

 

ماذا حصل في التليل تحديداً قبل الكارثة، ولماذا ترك الشعب أسير روايات وشائعات وأضاليل؟

ad

 

ماذا يملك الجيش والأجهزة الأمنية من معلومات عن شبكات التهريب والاحتكار، أقلّه في عكار طالما التهريب في محافظات أخرى «مقدس» ومحمي من مليشيات السلاح؟

 

ما علاقة نواب عكار، أو بعضهم، بشبكات التهريب، وثمّة آلاف من أهالي المنطقة يشهدون على الجرائم التي تحصل منذ أشهر على مرأى ومسمع، وربما شراكة، من أجهزة على الحدود؟

 

لعكار وأهلها: البؤس ليس قدراً

 

لا أمل يرجى من المنظومة التي امتهنت قتل اللبنانيين، وباتت تستسهل التغطية والتضليل وعرقلة التحقيقات وطعن العدالة، بالنيترات والليترات ولا ندري بماذا بعد. هذه المنظومة انتهت وهي تعلم ذلك. لكن ما يجري، يعيد على المستوى السياسي تظهير ضرورة استقالة رئيس الجمهورية، بوصفه العقبة الأكبر أمام أي خطوة باتجاه إيجاد خرق، ولو بسيط للأزمة للأزمة.

 

بالرغم من أن عون «بشّر» اللبنانيين أمس، بما يسوؤهم، معلناً أنه «لن يستقيل، وسيقوم بواجباته حتى النهاية»!! لكن ذلك لا يلغي من طرح خيارين، له ولكل المهتمين بالملف اللبناني:

 

إما إكمال ما تبقى من أشهر قبل نهاية العهد المشؤوم، ولو على دماء اللبنانيين، وأوجاعهم وبؤسهم.. والذهاب بالبلد نحو التقسيم ونشر الفتنة والأحقاد وتغطية المصالح العائلية ومافيات الفساد وسارقي السيادة.

 

أو الاستقالة المشرّفة، ربما هي القرار الأكثر وطنية، وقد تكون هذه الاستقالة دافعاً لآخرين لسلوك هذا الدرب.. وبالتالي فتح الباب لفترة انتقالية تعيد ترتيب الأمور وإنتاج السلطة على أسس دستورية وشرعية، عندها سترتاح.. وتُريح.

 

ولعكار، وأهلها الطيبين، بنسائها وشيوخها، وشاباتها وشبابها، بعسكرييها وطلابها، ببسطائها وفقرائها، بسهلها وجبلها، ببحرها ووديانها.. لأهالي الضحايا والمصابين والمفقودين.. البؤس والتهميش والحرمان ليس قدراً.. ولن يدوم.