حوراء قبيسي
60% من الطاقة التكريرية للنفط و80% من مخزون الحبوب والقمح
تزوّد معامل الشمال 2.5 مليون أسرة إسرائيلية بالتيار الكهربائي
في خطابه أول من أمس، تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن مصانع بقيمة 130 مليار دولار في شمال الكيان استغرق إنشاؤها 34 عاماً، قد «تذهب كلها في نصف ساعة». لذا، فإن السؤال المطروح أمام قيادة العدو: ماذا لو كان ثمن عملية موسعة جنوب الليطاني سيكلف الكيان عنقه؟132 منشأة اقتصادية تقع على عمق مماثل لجنوب الليطاني في المنطقة الشمالية في فلسطين المحتلة تقدر قيمتها بـ 156.4 مليار دولار، ستجعل كلفة الحرب تتجاوز جدواها مهما تعاظمت، مقارنة بحجم الأثمان، وطبيعة تأثيرها الاستراتيجي على الكيان.
لذا، يحق للعدو أن يقع في تشابكات حدود القوة وحدود القدرة عندما يصل الأمر إلى حسم أي قرار ابتدائي بعملية موسعة على لبنان، ليس لأن يده لا تصل إلى الليطاني وما بعده، بل لعجزه عن ترميم ما قد تحدثه ضربات المقاومة من خلل في «حمضه النووي» اللازم لاستمراره الوجودي. إذ يدرك قادة العدو أن الثقل الاقتصادي في الشمال إن اهتز سيهتز معه الكيان كله. فالشركات الكبرى في إسرائيل تتخذ بنسبة كبيرة منها مكاتب ومقار رئيسية لها في الوسط، لكنها تركّز معاملها ومصانعها وخطوط إنتاجها شمالاً، حيث الأراضي أرخص ثمناً، واستغلالاً لمنح الدعم التي تقدمها الحكومة في الشمال، وانخفاض كلفة اليد العاملة مقارنة بمناطق الوسط.
فعلى سبيل المثال، يتركز 60% من الطاقة التكريرية في الكيان في مصافي نفط شركة «بازان» في هذه المنطقة، كما أن ضربة واحدة لأهراءات «داغون»، «المخزن» الأم في إسرائيل، تعني ضرب 80% من مخزون الحبوب والقمح في الكيان (3 ملايين طن). ويمكن العودة هنا إلى عطل طرأ على نظام تفريغ الأهراءات عام 2022 وتسبب حينها بخفض معدّل التفريغ إلى 50%. ورغم تدارك العطل سريعاً، إلا أنه اعتبر تهديداً «يمسّ بالإمدادات الغذائية لإسرائيل، ويقطع الخبز عنها»، وفق تصريح لرئيس اتحاد مستوردي الحبوب إيتاي رون حينها.
سؤال آخر على قادة العدو إيجاد إجابة له: هل هناك آلية للتعامل مع قطع الكهرباء عن 2.5 مليون أسرة إسرائيلية، إذا ما تم ضرب شركة «كهرباء إسرائيل» وشركة Orot Rabin، أكبر محطة للطاقة في إسرائيل، اللتين تقعان ضمن النطاق الجغرافي لأهداف المصانع في المنطقة الشمالية؟
الثقل الاقتصادي في الشمال يشمل أيضاً شركة ISCAR، أكبر الشركات المصنّعة لأدوات قطع المعادن الصلبة والمخارط في العالم، وما يعنيه ذلك من ضرب قطاع الصناعات الثقيلة، وخط التوريد العالمي ومعه سمعة إسرائيل.
ولشركة Plassim كذلك الوزن نفسه من الأهمية. فاستهداف أكبر شركة مصنّعة للأنابيب البلاستيكية للبنية التحتية في إسرائيل سيحدث خللاً في تأهيل وتصنيع إمدادات المياه والصرف الصحي وحتى كابلات الكهرباء والاتصالات وتوزيع الغاز، فضلاً عمّا قد يسببه شلّ خط الإنتاج التصنيعي بضرب أكبر شركة للأنظمة الهيدروليكية في إسرائيل Aizinberg Hydraulics، من تعطيل الماكينات الصناعية في المنشآت الصناعية الكبرى والمحركات الكهربائية والمقطورات، وبالتأكيد ما يدخل في الصناعات العسكرية.
وفي الشمال أيضاً شركة Adom Adom التي تهيمن على 40% من إجمالي سوق اللحوم في إسرائيل، وTnuva، أكبر شركات تصنيع الأغذية التي تسيطر على 70٪ من مبيعات سوق الألبان، ومصنع Barkan، أول وأقدم مصنع للنبيذ، الذي يصدّر 15 مليون زجاجة سنوياً، تمثل حوالي 50% من محصول الكروم… فضلاً عن قطاع الصناعات الكيميائية والورقية والنسيجية، وعن 13 مصنعاً لإنتاج ما تحتاج إليه إسرائيل في تأهيل المنشآت والبنى التحتية وصيانة الأعطال، من تسرّب الأمونيا إلى الرافعات والضواغط، وصولاً إلى السفن والطائرات والمعدات الميكانيكية، ما يضرب قدرة إسرائيل على التعافي السريع ويفشل أيّ محاولات ترميم فورية خلال الحرب لمواصلة خطوط الإنتاج.
وبعيداً عن خزانات الأمونيا في حيفا، واستناداً إلى معطيات قدّمتها «لجنة شابير» التي شكّلتها وزارة حماية البيئة في إطار عملية استخلاص الدروس بعد حرب لبنان الثانية، فإن أيّ ضربة لمصنع ICL Group للصناعات الكيميائية في الشمال قد تتسبب بسقوط 70 ألف ضحية في نطاق 8.2 كيلومترات.
132 منشأة اقتصادية في عمق مماثل لجنوب الليطاني في المنطقة الشمالية تقدر قيمتها بـ 156.4 مليار دولار
في كل الأحوال، إذا كانت «تل أبيب» غير قادرة على تعويض 165.4 مليار دولار – هي ثمن القيم الأصولية للمصانع فقط – تبقى عملية إعادة التأهيل ومنع هجرة المصانع بعيداً عن الشمال أشد ثقلاً.
لا استراتيجية لدى إسرائيل لتبرير جدوى خسارة «الأمان الاقتصادي» لمستوطني الشمال، ولا فكرة لديها كيف ستقنع هؤلاء بأن خسارة مصالح هي بالنسبة إليهم إرث قيمي يمكن تعويضها، وسيكون عليها أن تخوض عملية إعادة تصنيع ثقافية هوياتيّة لمجتمعها الاقتصادي. إذ كيف لمستوطن من الجيل الرابع يدير مصنعاً افتتحه جدّه بماكينة خياطة أتى بها معه من بولندا، أن يستوعب ضياع ما بناه أسلافه؟