حوار التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لا هو مجمد ولا مستعجل. يقع في منزلة وسطى تجعله حائراً ومعلقاً على ما ينتظره الرئيس ميشال عون من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع: هل يريده رئيساً ام لا؟
نقولا ناصيف
أنجزت ورقة العمل بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية. لكن ماذا بعد؟
لم يكن سهلاً التوصل اليها بين فريقين مسيحيين تناحرا وتبادلا العداء في العقود الثلاثة المنصرمة، على نحو لا يشبه حالا مماثلة بين فريقين مسيحيين آخرين، او لبنانيين. بذلك يُعدّ التصور المشترك للتنظيمين المارونيين انجازاً مهماً وضرورياً، كونه يتناول كل ما يشكوان منه من طريقة ادارة السلطة والحكم في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، وحجب الدور المسيحي فيها واهمال تمثيله السياسي والشعبي. كلاهما ناءا تحت عبء ثقيل على مستوى القاعدة، ودفعا كلفة باهظة على مستوى قائديهما في المنفى والسجن.
على نحو كهذا، يكاد يكون تصورهما المشترك هو الوثيقة الاولى بينهما مذ تصدّر الرئيس ميشال عون والدكتور سمير جعجع واجهة الحدث المسيحي بين عامي 1989 و1994، ثم منذ عام 2005. يلتقيان الآن على الورق ليس الا، للمرة الاولى ايضاً مذ شاركا في نشوء قوى 14 آذار 2005 ثم تخلى عون عنها.
لكن ماذا بعد ذلك كله؟
بعد اطلاق الحوار السنّي ــــ الشيعي اواخر كانون الاول الماضي، تحركت عجلة حوار التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بحيوية من خلال لقاءات ممثليهما النائب ابراهيم كنعان وملحم رياشي. بعد جولات عدة من الحوار، ضُربت مواعيد شتى لتوقع لقاء عون وجعجع تحت شعار انهما يتصالحان مع الذات، ومع القاعدة المسيحية المنقسمة على نفسها بينهما، واحدهما مع الآخر. الى الآن لم يحصل الاجتماع. وقد لا يحصل في مدى قريب. خاب الاعتقاد بأن ورقة التصور ستستعجله اكثر من ذي قبل.
انجزت الورقة نهائياً تقريباً، وقد تطرأ عليها تعديلات طفيفة توصف بالتقنية فحسب، غير ذات اهمية. يكاد يقول المطلعون عليها انها قادت حوار التنظيمين الى ما قبل خواتيمه.
مع ذلك:
ــــ لن يُكشف عن بنودها.
ــــ لن تُدلى على الملأ في مؤتمر صحافي.
ــــ لن يلتقي عون وجعجع لتوقيعها.
ــــ لن يجتمعا لتكريس المصالحة بينهما.
ــــ ليست ملزمة لأي منهما حتى الآن على الاقل.
لن تكون ورقة التصور اعلاناً جاداً وحقيقياً، ما لم توضع لها قبعتها التي تكسبها شرعيتها وصدقيتها وفعل التزامها بالنسبة الى احد طرفي الحوار على الاقل، وهو التيار الوطني الحر. ما لم ينضم جعجع الى تأييد انتخاب عون رئيسا للجمهورية، لن يعدو التصور، على اهمية ما تضمّنه، حبراً على ورق.
في الرابية يبدو الموقف واضحاً ومحدداً تبعاً لمعطيات منها:
1 ــــ كل الاوراق باتت على الطاولة، ولم يعد ثمة مكان لاهدار الوقت والمناورات. كلا الطرفين يعرف ما يريده الآخر، ما يقتضي حسم الخيارات اخيراً.
2 ــــ كان ثمة اكثر من سبب في الاسبوعين المنصرمين لتوقف الحوار، الا ان الرغبة المتبادلة في استمراره حالت دون تجميده. اول تلك الاسباب بثّ شريط النائبة ستريدا جعجع على محطة تلفزيون التيار الوطني الحر، نظرت اليه نائبة بشري على انها محاولة لزعزعة الثقة الناشئة حديثاً بين الطرفين. ثانيها عبارة رئيس حزب القوات اللبنانية، على حسابه على تويتر، والتي أمل فيها في ختم الحوار في مثل هذه الايام من السنة المقبلة. امتعض عون منها، واكتفى برد ودّي، لكنه ذو مغزى، هو نهاية الصوم.
3 ــــ لا يزال عون يتمسك بوجهة نظره القائلة انه لا يسعه الانتظار الى ما شاء الله، ولا يرى ورقة التصور هدفاً في ذاته ينتهي عند انجازها. ليست سوى تحضير طبيعي للانتقال الى المحطة الاساسية التي يتوخاها الحوار، وهي الاستحقاق الرئاسي. بل يجدها عون جزءاً مكملاً للتفاهم على انتخابه رئيساً، وفصلاً من برنامجه للحكم يتضمن الضمانات التي يمكن ان يطلبها جعجع لدوره في العهد.
لورقة التصور ايضاً تفسير آخر لعون تجعله يتساءل: هل ابرامها مع جعجع تجعلهما حليفين في الانتخابات النيابية المقبلة على غرار حركة امل وحزب الله، حليفين وشريكين في الاستحقاقات الدستورية؟ لا اشارات واضحة ارسلتها اليه القوات اللبنانية عن موقعها من تيار المستقبل، حليفها الانتخابي، في مرحلة ما بعد ورقة التصور، خصوصا أن الورقة تلك تحمل رؤية مشتركة لعون وجعجع على ما يتطلبانه من القانون الجديد للانتخاب وصدقية التمثيل المسيحي في المؤسسات الدستورية.
4 ــــ ثمة سؤال ايضاً يتردد في دائرة ضيقة في الرابية هو الآتي: باتت ورقة التصور المشترك جاهزة على طاولة رئيس حزب القوات اللبنانية، فهل اقترب الرجل فعلاً من الاقتناع بانتخاب عون رئيسا؟
في المقابل يتصرف رئيس التيار الوطني الحر، وهو يتمسك بترشحه للرئاسة، على انه الشخصية المارونية القادرة على ادارة التوازن بين الفريقين السنّي والشيعي الممثلين بتيار المستقبل وحزب الله في مرحلة غليان المنطقة، والأقدر على منح الفريق المسيحي دوراً رئيسياً في فك الاشتباك بينهما، ناهيك باستعادة الحقوق، حليف متين لحزب الله، على تواصل ايجابي مع الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، محاور للقوات اللبنانية، قائد سابق للجيش يعي تماما اهمية دور المؤسسة العسكرية في الحرب المفتوحة مع الارهاب. مواصفات ليست لافرقاء آخرين او مرشحين معلنين سواه، ما يجعله الاكثر استقلالاً، بل «باباً الجمهورية».
سوى ذلك كله، لا تملك يداه الحل، ولا يبدو قادراً على احداث اختراق حقيقي في الحلقة المقفلة للاستحقاق الرئاسي. ليس سوى احد الافرقاء الرئيسيين، بيد انه لا يستطيع صنع حل او رئيس من دون الآخرين.