مع تزايد «التشاؤم» في الكيان الإسرائيلي حول احتمالات التوصّل إلى صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ينتقل التركيز نسبياً إلى الجبهة الشمالية للكيان مع لبنان، حيث تتصاعد التهديدات. وكان واضحاً منذ ما بعد الاغتيالين اللذين نفّذتهما إسرائيل، في طهران وبيروت، للقائدين الشهيدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر، أن الحرب تسير في اتجاه التوسّع، خصوصاً على الجبهة الشمالية للكيان. وفي «اللحظة الصعبة»، أدارت الإدارة الأميركية محرّكاتها بطاقتها القصوى، وعملت على مسارين: الأول؛ استدعاء حاملات الطائرات ومجموعاتها وأسراب الطائرات الحربية ومنظومات الدفاع الجوي على مستوى المنطقة بأكملها، لإظهار الاستعداد للدفاع عن الكيان، ومحاولة «ردع» أعدائه، بالتزامن مع حملة سياسية ودبلوماسية، تضمّنت ضغوطاً مختلفة على أطراف كثيرة في المنطقة، خصوصاً قوى «محور المقاومة»، وتوزّعت بين الترهيب والترغيب، واتّسمت برسم الخطوط الحمر وتحديد ما يمكن «هضمه»، وما سيؤدي الى تصعيد كبير وشامل لن تكون الولايات المتحدة معزولة عنه. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أمس «أننا أعدنا تموضع قواتنا في الشرق الأوسط تحسباً لأي تصعيد من جانب إيران ووكلائها، وللمساعدة في الدفاع عن إسرائيل». وأضافت أن «إعادة الانتشار في المنطقة أخيراً منحتنا قدرة أكبر على الدفاع عن قواتنا»، مشيرة إلى أن «لدينا أكثر من 30 ألفاً من قواتنا في الشرق الأوسط يعملون مع شركاء وحلفاء متعدّدين ولا ننظر في تغيير ذلك».
الشروط المتشدّدة لنتنياهو في المفاوضات ترجّح كفّة التصعيد
أما المسار الثاني، فكان إيفاد واشنطن مبعوثيها السياسيين والأمنيين إلى المنطقة، بمهمة عنوانها تفعيل المفاوضات حول صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، بالتعاون مع الوسطاء في مصر وقطر. وهو ما مرّ عليه أسبوع، منذ جولة محادثات الدوحة، ويقترب من أسبوعه الثاني مع جولة منتظرة في القاهرة، لكن يجمع المراقبون، في الكيان وخارجه، وتدلّ تصريحات ومواقف المقاومة الفلسطينية، وكذلك تصريحات ومواقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، على أن الاتفاق لا يزال بعيداً، في حين تميل الإدارة الأميركية، أكثر من أي وقت، إلى تبنّي بعض الشروط المتشدّدة لنتنياهو، وهو ما يُنذر برجاحة كفّة التصعيد على التهدئة. وعليه، أرسل جيش العدو الإسرائيلي، أوامر استدعاء لـ 15 ألف مُعفى من الاحتياط إلى الخدمة، حتى سن 35 عاماً، استعداداً لسيناريوات التصعيد. وأعلن وزير الأمن يوآف غالانت أن عمليات القصف التي استهدفت البقاع مساء أول من أمس، كانت «تجهيزاً لكلّ الاحتمالات التي قد تتطوّر»، مشيراً إلى أن «مركز ثقلنا انتقل من غزة إلى لبنان، ونحن في تغيير تدريجي». وعلى مستوى الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وعلى وقع ارتفاع احتمالات التصعيد في الشمال وتهديدات المقاومة في لبنان، توصّلت بلدية حيفا إلى اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية، ينصّ على تفكيك 9 خزانات تحتوي على موادّ خطرة، بدءاً من مطلع العام المقبل، على أن يستمرّ الإخلاء على مراحل تمتدّ على عامين ونصف عام. بينما تعيش إسرائيل أيامها، حكومة ومستوطنين، تحت ضغط انتظار ردود «محور المقاومة» على الاغتيالات والاعتداءات، حيث رأى الدكتور مردخاي كيدار، المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان العبرية، أن «الإيرانيين انتقموا عندما وضعونا في حالة من عدم اليقين»، فيما «إذا قمنا بضربة استباقية ضدّ حزب الله، فإن العالم كله سيتّهمنا باعتداء غير مبرّر». وبدورها، رأت الباحثة الأولى في «معهد دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي، أورنا مزراحي، أن «حزب الله ينجح في شنّ حرب نفسية ضدّنا على مستوى عالٍ جداً، ونرى نتيجته خوفاً من توسّع الحرب».