حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم تكن قد حُلَّت جميع العراقيل التي تحول دون تنفيذ اتفاق خروج مسلحي «سرايا أهل الشام» من جرود عرسال إلى منطقة القلمون الشرقي في سوريا. ورغم التسهيلات التي قدمتها الدولة السورية، والاتفاق على بدء عملية نقل 350 مسلحاً و3124 مدنياً إلى مدينة الرحيبة، «تعقّدت» مفاوضات اللحظة الاخيرة، بسبب إصرار المسلحين على الانتقال من لبنان إلى سوريا بآلياتهم، في مقابل إصرار دمشق وحزب الله على أن يستقل المسلحون الباصات.
وعلى هذه «المعضلة» تمحورت اتصالات اللحظات الاخيرة التي قادها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وتوقعت مصادر معنية بالمفاوضات، في حديث مع «الأخبار»، أن يتم تجاوز العقبة الأخيرة اليوم، ليبدأ تنفيذ الاتفاق فوراً.
وأشارت المصادر إلى أن الدولة السورية قدّمت كل التسهيلات الممكنة، بقبولها انتقال المسلحين إلى مدينة الرحيبة في القلمون الشرقي، رغم أن هذه المنطقة تشهد مفاوضات برعاية روسية، لعقد مصالحة تُنهي التمرّد المسلح فيها. وكانت دمشق تخشى من مطالب جديدة قد يقدّمها مسلحو القلمون الشرقي، في حال وصول 350 مسلحاً جديداً إلى المنطقة التي يسيطرون عليها. لكن الرئيس السوري بشار الأسد عاد وأوعز إلى الجهات الرسمية بالموافقة على المقترحات التي يتقدّم بها الجانب اللبناني، سواء عبر اللواء عباس إبراهيم أو عبر حزب الله.
وأكّدت مصادر ميدانية لـ«الأخبار» أن الاتفاق يشمل أيضاً أن يسلّم مسلّحو «السرايا» كل الأسلحة الثقيلة الموجودة في حوزتهم إلى الجيش اللبناني. وبخروج «أهل الشام» والمدنيين الذين سيرافقونهم، من وادي حميّد ومنطقة الملاهي في جرود عرسال، تكون هذه المنطقة قد خلت من أي وجود للمسلحين والنازحين.
وبعد «سرايا أهل الشام»، من المنتظر أن يغادر مخيمات عرسال آلاف النازحين (نحو 800 عائلة) إلى بلدة عسال الورد في القلمون الغربي. ويمثّل هؤلاء النازحون المدعو أبو طه العسالي، الذي كان صلة الوصل بين الجيش اللبناني و«سرايا أهل الشام»، عندما كان مسلّحو الأخيرة يقاتلون تنظيم «داعش».
وأكّد إبراهيم لـ«رويترز» أمس أن الأمن العام اللبناني سيرافق قوافل المغادرين حتى الحدود السورية، لافتاً إلى أن من سيعودون إلى بلدة عسال الورد «سيستعملون سياراتهم الخاصة للعودة».
ويُعدّ تنفيذ الاتفاق مع «سرايا أهل الشام» صفارة انطلاق المرحلة الأخيرة قبل بدء الجيش اللبناني هجومه لتحرير جرود عرسال الشمالية الشرقية، وجرود رأس بعلبك والقاع، التي يحتلها تنظيم «داعش». وسيتزامن هجوم الجيش مع هجوم آخر يشنّه من داخل الأراضي السورية حزب الله والجيش السوري وحلفاؤهما. وفيما أكّدت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» أن تحديد الساعة الصفر بيد قيادة الجيش وحدها، فإنها لفتت إلى أن غالبية التحضيرات للمعركة أنجِزَت من قبل المؤسسة العسكرية، وفي مقدور القيادة منح الأمر للوحدات الميدانية بمباشرة الهجوم على «داعش»، بدءاً من مطلع الأسبوع المقبل.
من جهته، أعلن نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أن قرار معركة جرود رأس بعلبك والقاع «توقيتاً وإدارة، هو بيد الجيش اللبناني». وأكّد أن المقاومة ستعمل، في المعركة، «لمؤازرة الجيش اللبناني حيث يرى ذلك ضرورياً ومناسباً، فله أن يقرر ما يشاء، لكننا لن ننام في بيوتنا، سنبقى على الزناد جاهزين لنؤدي دور المؤازرة حيث يجب أن نكون، وبناءً على طلب الجيش اللبناني». وأكّد أن المقاومة ستخوض المعركة «من الجهة السورية بالتعاون مع الجيش السوري لتعطيل الملاذ الآمن للمسلحين، ليتكامل التحرير ويكون انتصار الجيش في تنظيف الحدود كاملاً».
وقال قاسم، في احتفال تأبيني أقامه الحزب في بلدة اليمونة البقاعية، في ذكرى أسبوع الشهيد حسن علي شريف: «أنتم تعلمون أن شباب المنطقة من أهل رأس بعلبك والقاع وغيرهما من القرى كانوا يحرسونها برعاية الجيش اللبناني، وبدعم من المقاومة، هؤلاء الشباب من انتماءات مختلفة، منهم من التيار الوطني الحر، ومنهم من القوات اللبنانية، ومنهم من انتماءات أخرى، هؤلاء تركوا خياراتهم السياسية لمصلحة خيارهم السيادي، والتحموا على الأرض مع المقاومة والجيش، والقيادات المستنكرة تعرف هذه الحقيقة».
ووجّه قاسم «تحية خاصة» إلى أهل عرسال الذين «كانوا شجعاناً خلال المعركة في أن يقولوا رأيهم بحرية أنهم يريدون عرسال محررة ويريدون جرود عرسال محررة ممن احتلها من جماعة النصرة وداعش». وأضاف: «هؤلاء هم الذين يجب أن نسمع أصواتهم. أما أولئك الذين يتباكون عليهم ويدّعون أنهم يحمونهم، فمن قال إنهم يريدون منكم الحماية؟ أنتم أدخلتموهم في مشاكل كثيرة. حمايتهم بتحرير الأرض، وليست ببعض التوجهات التي تحاول أن تبرر للنصرة موقفها».