لو لم يتلقف رئيس مجلس النواب نبيه بري في اللحظة الحرجة الدعوة الى الحوار من أجل محاولة إخراج الأفرقاء جميعهم من مأزق عدم إمكان التقدم الى الأمام أو تقديم اي شيء للبنانيين نتيجة عدم التواصل بين بعضهم البعض واستمرار الصراع السياسي لكان على المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ القيام بهذا الدور على الأقل انسجاماً مع الدور الذي يضطلع بها زملاؤها في المنطقة من ليبيا الى اليمن وسوريا من خلال محاولة العمل على جمع الأطراف السياسيين في هذه الدول من اجل التحاور لإيجاد حلول. هذا ما تعتقده اوساط سياسية بدأت ترى ان لبنان صار في ازمة توازي الأزمات في هذه الدول لكن من دون حرب في الشوارع على رغم الخطورة التي بات يتسم بها الوضع في ظل احتجاجات بدأت ترسم علامات استفهام قلقة حول مسار التطورات في البلد وما اذا كانت تدفع في اتجاهات معينة يمكن ان توظف أو تستغل من اطراف كثر.
استبق مجلس الأمن الجلسة المرتقبة لمجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان التي انشئت في ايلول 2013 والتي يتوقع انعقادها في 30 الشهر الجاري في نيويورك بجلسة مشاورات لم تخف القلق من تطور الوضع في لبنان. مجموعة الدعم كانت حتى الآن الرافعة للوضع الداخلي المعبر عن اجماع الدول الدائمة في مجلس الأمن على محاولة تحييد لبنان عن ازمات المنطقة حتى من خلال لقاءات سفرائها في لبنان في محطات محددة، ووفق ما كرر المندوب الدائم لروسيا فيتالي تشوركين قبل يومين من ان “مجلس الأمن لا يزال متحداً في مواقفه من لبنان” اي كما كان في عز استمرار خلافاته حول ملفات اقليمية ودولية. وتدفع مصادر سياسية في اتجاه ان تبذل مجموعة الدعم التي تضم الدول الخمس الكبرى نحو اجراء انتخابات رئاسية بأسرع وقت في ظل ما تعتقده غياباً كلياً للديبلوماسية اللبنانية عن هذه الروزنامة انطلاقاً من الأولوية الحزبية والشخصية لوزير الخارجية والتي ادرجت لبنان في محور اقليمي يتعنت في موضوع الاستحقاق الرئاسي. أضف الى ذلك أن رئيس الحكومة تمام سلام يتوجه الى نيويورك وهو في موقف صعب نسبة الى تفكك الوضع الحكومي الى حد يشبه الانهيار الكلي في ظل تعذر اجتماعات الحكومة وعجزها عن اتخاذ القرارات ووجود وزير الخارجية في عداد الوفد في الوقت الذي تصدر هذا الأخير الهجوم على رئيس الحكومة معتبراً انه يواجه داعش في لبنان كما قال، وهي صورة كانت في غاية السلبية نظراً للاحترام الكبير الذي يكنه الخارج للرئيس تمام سلام والتقدير لدوره والذي لا يزال قائماً. وهو موقف يقول مطلعون أثار في اوقات سابقة انزعاج الأوساط الديبلوماسية الأجنبية المعتمدة في بيروت التي لم تعد ترى في السياسة الخارجية للبنان ما يسمح بتظهير صورة بلد متماسك بالحد الأدنى وقادر على ادارة سياسة خارجية تصب في مصلحته. والأداء في السياسة الخارجية كان احد المؤشرات المبكرة على انهيار الحكومة بعدما تحولت وزارة الخارجية الى قطاع حزبي ينهج أداء بعيداً من أداء الحكومة وسياستها أو إجماعها. وبالنسبة الى سياسيين كثر تلتقيهم كاغ منذ بعض الوقت على هامش الاعداد لاجتماع مجموعة الدعم ومواكبة للتطورات الأخيرة المتسارعة، ثمة إصرار على إبلاغ ضرورة الاستفادة من الاجتماعات الثنائية التي تعقد على هامش اعمال الجمعية العمومية من اجل ممارسة القوى الدولية الضغط اللازم من اجل اتاحة المجال لإجراء انتخابات رئاسية تعتبر المفتاح للاستحقاقات الدستورية والسياسية الأخرى كما للمحافظة على الاستقرار. وهو ما ينسحب على اللقاءات مع سفراء الدول الكبرى اعضاء المجموعة. ولعل جلسة المشاورات التي استبقت اجتماع نهاية ايلول والقلق الذي عبر عنه مجلس الأمن في شأن استقرار الوضع الداخلي يعد انذاراً مبكراً يتعين على الأفرقاء الاقليميين أخذه في الاعتبار. ومع الرئاسة الدورية لروسيا في مجلس الأمن لهذا الشهر قد تكون هناك فرصة لان تتولى موسكو بنفسها الدفع في اتجاه انجاز الاستحقاق الرئاسي ومنع انزلاق لبنان الى ما يشبه محيطه من خلال التواصل مع الدول المعرقلة والتي تتواصل روسيا معها خصوصاً اذا كان ثمة من يمكن ان يكون يدفع بالوضع اللبناني لحسابات اخرى.
يقول الرئيس السابق ميشال سليمان الذي كانت له المساهمة الأساسية في نشوء مجموعة الدعم الدولية قبل انتهاء ولايته والتي تأسست حول “اعلان بعبدا” من اجل دعم حياد لبنان عن تداعيات ما يحصل في محيطه انه لا تزال هناك حماسة دولية لإعادة تأكيد الخلاصات التي اجتمعت على اساسها مجموعة الدعم والى العمل بموجبها في ظل تأكيد دعم الجيش اللبناني والاستقرار ودعم الاقتصاد اضافة الى انشاء صندوق ائتماني يعتبر سليمان انه لم تتم متابعته كما ان هناك تقصيراً في متابعة خلاصات مجموعة الدعم من جانب الحكومة اللبنانية. ويولي الرئيس سليمان اهمية كبيرة لاجتماع هذه المجموعة مجدداً ويقول اننا “نحن من لا يريد الاستفادة من الدعم الدولي لنا” في الوقت الذي يعتبر انه وان كان “حزب الله” اوغل في الحرب السورية مطيحاً “اعلان بعبدا”، فانه من المفيد في زمن الصراعات المستمرة وما تقدم عليه المنطقة من تقاسم للنفوذ ان يحيّد لبنان من اجل المستقبل. وان يكون لبنان جاهزاً حين يأتي الحل الى جواره وشريكاً فيه.