Site icon IMLebanon

مصدر اكليريكي: ما هي هواجس بري؟

لماذا أطلقت بكركي على لسان البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الراعي صرختها على وجه السلّة الموضوعة من قبل الرئيس نبيه برّي وما هي الظروف التي حدتها لذلك؟ مصدر إكليريكيّ عالي الثقافة، ثاقب الرؤية، بليغ في قراءته للأمور ومعرفته بها، أشار في معرض حديث له، بأن بكركي تكنّ لرئيس مجلس النواب نبيه برّي كلّ الاحترام والتقدير، وهي تقدّر العلاقة التاريخيّة بين بكركي والرئيس برّي كما بين بكركي والإمام المغّيب موسى الصدر. القضيّة القائمة أمام صاحب الغبطة، أنّه يرى أنّ البلد متجه نحو انهيار كبير وقد بدأ باستسلام الجميع للفراغ، البلد أمام انهيار ماليّ واقتصاديّ ولدى بكركي معلومات موثّقة بأن ثمّة شركات تقفل أبوابها والناس يهاجرون. وترى بكركي أنّ العناوين المتراكمة والأزمات المتكدسّة بفسادها المقلق وآخر عناوينه النفايات تأخذ لبنان إلى وضع مختلف عن ذاتيته وتاريخه وعراقته. ليس برّي مستهدفًا لكنّ المضمون السياسيّ للسلّة التي لا تعرف بكركي عنها شيئًا هو ما يقلق بكركي سيّما حينما تمّ القول انّ التزام تجسيد هذه السلّة هو المعبر الأساسي لانتخاب رئيس للجمهوريّة.

ينفي المصدر الإكليريكي ما تم إيراده بأن بكركي أرسلت سلّة أسماء، وقال أن بكركي كانت حريصة ومن خلال الوثيقة الوطنيّة التي أطلقتها يوم عيد مار مارون بتاريخ 9 شباط 2014 على أن ينتخب من يمثّل وبحسب التعبير الدارج الوجدان المسيحيّ بأكثريّته المطلقة، فبكركي ليست مع رئيس «كيف ما كان ومين ما كان وشو ما كان»، بكركي مع انتخاب رئيس وفاقي وميثاقيّ من دون الدخول بالأسماء، يملك القدرة على تجذير الميثاق الوطنيّ وتثميره وتطبيق الدستور وإقامة أطيب العلاقات مع سائر المكونات بكبر نفس ونضوج عقل، من منطلق الحفاظ على وحدة البلد وصيانة مؤسساته الدستوريّة، من خلال العمل على قانون انتخابات يؤمّن المناصفة والعدالة للجميع فلا يرمى بأي مكون من مكونات لبنان على قارعة الطريق، ومن خلال مكافحة الفساد وتطهير الدولة، وتنظر بكركي بأن الفساد هو السبب الجوهريّ لانهيار المؤسسات والدولة، وسبب الفساد بالدرجة الأولى المحاصصة بين القوى السياسيّة وكأن لبنان بمؤسساته وماليته واقتصاده بات قالب حلوى يشاء الكلّ أن يأكلوا منه بصورة عشوائيّة أو بقرة حلوب تستحلب، أو مزرعة… وبظنّ هذا المصدر أنّ بكركي ستصعّد مواقفها وليس واردًا بذهنها التراجع قيد أنملة عما تعتقده صوابًا وحقًّا.

ويرى هذا المصدر أنّ الكيل قد طفح من الممارسات الشائنة والمهينة للمسيحيين، بدءًا من رئاسة الجمهوريّة وصولاً إلى أي موقع في لبنان. ثمّة ثقافة رائجة وبحسب هذا المصدر بأنّ رئاسة الجمهوريّة جزء من كلّ في حين أنّ رئاستي المجلس النيابيّ والحكومة تعتبران وعلى الرغم من انتخاب النواب لرئيس المجلس وتسمية النواب أيضًا خلال المشاورات الملزمة لرئيس الجمهوريّة أن لرئيس الحكومة خصوصيتين طائفيتين، وتقود تلك الثقافة إلى جعل رئيس الجمهوريّة تحت أيدي اوصياء ووكلاء، خاليًا من صوت وقرار، فيتم التعامل معه كموظّف لا كرئيس، وهذا ما ترفضه بكركي رفضًا قاطعًا، الرفض هو للفرض وهذا عينًا ما رفضه صاحب الغبطة بقوله عن الكرامة. ويكمل هذا المصدر قائلاً: «لا تدّعي بكركي وسيدها بأن رئاسة الجمهوريّة ملك للموارنة، فهي ملك لجميع اللبنانيين والرئيس رئيس للبنانيين جميعًا من دون استثناءات، لكن إلى أن يتمّ إلغاء الطائفيّة السياسيّة في لبنان، من حق المسيحيين أن يقولوا من يشاؤون رئيسًا طالعًا من بيئتهم لجميع اللبنانيين كما يسمي الشيعة رئيس مجلس النواب ويسمّي السنة رئيس مجلس الوزراء. لقد قال البطريرك انّ النظام السياسيّ اللبنانيّ طائفيّ بامتياز وليس من بديل منظور له ولكون هذا النظام يتسم بهذه الصفة وبسبب الأسباب المعلنة من حقّ المسيحيين أن يقولوا من يريدون.

وحين يتمّ لفت نظر المصدر الإكليريكيّ الى أنّ الموارنة غير متفقين بعد وغير موحدّي النظرة تجاه هذا الأمر أجاب بأنّ تلك المسألة يجب ان تزول من عقل المسؤولين الموارنة قبل سواهم. نحن أمام معضلة مسيحيّة كما نحن أمام معضلة وطنيّة وأمام معضلة مشرقيّة ترتبط بالصراع في الإقليم، الخطّ الأحمر للموارنة البقاء في لبنان ضمن محتوى يقدّر الواقع ويحلّل بموضوعيّة ما يحدث في المنطقة بلا رهانات عبثيّة، لقد تطلّع المسيحيون العرب إلى الموارنة في لبنان على أنّهم الرئة وصمّاما أمان وخلاص، فإذ بهم ييأسون ليس بسبب شدّة الاعتداءات عليهم بل بسبب انقسام موارنة لبنان، ولبنان يمتاز بأنّ رئيسه مسيحيّ ومارونيّ، وهو فريد به وبحضوره الميثاقيّ، فهل يقبل الموارنة أنّ يكون رئيس الجمهوريّة مهيض الجناح؟ لقد أيقنّا والكلام للمصدر بأن البحث في المحتوى هو الأساس والجوهر، وشخصيّة الرئيس ومن دون الدخول في الأسماء يجب أن ترتبط بالمحتوى الواجد له والواحد من الآخرين بالمحافظة على الوجود المارونيّ والمسيحيّ، وأن يجسّده ويفعّله في العلاقة مع باقي المكوّنات.

ماذا عن المسعى الذي يقوده الرئيس سعد الحريري؟ أشار المصدر الى أنّ الحريري لم يزر بكركي ولم يطلع البطريرك منه على مضمون حراكه بصورة رسمية نحن نسمع حراكه عبر الوسائل الإعلامية وعبر من يزوروننا، ليس السؤال بحسب المصدر حول شكل الحراك بل حول مضمون الحراك، وحين تتمّ الإشارة إلى المضمون فهو إلى المضمون السياسيّ بشقه الداخليّ وشقّه الإقليميّ والعربيّ والدوليّ. لكن، ماذا لو فشل الحريري في مسعاه ولم يصل إلى خواتيم واضحة هل نبقى معلقين على صليب الانتظار في لبنان إلى أن تحلّ الأزمة في سوريا؟ نحن نعلم أنّ آلية انتخابات الرئاسة في لبنان تسير وتسري من ضمن توافق دوليّ-إقليمي، هكذا بني التاريخ وتلك معضلة بحد ذاتها بحيث تسقط الأسماء من علُ، هب أن الصراع استمرّ، والقوى التي كانت تقرّر مصير هذا الملفّ لم تتفق على تسوية تبيح انتخاب رئيس للجمهوريّة ماذا يحصل في لبنان والوقائع كلّها تشير الى أنه على شفير كارثة اجتماعية واقتصاديّة، وقد تكون الأمور مفتوحة على تفجيرات أمنية تستغلّها المنظمات الإرهابيّة؟ صرخة البطريرك يوم الأحد ليست للعرقلة بل لوضع حدّ لاستباحة موقع الرئاسة من الجميع، وهي تحوي في طياتها هذا البعد الكبير والتحذير الخطير من مغبّة استمرار الفراغ. ويقول المصدر أن البطريرك نادى صبحًا ومساءً بضرورة انتخاب رئيس للجمهوريّة وقد شكّل استمرار الفراغ هاجسًا كبيرًا له، ويؤكّد البطريرك على ضرورة إنجاز هذا الاستحقاق بأسرع فرصة ممكنة، غير أنّ الطريقة المعتمدة من بعض الأفرقاء تشاء احتواء الرئاسة وجعلها مستولدة من رحمها وفي كنفها بفرض شروط واضحة على الرئيس، فتأتي الشروط معرقلة لانتخاب الرئيس بسبب رهان بعضهم الداعم لها على متغيرات لا قبل لنا بها. بكركي تريد رئيسًا حقيقيًّا للجمهوريّة وليس شبحًا.

وفي الكلام على الهواجس التي تكتنف الرئيس برّي وسواه أجاب المصدر، ما هي هواجس الرئيس برّي؟ فعليًّا نحن لم نسمعها، لقد قرأناها في الصحف وقد قال أن ليس له مطامع شخصية له او لحزبه وهذا حسن، ولكن ما هي هواجسه الأخرى التي تقلقه؟ إذا كنا نتكلم على المضمون السياسيّ المرتبط بالصراع فبكركي ملتمسة لدقة ما يقول، وقد ظهر مقال في الديار ناقش فيه كاتبه واقع العلاقة بين عون والحريري ما بعد نجاح التسوية في المضامين السياسيّة. السؤال المطروح لمَ لمْ يتمّ طرح الهواجس كلّها على طاولة الحوار؟ لقد قال الرئيس بري بأن الحوارات الثنائيّة لا تجدي نفعًا فما معنى الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل أليس حوارًا ثنائيًّا وبأبعد حد ثلاثيًّا؟ بكركي مع الرئيس برّي وبحسب ظنّه حين يقول بحوار وطنيّ جامع، لكن المطلوب من هذا الحوار تبديد الهواجس كلّها بتسوية أو سلة تاريخيّة تخص لبنان واللبنانيين قبل الوصول إلى هذه المرحلة الحاسمة في مسألة الاستحقاق الرئاسيّ.

وفي ختام هذا الحديث يبدو أنّ العلاقة ستتأزّم بين بكركي وعين التينة وسيكون بيان المطارنة رافعة لهذا التأزيم حتى يتمّ اللقاء بواسطة من يسعون لرأب الصدع وانتخاب الرئيس في 31 تشرين الأوّل 2016، أو أننا متجهون إلى استبقاء الفراغ كحالة خادمة للصراع في المنطقة، وكأنّ الفوضى في لبنان تتمّة وتمتمة للصراع وخادمة له حتى يحين أوان التسوية وهذا ما تتخوف منه بكركي والجميع.