رغم أن كل وسائل الإعلام الرئيسية في كيان الاحتلال تبنّت رواية الجيش عن الضربة الاستباقية فجر الأحد، إلا أن الانتقادات التي كالها المعلّقون لرئيس حكومة العدو وللناطق باسم الجيش دلّت على استمرار أزمة الثقة، خصوصاً أن كثيرين وجدوا أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عرف كيف يدير الدفّة في خطابه عن عملية «يوم الأربعين». والخلاصة المشتركة بين كل ما قاله المسؤولون والمعلقون في الكيان هي أن حزب الله لا يبدو مردوعاً، ومستمر في حرب الاستنزاف حتى يتوقف القتال في غزة.
وعبّر الخبير الأمني يوسي ميلمان عن هذا الموقف بوضوح في مقال له جاء فيه: «لقد أوضح الأمين العام لحزب الله نصرالله ما حدث هذا الصباح. إنه عدو قاس، لا يعترف بحق إسرائيل في الوجود». فيما رأى المحلل الإسرائيلي بن كاسبيت، في مقال في موقع «والا»، أن نتنياهو لجأ مرة أخرى إلى «الخيار السهل، وبدلاً من اختيار التحركات القوية التي من شأنها استعادة الردع الإسرائيلي، وإعادة سكان الجليل الأعلى إلى منازلهم، فضّل عملية تعطيل ناجحة، ولكن محدودة». وأعرب عن شكوكه في «قدرة الحكومة الإسرائيلية على الدخول في مواجهة مفتوحة مع حزب الله».
وكتب المحلل والخبير الإسرائيلي نير كيبينيس، في الموقع نفسه، أن «الحكومة بالتعاون مع الجيش تؤجل المواجهة الحتمية، وسندفع جميعاً الثمن غالياً كما في الجنوب». وأشار العميد المتقاعد داني فان بيرن، في صحيفة «معاريف» إلى وجود «فرصة تاريخية للدخول في مواجهة شاملة»، مشدداً على أن «المواجهة مع إيران لا يمكن تأجيلها (…) ويجب علينا أن نفهم مصالح جميع الأطراف في المعادلة، وأن نحقق فقط مصالح إسرائيل. وفي الواقع الحالي، فإن العمل العسكري القوي وحده هو يضمن ذلك»، معتبراً «أن الفرصة الآن سانحة لتوجيه ضربة قوية إلى إيران وحزب الله، قبل حصول طهران على برنامجها النووي، واستعادة حلفائها لقوتهم».
وذهب الضابط السابق في «الشاباك» موشيه بوزيلوف إلى ضرورة تجنب الدخول في حرب مفتوحة مع إيران وحزب الله. وقال في مقال في «معاريف»: «نحن في حرب مسرحية، حيث يختبر كل طرف حدود قدرة الطرف الآخر على التحمل. إذا استمرت إسرائيل في العمل بنموذج الضربات الوقائية الدقيقة، مع الحفاظ على التنسيق السياسي مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فهناك فرصة جيدة لتجنب حرب شاملة». ومع ذلك، توقّع بوزيلوف أن «تدفع واشنطن باتجاه التصعيد مع إيران، من خلال توجيه ضربة إليها باعتبارها راعية للإرهاب، وهو ما قد يدخل المنطقة في حرب مفتوحة».
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لمراسلتها في القدس إيزابيل كيرشنر، أن الكثير من الإسرائيليين «استيقظوا صباح الأحد ليجدوا أنه على الأقل في الأمد القريب، بدا أن الهجوم الذي طال انتظاره قد انتهى قبل أن يبدأ تقريباً». وأضافت أنه «سرعان ما أعلنت إسرائيل وحزب الله عن نوع من الانتصارات: إسرائيل بسبب ضرباتها الاستباقية قبل الفجر ضد ما قال الجيش إنها آلاف منصات إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله في جنوب لبنان، وحزب الله بسبب إطلاقه اللاحق لوابل من الصواريخ والمُسيّرات على شمال إسرائيل، والتي قال الجيش الإسرائيلي إنها قتلت ضابطاً بحرياً. وبحلول وقت الإفطار، كان الجانبان يستخدمان لغة الاحتواء».
رغم ما يتعرض له من ضربات قاسية، يبدو حزب الله قادراً على تعويض خسائره
وحذّر الصحافي المخضرم إيهود يعاري من أنه «قد تكون هناك مراحل. يمكن أن يكون هناك تصعيد تدريجي». وقال إن «إسرائيل ركّزت على إحباط التهديد للقوات والمدنيين الإسرائيليين من ترسانة حزب الله من الصواريخ والمُسيّرات، وليس أصولها أو بنيتها التحتية الأوسع».
إلى ذلك، خلصت دراسة لمعهد دراسات الأمن القومي إلى أنه «في هذه المرحلة، ليس من الواضح ما إذا كان حزب الله سيكتفي بهذا الرد، أم أنه سيحاول شن هجوم واسع النطاق آخر في المستقبل. ومع ذلك، من المرجّح أن يواصل الحزب حرب الاستنزاف المحدودة في الشمال حتى يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في الجنوب».
وكتب سيث جيه فرانتزمان أن حزب الله «لا تردعه أي خطوة. ورغم كل ما يتعرض له من ضربات قاسية، يبدو أنه قادر على تعويض خسائره وغير مردوع». وأضاف: «حتى الآن، يبدو أن حزب الله مرتاح إلى هذا النوع من الصراع، حيث يملي هو وتيرة ووقت ومكان الهجوم»، مشيراً إلى أن «السؤال في إسرائيل الآن، هو ما إذا كان يمكن ردع حزب الله، ومتى قد يحدث ذلك، وسط شعور بأن إسرائيل أرادت خلال الأشهر السبعة الماضية تحويل التركيز إلى الشمال. لكن الحرب في غزة لا تزال تتطلب التركيز لأن حماس تواصل هجماتها».