نشط الحراك السياسي فجأة من العاصمة الأميركية بشأن الوضع في غزة ولبنان، ولكنّه لا يبدو في جوهره مختلفاً عن كل «الحراكات» السياسية التي شهدناها في مراحل مختلفة من الحرب القائمة على غزة، منذ 7 تشرين الأول الماضي. وما يرشح من نتائج الاتصالات، هو أن الجانب الأميركي يسعى، بالتعاون مع أطراف غربية وعربية، إلى محاولة «فرض وقائع سياسية»، على قاعدة اعتبار ما حصل الأسبوع الماضي إنجازاً عسكرياً كبيراً لإسرائيل، وبالتالي يسعى هؤلاء إلى انتزاع أثمان سياسية من المقاومة أو من لبنان عموماً. وإذا كانت الضغوط على الحكومة والأطراف السياسية اللبنانية مرشّحة للتصاعد خلال الأيام القليلة المقبلة، فذلك سببه معرفة الولايات المتحدة وبريطانيا، قبل غيرهما، أن المطالب الإسرائيلية التي يجري تعليبها في «اقتراح دبلوماسي» مرفوضة حتى قبل أن تُطرح، لأن حزب الله لا يقبل بأيّ من هذه الشروط، ويعرف أن ما يجري لا يتجاوز محاولة ممارسة الضغط عليه، وفق تصوّر أنه في وضع المهزوم، علماً أن المقاومة تنظر إلى المجريات الميدانية بطريقة مختلفة، ولا تعتبر أن العدو حقّق أي نجاح باستثناء قتل الناس، وأنّها لم تقل كلمتها بعد، وكل ما فعلته حتى الآن لا يزال في إطار الردود العسكرية على مواقع عسكرية، وهي أعطت «إشعاراً» للعدو حول نوعية القدرات التي تنوي اللجوء إليها في أي مرحلة تصعيد قد تكون قادمة. لكن، وكما حصل في غزة، فإن الجانب الأميركي، الذي لا يُظهر أي انزعاج مما قامت وتقوم به إسرائيل ضدّ لبنان، يحاول منح العدو «شرعية» إضافية، من خلال اتهام الحزب بـ«رفض المسعى الدبلوماسي»، وهو ما يُعطي العدو هامشاً أكبر لموجة تصعيد جديدة وعنيفة، سواء على مستوى الحملة الجوّية أو على صعيد الاقتراب من شنّ عملية برية.وعلى هذا الطريق، عُقدت أمس مداولات أمنية محدودة، بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت ورئيس هيئة أركان الجيش هرتسي هاليفي، دامت نحو 3 ساعات، قبل أن يدخل الوزراء الآخرون إلى المناقشات، «لاتخاذ قرارات مهمة». قبل ذلك، كان هاليفي قد صرّح، بوضوح، أن الجيش يستعدّ لعملية برية في قرى جنوب لبنان، إضافة إلى إعلان استدعاء لواءي احتياط إلى المنطقة الشمالية. ومن الواضح أن العدو يضع أدوات الضغط على الطاولة، بالتزامن مع إعلانه «انفتاحه» على المفاوضات للتهدئة. وفي هذا السياق، نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «نتنياهو أعطى الضوء الأخضر لبحث المبادرة الأميركية الجديدة بشأن لبنان». وبحسب قناة «كان»، فإن المبادرة الأميركية تقوم على «وقف إطلاق نار مؤقّت لمدة 4 أسابيع في غزة ولبنان، على أن تجري مفاوضات مكثّفة مع حزب الله وحماس بوساطة أميركية وفرنسية للتوصّل إلى صفقة خلال الأسابيع الأربعة». وبحسب القناة، فإن «المبادرة تشمل أيضاً صفقة لإعادة الأسرى من غزة، وإطلاق سراح مئات الفلسطينيين، وتطبيق القرار 1701 لإبعاد حزب الله عن الحدود في الشمال». لكنّ مراسل القناة، أشار إلى أن «فرص نجاح هذا المقترح ضئيلة حالياً، وإن كانت غير مستحيلة». وفي السياق نفسه، قال نتنياهو إن «أي مفاوضات تهدئة ستكون تحت النار وسنواصل ضرب حزب الله»، كما نُقل عن محيطين به أن «فرص التوصل إلى تهدئة، لا تزال ضئيلة». في حين نقلت «القناة 12» عن غالانت إشارته إلى أن «الحرب في الشمال قد تؤدّي إلى تسوية تشمل أيضاً استعادة الأسرى».
المقاومة تنظر إلى المجريات الميدانية بطريقة مختلفة، ولا تعتبر أن العدو حقّق أيّ نجاح، وهي لم تقل كلمتها بعد
ميدانياً، تابع العدو الإسرائيلي غاراته الجوّية المكثّفة على الجنوب والبقاع، واستهدف مناطق جديدة في أقضية الشوف وكسروان وجبيل، في جبل لبنان. وفيما زعم جيش العدو أنه هاجم أمس 280 هدفاً لحزب الله، أعلن وزير الصحة اللبناني استشهاد 72 شخصاً وإصابة نحو 300 آخرين، ما يرفع الحصيلة الرسمية إلى نحو 700 شهيد وحوالى 2000 مصاب، في الأيام الثلاثة الماضية فقط. في المقابل، وللمرّة الأولى في تاريخ الصراع مع العدو، استهدفت المقاومة مقر قيادة «الموساد» في ضواحي تل أبيب بصاروخ باليستي من نوع «قادر 1»، مشيرةً إلى أنه «المقرّ المسؤول عن اغتيال القادة وعن تفجير البايجرز وأجهزة اللاسلكي». وكانت المقاومة قد استهدفت بعد منتصف ليل الثلاثاء قاعدة إيلانيا بصواريخ «فادي 1». وشنّت قصفاً صاروخياً، خلال ساعات النهار على مستوطنات حتسور وساعر وكريات موتسكين، ومقر قيادة المنطقة الشمالية في قاعدة دادو. كما هاجمت مصنع المواد المتفجّرة في منطقة زخرون بصواريخ «فادي 3» ومستوطنة كريات موتسكين، مرّةً ثانية، بصواريخ «فادي 1»، إضافةً إلى التجهيزات التجسسية في موقع راميا وثكنة برانيت. وبالتوازي، تصدّت وحدات الدفاع الجوي لطائرتَين حربيتين معاديتين مقابل بلدتي حولا وميس الجبل، وأجبرتهما على مغادرة الأجواء اللبنانية. إلى ذلك، أعلن حزب الله استشهاد القائد إبراهيم محمد قبيسي (الحاج أبو موسى) من بلدة زبدين في جنوب لبنان، في «عملية اغتيال إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت»، ونعى الحزب عدداً من المقاومين الذين استشهدوا في الغارة نفسها.