مع اقتراب موعد فضّ عروض مناقصات إدارة النفايات في بيروت وجبل لبنان، تفتح «الأخبار» ملف المتعهدين الطامحين إلى المنافسة. أول الغيث «شركة الجهاد للتجارة والتعهدات» التي أكدت ائتلافها مع مجموعة SUEZ الفرنسية، لتصبح المنافسة الأكثر جدية لمجموعة افيردا (سوكلين وسوكومي)
بسام القنطار
تستعد «شركة الجهاد للتجارة والتعهدات»، التي يرأسها المقاول جهاد العرب، للدخول إلى قطاع النفايات من بابه العريض. فبعد التزفيت والردم، اتخذت الشركة قراراً استراتيجياً بالدخول في المناقصات، التي أعلنها مجلس الإنماء والإعمار في 5 شباط الجاري، لتلزيم خدمات النفايات المنزلية الصلبة (كنس وجمع ونقل ومعالجة وطمر واسترداد الطاقة)، في بيروت وجبل لبنان، على أن يجري فضّ العروض يوم الثلاثاء 14 نيسان 2015 عند الساعة 12 ظهراً.
تصنف «شركة الجهاد للتجارة والتعهدات» من بين الشركات المؤهلة لدى مجلس الإنماء والإعمار لتنفيذ المشاريع التي تتجاوز قيمتها ١٠ ملايين دولار أميركي، لكن الشركة لا تمتلك أي خبرة في قطاع إدارة النفايات الصلبة، باستثناء التلزيم من الباطن من مجموعة SUEZ الفرنسية، التي فازت بعقد إعادة تأهيل مكبّ صيدا العشوائي لمصلحة وزارة البيئة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واقتصر دور «شركة الجهاد» في هذا المشروع على نقل الردميات من المكبّ لردمها داخل الحوض البحري، الذي أقامه مجلس الإنماء والإعمار بالقرب من المكبّ، ووجّهت إلى الشركة انتقادات واسعة من قبل الجمعيات البيئية وفعاليات صيداوية بسبب عدم التزامها بنود العقد وطمر كميات هائلة من المكبّ داخل الحوض البحري دون أي عملية معالجة.
صيت الشركة في التخلص من نفايات المكبات، لم يقتصر على مكب صيدا، ففي عام ٢٠٠٧ تولت الشركة تنفيذ جزء من أعمال المرحلة الثانية من المخطط التوجيهي لسوليدير التي تتضمن تنفيذ أعمال معالجة جميع النفايات الباقية في مكب النورماندي. حينها عمدت الشركة إلى تهريب النفايات، بكل ما تحويه، عبر قوافل الشاحنات إلى مناطق لبنانية عدة، ولا سيما في منطقة إقليم الخروب في قضاء الشوف. وتبين بحسب فحوصات مخبرية أجرتها وزارة البيئة في حينها أن نسبة الأتربة في الردميات التي ألقتها الشركة في عدة عقارات في المنطقة لا تتجاوز 44,6 بالمئة، وتبين وجود معادن مشعة بنسبة عالية، وبكتيريا وميكروبات بنسبة مرتفعة في النفايات العضوية.
أكدت الشركة ائتلافها مع SUEZ الفرنسية للدخول في المناقصات
«الأخبار» اتصلت بإدارة الشركة لاستيضاح قرارها، والمناطق الخدماتية التي تنوي العمل بها، والشراكات الدولية التي تعمل لإبرامها، فاحالتنا على محامي الشركة طارق الجبوري الذي أكد أن الشركة تنوي فعلياً الدخول في المناقصات بالشراكة مع مجموعة SUEZ الفرنسية. وأكد الجبوري أن الشركة اشترت دفاتر المناقصات للمنطقة «أ» التي تضم بيروت الإدارية والضواحي، والمنطقة «ج» التي تضم أقضية الشوف، بعبدا، وعاليه (باستثناء الضواحي).
يؤكد مصدر مطلع أن الشركة ستستعين أيضاً بخدمات شركة تركية مختصة بكنس النفايات وجمعها ونقلها، لكن الجبوري نفى هذه المعلومة نفياً قاطعاً.
ينص دفتر الشروط على أن الشركات الأجنبية المؤتلفة مع شركات لبنانية يجب أن تستوفي شروط الخبرة، وأبرزها أن تمتلك حجم أشغال سنوي يفوق ٨٠ مليون دولار أميركي بالنسبة إلى المنطقة الخدماتية (أ) و ٥٠ مليون دولار أميركي بالنسبة إلى المنطقة الخدماتية (ج) خلال السنوات الخمس الأخيرة. كذلك ينص دفتر الشروط على أن الائتلاف يجب أن يكون قد نفذ مشروعاً أو مشروعين (كنس وجمع ونقل ومعالجة نفايات منزلية صلبة)، على ألّا تقل كمية النفايات في المشروعين عن الكمية المحددة للمشروع المطروح، وأن تكون المعالجة المطروحة بالتقنية نفسها المطروحة من قبل العارضين في المناقصة.
اتصلت «الأخبار» بمجموعة SUEZ الفرنسية، عبر مسؤول الإعلام في المجموعة Laurent Obadia، للتأكد من صحة المعلومات عن ائتلافها مع شركة الجهاد للمقاولات، لكنها لم تلق أجوبة حتى الآن. لكن معطيات عديدة تبرهن أن «عملاق النفايات» الفرنسي يطمح بقوة إلى دخول السوق اللبنانية، إذ إن المجموعة أعلنت قبل أسبوع دمج وإعادة هيكلة ٤٠ شركة ومؤسسة تابعة لها، بينها Lyonnaise des Eaux ضمن مجموعة واحدة. وبحسب مقابلة لرئيس المجموعة مع مجلة فاينانشال تايمز قبل أسبوع، سيعزز هذا الدمج حضور الشركة حول العالم. وتقول مجموعة SUEZ الفرنسية إنها تطمح إلى زيادة أرباحها السنوية التي بلغت ٢.٦ مليار يورو في عام ٢٠١٣، إلى ٣ مليارات يورو بحلول عام ٢٠١٧. وبديهي القول إن الشركة التي تعمل في عشرات الدول حول العالم تمتلك الشروط والمواصفات التي تؤهلها للدخول في المناقصة اللبنانية، علماً بأن الشركة تنفذ مروحة واسعة من تقنيات المعالجة حول العالم، بما فيها الطمر والحرق.
في مقابل «الكفاءة» الدولية التي يتحصن بها جهاد العرب، يمتلك رجل الأعمال مجموعة من «الميزات» اللبنانية التي تسمح له بأن يكون لاعباً أساسياً في معادلة المحاصصة السياسية، فهو أبلغ من راجعه أنه يحوز ثقة الرئيس سعد الحريري ومباركته للدخول في المناقصة، وهو ما يعني عملياً أنه بات مزاحماً جدياً لمجموعة افيردا (سوكلين وسوكومي) التي يملكها ميسرة سكر، والأخيرة، التي تنتظر اكتمال المشهد قبل اتخاذ قرارها، لم تبادر بعد إلى شراء دفتر شروط المناقصات.
لكن الاستحقاق الأبرز أمام «شركة الجهاد للتجارة والتعهدات» قدرتها على الامتثال لقرار مجلس الوزراء المنصوص عليه في دفتر الشروط، إذ على المتعهد أن يختار موقع للمعالجة والطمر على نفقته الخاصة من ضمن لائحة المواقع المرشحة والواردة في ملحق قرار مجلس الوزراء. وحول هذه المسألة الحساسة، التي تعتبر شرطاً أساسياً للدخول في المناقصة، يتبين أن العرب قد اشترى منذ سنوات عقارات شاسعة في منطقة الجية كانت تستخدم حتى عام ٢٠٠٤ مقلعاً للصخور ويملكها الأخوان أحمد ومحمد رجب الكجك. وقد أنشأت الشركة على هذه العقارات منشآت صناعية، بينها مجابل للزفت والباطون وكسارة. وتمتد هذه العقارات على مساحة شاسعة تبدأ من الطريق القديمة قبالة بلدية الجية وتمتد إلى منطقة البرجين وظهر المغارة وبعاصير. وحول ما إذا كانت الشركة تنوي إنشاء مراكز للمعالجة ومواقع للطمر على هذه العقارات، يقول الجبوري إن هذا الأمر غير وارد على الإطلاق. ويضيف: «هذه العقارات باهظة الثمن، وفيها أرزاق الشركة وأعمالها، وهي ليست على استعداد لاستخدامها لطمر النفايات». ويلفت الجبوري إلى أن قرار مجلس الوزراء يترك الخيار للعارض بأن يقترح مواقع المعالجة والطمر أو إنشاء محارق للتفكيك الحراري، لكن الشركة ـ رغم نيتها الدخول في المناقصة ـ لن ترشح أي موقع، بل ستطلب من الإدارة تحديد هذه المواقع، خصوصاً أن القرار ينص على العودة إلى مجلس الإنماء والإعمار ووزارة البيئة إذا فشل المتعهد في اختيار المواقع!
رئيس هيئة طوارئ البيئة والتنمية في إقليم الخروب حسيب الخطيب، أكد في اتصال مع «الأخبار» موقف الجمعيات الأهلية والبيئية في منطقة إقليم الخروب الرافضة لإقامة أي منشأة للنفايات، مجدداً تعهد الأهالي بالوقوف بوجه أي مشروع من هذا النوع مهما كلف الأمر. ولفت الخطيب إلى أنه راجع رئيس اتحاد بلديات إقليم الخروب الشمالي محمد بهيج منصور، قبل أسبوع، في ما إذا كان قد عرض على الاتحاد أي مشروع من هذا النوع، فجدد الأخير موقف الاتحاد الرافض قطعياً لإنشاء أي معمل لمعالجة النفايات أو حرقها أو طمرها في إقليم الخروب.