اجتهد الرئيس نبيه بري، فقرر أن «يستعيد نشاط المجلس»، رغم انتهاء العقد التشريعي العادي. في المقابل، يطالب التيار الوطني الحر بتعديل دستوري، تحت عنوان «الحفاظ على المناصفة»، لتثبيت التركيبة المذهبية لمجلس النواب بعد إنشاء مجلس للشيوخ. ورغم التشنّج بين الرئاستين، فإن الاتفاق على قانون جديد للانتخابات ممكن، إذا ما توقّف بعض السياسيين عن ممارسة الدلع
حسن عليق, ميسم رزق
هل يعود البحث في قانون الانتخابات المطروح أخيراً (النسبية على أساس 15 دائرة) إلى النقطة الصفر؟
السؤال راج في ضوء نتائج المؤتمر الصحافي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، وسط ملامح أزمة أكبر، فيها صراع على الصلاحيات الدستورية في تفعيل المجلس أو تعطيله، بما يوحي بأنّ الخلاف بين الرئاستين الأولى والثانية آخذ في الاحتدام. وفيها أيضاً، ما لم يخرُج إلى العلن بعد، وهو مطالبة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بتعديل دستور يثبت الطائفية والمذهبية في مجلس النواب.
ما سبق دفع بأسئلة إضافية، من قبيل ماذا سيحدث بعد أن تنتهي الدورة العادية للمجلس (غداً) إلى الفشل في التوافق على أي صيغة قانون جديد للانتخابات النيابية، وعدم توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم الدورة الاستثنائية؟
ثم ما الهدف من وراء تعقيد الأزمة بطروحات تمسّ جوهر الطائف في أدق لحظة سياسية تمُرّ فيها البلاد؟
الثابت الوحيد في كل الدائرة المفرغة التي ندور فيها، إما أنّ هناك من لا يريد حصول الانتخابات إلا وفق ما يراه مناسباً له، وإما أن القوى السياسية تبدو مصرة على استدراج لبنان إلى دائرة النار التي تضرب المنطقة منذ سنوات، بوعي أو من دون إدراك.
ولذلك، تحتاج البلاد إلى مَن يقدر على وقف الملهاة، وقول الأمور بصراحة:
أولاً: الاتفاق على «النسبية المشوّهة» في 15 دائرة هو أفضل ما يمكن أن تنتجه الطبقة السياسية اليوم.
ثانيا: البلاد لا تحتمل الدلع، ولا الهرطقة، ولا تهشيم الدستور والقوانين التي تحوّلت إلى هيكل صدئ، لا يُقام له أي اعتبار.
ثالثا: ما تحقق تحت عناوين «الشراكة» و«استعادة التمثيل» و«حفظ الحقوق» هو أفضل الممكن حالياً. ولا داعي للذهاب أبعد، وطرح مطالب استفزازية وتعجيزية، لحفظ ماء وجه من صعد إلى شجرة وبات عاجزاً عن إيجاد سبيل للنزول.
رابعا: ليست الأيام العشرون الفاصلة عن عهد الفراغ النيابي الوقت الأمثل لإطلاق النار على العهد ومحاولة عرقلته. يكفي البلادَ الجمود «البنيويّ» الذي يشل مفاصل الدولة، ولا حاجة إلى مزيد من النزف السياسي والأمني والمالي.
في جميع الأحوال، ثمة مَن لم يفقد الأمل بإمكان التوصل إلى قانون جديد للانتخابات. ولا يقتصر ذلك على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري اللذين عبّرا أمس عن أملهما بالاتفاق على قانون قبل نهاية الولاية النيابية. فما قام به الرئيس نبيه بري أمس، وبصرف النظر عن الرأي الدستوري به، يحمل إيجابيات كثيرة، برأي سياسيين بعضهم من خصوم رئيس المجلس. فبرّي أكد أولاً موافقته على النسبية في 15 دائرة، وعدم ممانعته إدخال نص على الدستور لتثبيت المناصفة، رغم أنها واضحة في مواد الدستور بلا أي لبس. ودفع عن نفسه سيف التهديد لعدم فتح دورة استثنائية من خلال القول إنه مستعد للذهاب في المواجهة إلى أقصاها. كذلك فإنه رسم خطاً أحمر يحول دون نقل المقاعد من دائرة إلى أخرى (ربما يُستثنى من ذلك إعادة مقعد الإقليات، أو المقعد الإنجيلي، من الدائرة الثالثة في بيروت إلى الأشرفية).
وبحسب مصادر عونية، وأخرى من فريق 8 آذار، فإن بري سيزور قصر بعبدا الخميس، ليشارك في الإفطار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية. وقال مصدر وزاري من فريق 8 آذار إن مشاركة بري في إفطار السرايا الحكومية غروب أمس لم يهدف إلا إلى التمهيد للمشاركة في إفطار بعبدا، وكسر الجليد مع عون، وفتح أفق للحل.
مصادر في التيار الوطني الحر قالت لـ«الأخبار» إن التشنّج يسيطر على العلاقة بين عون وبري، لكن ذلك لا يعني أن الأمور أعقد من أن تُحل. وتعوّل المصادر على اتصالات ستشهدها الأيام المقبلة لخفض حدة التوتر. وفيما رأى سياسيون عونيون أن «اجتهاد بري بشأن استمرار العقد العادي لمجلس النوب أقرب إلى الهرطقة الدستورية في مقابل نصوص لا تقبل التأويل»، فإنهم أكّدوا أن الخلاف على تفسير الدستور لن يؤدي إلى إطاحة الجهود التي بُذِلت وأدّت إلى تقريب وجهات النظر بشأن قانون الانتخابات.
المسارات السياسية ليست مقفلة بالكامل إذاً. وحتى اللحظة، لم يتدخّل حزب الله لمحاولة نزع فتائل التفجير. وما يصعب تصديقه أن الاتفاق شبه منجز على قانون جديد للانتخابات، ولم يعد بحاجة إلى إلى الكف عن الدلع والنكد السياسيين.
مؤتمر برّي أمس أتى في لحظة يُحاول فيها التيار الوطني الحر والقوات طرح مسألة تعديل الدستور تحت عنوان «ضمان حقوق المسيحيين». وطرحهما يُطالب بـ «تعديل المادتين 22 و24 من الدستور، بهدف الإبقاء على المناصفة والتوزيع الموجود حالياً في المجلس النيابي بشكلٍ دائم ونهائي، حتى بعد استحداث مجلس للشيوخ يُنتخب على أساس مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي»، ما يعني الإبقاء على مجلس نيابي مذهبي واستحداث مجلس مذهبي جديد.
مصادر عين التينة رأت هذا المطلب «لعباً بالنار»، مؤكّدة أن موقف برّي «واضح وقد كرّره أكثر من مرّة، وهو اللاعودة عن المناصفة ولكن في إطار وطني». وأشارت إلى أن برّي في مؤتمره أطاح هذا الطرح، إذ إنه «حين اقترح إنشاء مجلس شيوخ اجتهد في الدستور مفسراً مصطلح مجلس نواب وطني لا طائفي، بأن المجلس يحافظ على المناصفة، ولكن من دون الإبقاء على التوزيع المذهبي عند المسيحيين والمسلمين».
من جهة أخرى، أعلن رئيس المجلس أنه «تلقى وعداً من رئيسي الجمهورية والحكومة بإصدار مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب»، قائلاً: «تواصلت هاتفياً مع الرئيس عون ووعدني بأن ينسق مع رئيس الحكومة لإصدار المرسوم، خصوصاً أنني ملزم بمهلة محددة هي 48 ساعة، لتثبيت الجلسة أو تأجيلها. كان هذا الكلام الساعة التاسعة من مساء الجمعة.
القوات: يُمكن التراجع عن مطلب نقل المقاعد، لأن الأهم هو تقسيم الدوائر
وبعد الاتصال مع عون تواصلت مع الحريري الذي وعدني بأن يوقع المرسوم، وطلبت منه أن ينسق مع فخامة الرئيس. وبعدها أخبرني الحريري أنه وقّع المرسوم وأحاله على بعبدا لتوقيعه وإبلاغي به في الليلة ذاتها. انتظرت حتى ظهر السبت، ولم يصلني المرسوم، علماً أن المعلومات أشارت إلى أنه على الطريق، وعلى هذا الأساس دعيت إلى جلسة في الخامس من حزيران».
وقدّم رئيس المجلس مطالعة دستورية لمسألة دعوته إلى جلسة بعد انتهاء العقد العادي ومن دون إصدار مرسوم الدورة الاستثنائية، مشيراً إلى أنه «لدى استخدام الرئيس المادة 59 من الدستور، وتأجيل عمل المجلس لفترة لا تتعدى الشهر، فهذا لا يعني إلغاء الجلسة أو عمل المجلس، بل تأجيله»، مشيراً إلى أن «هذا الخيار موجود في الدستور اللبناني، وفي الدستور الفرنسي. وقد استخدم في فرنسا في عام 1898، بمعنى أنه يحق له الدعوة إلى جلسات بعد انتهاء العقد العادي لفترة شهر».
وفيما أكد برّي أنه وافق على اقتراح النائب عدوان بشأن قانون الانتخاب «لأنه خرج من لقاءات بكركي»، فإنه أكّد رفض نقل المقاعد النيابية واعتماد الصوت التفضيلي على أساس طائفي، مشيراً إلى أن هذه الطروحات تنسجم مع طروحات التقسيم في المنطقة. واستمر برّي بعدم الإفصاح عن سيناريو ما بعد 20 حزيران، مجدّداً رفضه الفراغ في المجلس النيابي. وأبدى استغرابه لعدم توقيع المرسوم، قائلاً: «سمعت أن هذا من أجل الضغط عليّ للقبول بما يريدون من شروط، لكن لا أنا ولا أنت يا فخامة الرئيس من الذين يبيعون ويشترون».
بدورها، أشارت مصادر بارزة في تيار «المستقبل» إلى أن «رئيس الحكومة قام بما هو مطلوب منه ولم يتراجع عن تعهده للرئيس برّي». ورأت المصادر أن «المشكلة هي عند الرئيس عون». وكان لافتاً عدم تطرق الحريري إلى مؤتمر برّي، مكتفياً في حفل إفطار السرايا أمس بتوجيه التحية إلى رئيس المجلس، واصفاً إياه بالصديق، وبأنه «أكثر من يسعى مثلنا للتوصل إلى قانون جديد وعصري للانتخابات». وأكد الحريري أن «العودة إلى الستين أو التمديد سيشكل لنا جميعاً هزيمة أمام قواعدنا، ويعبّر عن اهتراء سياسي والرئيس برّي شاهد على ما أقوله». ولم يعلن رئيس الحكومة موقفاً من مشروع النسبية في 15 دائرة.
من جهتها، رأت مصادر القوات اللبنانية في كلام برّي «تصعيداً ضد الرئيس عون، بالتأكيد أن المجلس هو سيّد نفسه». لكنها حيّدت نفسها بشأن قانون الانتخابات، مشيرة إلى أن ما يرفضه الرئيس برّي بشأن نقل المقاعد «يُمكن التراجع عنه، لأن الأهم بالنسبة إلينا هو تقسيم الدوائر، وما دامت هذه النقطة تلقى موافقة الجميع، فنحن لن نطيح الانتخابات بالتمسك ببند نقل المقاعد، علماً أننا لم نطالب إلا بنقل مقاعد أربعة كانت قد فرضت في مرحلة الوصاية السورية». واستبعدت المصادر أن يؤدي الاشتباك بين عون وبرّي إلى نسف مسعى النائب جورج عدوان «إلا إن كان هناك قرار سياسي».