قبل نحو 42 شهراً من الآن، وبتاريخ التاسع عشر من كانون الثاني عام 2013، كتبت في “الأخبار” أن في المحكمة الدولية من ينوي ملاحقة “الأخبار” بتهمة تحقير المحكمة، بعد إعادة نشر وثائق ومعطيات تخص قسماً من شهود الادعاء العام أمام المحكمة في قضية اغتيال رفيق الحريري.
ولم يتأخر الوقت، حتى باشرت المحكمة إجراءات تطبيقية لهذا التقدير، فصدر قرار اتهام، ثم أرسل أحد المحققين، قبل أن يصدر القرار الظني في وقت لاحق، وتنعقد المحكمة. وخلال كل هذه الفترة، كنا على اقتناع بأن المحكمة، التي وجدت كأداة سياسية لمعاقبة معارضي الولايات المتحدة وإسرائيل في لبنان، كانت في صدد اتخاذ الإجراءات التي تكفل، برأيها، منع مراقبة المحكمة ونقد قراراتها السياسية. ولذلك، كان القرار بمقاطعة المحكمة وعدم الأخذ بما يصدر عنها. وعندما مثلتُ أمام القاضي المعني في جلسة لم يَتحمّل فيها خمس دقائق من الكلام، فانسحبتُ، مثبتاً اقتناعي بأن هذه المحكمة وجدت للاعتداء على حقوق وكرامة وحرية من يعارض المشروع الأميركي ــــ الإسرائيلي ــــ السعودي في لبنان والمنطقة. وكان هذا الاقتناع هو خلفية القرار بوقف التعامل مع المحكمة، ورفض إجراءات شكلية سخيفة، لم يكن القصد منه سوى إضفاء نوع من الصدقية على هذه الأداة السياسية الحقيرة. وهو ما حتم رفض تعيين محامي دفاع، أو القبول بقرار تعيين صادر عن الجلاد نفسه.
ما حصل خلال هذه المدة الطويلة هو أن الفريق السياسي والأمني والقضائي الذي يقف خلف هذه المحكمة، عمل بمثابرة ودأب، ومن دون أي تردد، على تحقيق الغاية من وجوده. وعلى الرغم من أن هذا الفريق أطال في الإجراءات لتحصيل أكبر قدر من الأموال المستحقة للشعب اللبناني، فإن القرار الذي أصدره القاضي الإيطالي نيكولا ليتييري، وضمّنه إدانة “الأخبار” بجرم تحقير المحكمة، لم يكن مفاجئاً. والحقيقة، لو قررت المحكمة هذه تبرئتنا، لكانت زرعت الشك لدينا حول غاية عملها. ولكنها، مؤسسة وفية ومطيعة لمن قرر أن تكون، واتخذت القرار المناسب. وهو قرار، يعتقد من يقف خلفه، أنه سيوفر حماية لهذه المؤسسة من المراقبة اللصيقة لما تقوم به، أو أنه سيكون درساً للصحافة في لبنان كي تمتنع عن نقد المحكمة وأعمال فرقها.
لسنا ملزمين بما يصدر من قرارات
وعقوبات، ونحذّر أي جهة لبنانية أو غير
لبنانية من محاولة تنفيذ قرارات المحكمة
أما العقوبة المفترضة، فهي أيضاً ستوافق ما يراه هذا الفريق من خطوات ممكنة تحقق هذه الغاية. لذلك، ليس مفاجئاً إن هم ذهبوا الى أقسى العقوبات كما تقول أوراقهم. ومع ذلك، وجب قول الآتي:
أولاً: كنا ولا نزال، لا نعترف بهذه المحكمة إلا كأمر واقع، مثلها مثل وجود إسرائيل. هي كيان مادي غير مشروع. ولذلك، ليس من المنطقي أن يتصور عاقل، أننا سنلتزم بما يصدر عنها. وبالتالي، فإن رفضنا للمحكمة وما يصدر عنها يظل موقفاً ثابتاً حتى يعود الحق إلى أصحابه.
ثانياً: منذ اليوم الأول لإثارة هذه القضية، وحتى يومنا هذا، لم يحصل أي تغيير من شأنه تعديل النظرة الى هذه المؤسسة أو الى أعمالها، ولا حتى الى الأشخاص المسؤولين عنها. وبالتالي، فإن صدور الحكم أو البحث في آليات تطبيقه، لا توجب إدخال أي تعديل على الموقف الرافض لها والمقاوم لكل قراراتها.
ثالثاً: إن ملف المحكمة ككل، والذي صار فعلياً، لا كلامياً، خارج اهتمام اللبنانيين وغير اللبنانيين، لن يعود ليحتل مكانة له إن صدر حكم أو خلافه. بل ما يوجب الكتابة عن المحكمة الآن هو، فقط، تأكيد الموقف منها.
رابعاً: إن أي قرار عقوبة يصدر عن هذه المحكمة، لن نعتبره سوى حبر على ورق. ولن نلتزم به، ولن نطبقه، ولن ننفذه، مهما كانت الكلفة. وإذا كانت المحكمة تتكل على أدواتها اللبنانية لتنفيذه بالقوة، فإنها، أي المحكمة، بأشخاص العاملين فيها والمسؤولين عنها ومعها الأدوات اللبنانية، ومن يقف معهم من قوى أو أشخاص أو جهات، يتحملون كامل المسؤولية المباشرة وغير المباشرة، عن أي ضرر مباشر أو غير مباشر، مادي أو معنوي يلحق بـ”الأخبار” والعاملين فيها. وسنتصرف مع كل خطوة على أنها فعل عدوان، يجب مقاومته بكل الوسائل الممكنة.
غير ذلك، لا شيء يستدعي المتابعة، سوى إشارة لا بد منها، بأن أي رغبة في استئناف الحكم، من قبل الدفاع المعين من قبل المحكمة، أمر لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد. ولسنا مسؤولين عن أي خطوة يقوم بها مكتب الدفاع في المحكمة، غير المخوّل من قبل “الأخبار” النطق باسمها في أي حال وفي أي مكان!