كتب فؤاد بزي
في إطار حفلة ترقيع أجور ورواتب القطاع العام التي مورست منذ اليوم الأول للأزمة، أقرّ مجلس الوزراء في جلسته أمس، أحدث نسخة من إصدارات الترقيع التي ترفض الاعتراف بالزيادات الممنوحة للعاملين في القطاع العام باعتبارها جزءاً من أساس راتبهم، بل أسمتها «تعويضاً مؤقّتاً» أضافت إليه «بدل بنزين» و«بدل مثابرة» فوق «بدل النقل». ورغم أن هذه الزيادات تُعدّ مجحفة لأنها لا تتناسب مع غلاء المعيشة الفعلي، إلا أنها ستعيد موظفي الإدارة العامة إلى العمل بنسبة 80%، وهي أدّت إلى إخلاء الشوارع من تحرّكات المتقاعدين التي توقفت بشكل واضح للعيان بعد اتفاق مباشر بين قيادة الجيش والحكومة.باستثناء الأساتذة (بمختلف فئاتهم) والقضاة، أُعطيت الزيادات لجميع الموظفين الإداريين والمتقاعدين والعاملين في جميع المؤسّسات العامة والمصالح المستقلّة بما فيها المستشفيات الحكومية والبلديات واتحاداتها. إذا جُمعت كل التعويضات المؤقتة التي حصل عليها العاملون في القطاع الخاص سابقاً وأمس، فإن العاملين في الخدمة والمتقاعدين سيتقاضون 9 أضعاف الراتب الأساسي. بذلك سيكون العاملون في الخدمة قد نالوا راتبين إضافيين في جولة أمس، بينما حصل المتقاعدون على ثلاثة رواتب إضافية. وقد نصّ القرار على ألا تزيد قيمة هذه الزيادة على 30 مليون ليرة شهرياً للعاملين في الخدمة، إلا أنه لا يجب أن يقلّ معاش المتقاعد عن 8 ملايين شهرياً. كذلك، أُقرّت زيادة «انتقائية» للضباط المتقاعدين برتبة عميد وما فوق، قيمتها 5 ملايين ليرة شهرياً تحت عنوان «بدل سائق». وبالإضافة إلى «التعويض المؤقّت» حصل العسكريون في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والضابطة الجمركية وشرطة مجلس النواب، على تعويض نقل شهري مقطوع إضافة إلى السابق، بقيمة 4 ملايين ليرة ليصبح مجموع هذا التعويض 9 ملايين ليرة. وأيضاً نال العسكريون 12 مليون ليرة تُدفع لمرّة واحدة باعتبارها «تعويضاً إضافياً» ستُحدّد وزارة المال طريقة دفعه بالتنسيق مع مصرف لبنان.
وميّزت الحكومة بعطاءاتها بين الموظفين، فأعطت الإداريين من موظفين وأجراء ومقدّمي خدمات ومستخدمين، دون غيرهم، في حال حضورهم لـ14 يوماً شهرياً حوافز إضافية، تبدأ من ثمن 8 صفائح بنزين لموظف الفئة الخامسة، 10 للفئة الرابعة، 12 للفئة الثالثة، 14 للفئة الثانية، و16 للفئة الأولى، على أن يُعتمد سعر ثابت للصفيحة بقيمة مليون ونصف مليون ليرة.
وأدخلت الحكومة بدعة جديدة على قاموس الحوافز باسم «بدل مثابرة» تُعطى لموظفي الإدارة في حال قدومهم إلى العمل لأكثر من 20 يوماً شهرياً (الدوام الكامل)، وتراوح قيمة هذا البدل بين 15 مليون ليرة و25 مليون ليرة تبعاً للفئات الوظيفية. كما عدّل مجلس الوزراء بدل النقل لموظفي القطاع العام، ليصبح 450 ألفاً عن كلّ يوم حضور بدلاً من أن يكون ثمن صفائح بنزين. على أن تُقرّ الزيادات للإداريين بمفعول رجعي ابتداءً من أول شهر كانون الأول.
منذ بداية الجلسة بدا أن هناك اتفاقاً بين مكوّنات الحكومة على الزيادات، لذا جرى تأجيل النقاش فيها إلى آخر الوقت، وقد مرّت كل هذه التعديلات من دون نقاش أو تعديلات، إذ إن «الاتفاق على تعديل الرواتب أُنجز قبل أيام» بحسب مصادر متابعة.
في المحصّلة، لا تصحيح فعلياً للأجور، فكلّ الزيادات ستبقى خارج أساس الراتب، ولا يستفيد منها الموظف المقبل على التقاعد. بدلات البنزين ليست إلا تهريبة حكومية بهدف إنكار حقّ المتقاعد بالحصول على زيادة مماثلة للموظف في الخدمة. كما لا تعيد الزيادات إلى الراتب قيمته عام 2019، إذ لا تزيد نسبة التصحيح لموظف الفئة الثالثة بمضاعفة راتبه 9 مرات، وإعطائه ثمن صفائح البنزين، على 26% من قيمة الراتب قبل الانهيار.
هي حفلة ترقيع حكومية إذاً خسر فيها الموظفون والمتقاعدون والعسكر، وفاز كبار الضباط ببعض المكتسبات المادية والمعنوية. بحسب المعطيات، فإن قيادة الجيش فاوضت مجلس الوزراء في الشارع مستخدمةً ورقة المتقاعدين وحصّلت مكاسب للضباط من دون العسكريين. والواضح أن قائد الجيش جوزف عون استخدم المتقاعدين في أكثر من مناسبة لغايات وأهداف ذات طابع سياسي. عملياً، جرى استغلال الصعوبات المعيشية التي يعيشها هؤلاء من أجل أهداف لم تتضح صورتها بعد. فهم يعانون من هذا البؤس منذ فترة طويلة، لكن تحرّكهم في الأسبوعين الأخيرين كان لافتاً. العقل العسكري المترسّخ لدى العسكريين من الرتب الدنيا، أتاح لمجموعة من 30 عميداً متقاعداً التفاوض باسمهم. وبدورهم يتعامل الضباط مع قيادة الجيش على أساس أمر اليوم وكأنّهم عسكر في الخدمة الفعلية. وعند أول اتفاق بين القيادة ورئيس مجلس الوزراء، تُرك العسكر وحيداً، ووافق الضباط على ما عرضته الحكومة في أوّل مرّة، أي ثلاثة رواتب إضافية.
العسكريون المتقاعدون خائبون من ضباط مطيعين لـ«القيادة»
في ساحة الاعتصام أمس، أعداد قليلة، ووجوم سيطر على العسكريين المتقاعدين الذين وجدوا أنفسهم وحدهم، إذ تركهم عدد كبير من الضباط الأساسيين في التحرّك مثل شامل روكز وجورج نادر اللذين وُصفا من قبل المتقاعدين المعتصمين بـ«المطيعين لقيادة الجيش». ولولا وجود أعداد قليلة من المتظاهرين التابعين لجمعيات المودعين لأمكن القول بأنّ الساحات خالية تماماً.
في المحصّلة، كُسر آخر حراك مطلبي، وانسحب المتقاعدون من الشارع محمّلين المسؤولية لـ«القيادة الموعودة برئاسة الجمهورية والضباط المرتبطين بحسابات خاصة». فـ«عند إرضاء الضباط لا أحد يسأل عن العسكريين» أكّد أحد المتقاعدين. أول من أمس، وعند إعلان الحكومة عن ساعة اجتماعها انتظر المتقاعدون بياناً من تجمّع العسكريين المتقاعدين ورابطة القوات المسلحة يدعو لإقفال السراي مرّة أخرى. إلا أنّ «خيبة الأمل كانت كبيرة عندما أتت الدعوة إلى اعتصام رمزي من دون إغلاق للطرقات»، ودعوة عدد من الضباط المتقاعدين العسكريين لـ«انتظار سلسلة رتب ورواتب جديدة».
770 مليون دولار
هي كلفة رواتب القطاع العام بكل فئاته من موظفي الملاك والعسكريين في الخدمة والأساتذة والقضاة وغيرهم، بالإضافة إلى المتقاعدين من كل الفئات أيضاً، وذلك بعد الزيادات التي أقرّها مجلس الوزراء. كانت الكلفة تبلغ في عام 2018 نحو 10600 مليار ليرة أي 7 مليارات دولار، وكانت الكلفة توازي 40% من نفقات الخزينة في ذلك العام والبالغة 17.3 مليار دولار، وكانت تمثّل 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 55.9 مليار دولار، أما اليوم فإن الكلفة تبلغ 22.3% من النفقات المُقدّرة في موازنة 2024 بـ 3.44 مليارات دولار، و4.2% من الناتج المحلي الإجمالي المُقدّر بنحو 18 مليار دولار
بدعتا البنزين والمثابرة
كانت لدينا بدعة بدل النقل الذي يمثّل جزءاً أساسياً من الراتب، أما اليوم وبسبب حفلة الترقيع التي مارستها الحكومة فأصبح لدينا الكثير من البدلات التي ستفوق أساس الراتب بكثير، ومن أبرزها بدل المثابرة وبدل البنزين. الأول هو عبارة عن مكافأة عن أيام الحضور، تراوح بين 15 مليون ليرة و25 مليون ليرة، والثاني سيكون على النحو الآتي:
– ما يوازي بدل 24 صفيحة محروقات لموظفي الفئة الخامسة والأجراء ومقدّمي الخدمات الفنية.
– ما يوازي بدل 30 صفيحة محروقات لموظفي الفئة الرابعة.
– ما يوازي بدل 36 صفيحة محروقات لموظفي الفئة الثالثة.
– ما يوازي بدل 42 صفيحة محروقات لموظفي الفئة الثانية.
– ما يوازي بدل 48 صفيحة محروقات لموظفي الفئة الأولى.