Site icon IMLebanon

عدوان سعودي بغطاء عربي ورعاية أميركية

ما كادت «أنصار الله» تدخل عدن التي فرّ منها الرئيس عبد ربه منصور هادي، حتى انقلبت المعادلات كلها: عدوان سعودي، لا يزال جوياً حتى اللحظة، بغطاء عربي ــ إسلامي ورعاية أميركية، ترافق مع تلويح بدخول برّي عبّر عنه قرار وزراء الخارجية العرب بتشكيل قوات مشتركة سبق أن اقترحتها مصر

إنها الحرب على اليمن بالأصالة هذه المرة. بعد أشهرٍ من تحريكها للقوى والجماعات اليمنية كبيادق على الرقعة السياسية لمواجهة «أنصار الله» (الحوثيون)، انتقلت السعودية إلى مرحلةٍ جديدة هي الأكثر مباشرةً ووضوحاً في حربها على الجماعة. أطلقت الرياض عملية «عاصفة الحزم» العسكرية، بمشاركة دول الخليج ما عدا عُمان، مع مصر والأردن والمغرب والسودان وباكستان، بهدف «إنهاء التنظيم الحوثي، استجابةً لمطلب الحكومة الشرعية»، بحسب الإعلانات الرسمية للرياض. العملية التي اقتصرت في يومها الأول على الغارات الجوية، لم تستبعد فرضية التدخل البرّي عبر قواتٍ مصرية أو باكستانية، مركّزة قصفها يوم أمس على مواقع ومعسكرات الجيش الوطني، ومستهدفةً إضعاف القوة الجوية للحوثيين وقدرتهم على إطلاق الصواريخ من القواعد العسكرية التي يسيطرون عليها في صنعاء وفي محافظاتٍ أخرى.

كان يمكن للرياض أن تقوم بخطوات عملية «لردع» الحوثيين وتحجيم قوتهم منذ سيطرتهم على صنعاء، في أيلول الماضي، وتمددهم في أجزاء واسعة من البلاد. غير أن الحملة لم تنطلق إلا عقب توجه «أنصار الله» نحو الجنوب ووصولها إلى مشارف عدن لتطهيرها من الجماعات التكفيرية، بعد تبنّي تنظيم «القاعدة» هجمات انتحارية على مساجد في صنعاء قبل أسبوع، راح ضحيتها نحو 140 شهيداً. توقيت العدوان يمكن قراءته على أنه يأتي إثر تعدٍّ على «خطوط حمراء» معينة في حسابات السعودية، إذ لطالما كان الجنوب اليمني ورقة مهمة في حسابات الرياض التي لم يعد دعمها لانفصال الجنوب عن الدولة اليمنية، بعد صعود الحوثيين، خافياً على أحد. كذلك، استخدمت الرياض خلال الأشهر الماضية ورقة المجموعات المسلحة والتكفيرية في الجنوب لزيادة الضغط على الحوثيين في المناطق الشمالية، عبر إغداقها المال والسلاح على تلك الجماعات، إضافة إلى فتح معسكراتٍ لها جنوبي البلاد وشرقيها.

«أنصار الله»: هلاك السعودية سيكون على أيدي اليمنيين المستضعفين

وفي وقتٍ لا يزال فيه من المبكر الحديث عن اتجاهات واضحة للحرب التي تخوضها السعودية خلف حدودها، يمكن تحديد مسارات متعددة الأبعاد للحملة العسكرية التي يبدو أن المملكة كانت تجهز لها منذ أشهر، منتظرةً «الساعة الصفر» التي مثّلها توجه الحوثيين إلى الجنوب، إذ إن تقدّمهم السريع باتجاه محافظات الجنوب، حيث تجاوزوا في الأيام الماضية مدينة تعز ثم لحج التي تُعدّ معقلاً لمعسكرات «القاعدة»، دقّ جرس الإنذار في الرياض. المملكة التي تعاني تخوفاً مزمناً من السيادة اليمنية، عاشت في الأيام الماضية هاجس أن يصبح اليمن من شماليه إلى جنوبيه، خارج سيطرتها. فكانت الحملة العسكرية المؤلفة من 10 دولٍ عربية وإسلامية، والتي يبدو أنها لن تتجاوز الرغبة في إعادة تحديد «قواعد الاشتباك»، خصوصاً إذا ما نفّذ الحوثيون تهديداتهم بالردّ على العملية بقصف مواقع في السعودية.

ويأتي العدوان على اليمن، الذي سبق الإعلان عن تشكيل قوات عربية مشتركة، بعد أشهرٍ من محاولات حثيثة من قبل السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي عموماً لاسترداد السلطة من الحوثيين منذ السيطرة على مناطق واسعة من اليمن بمساعدة ألوية من الجيش اليمني، قبل أن يتسلّموا السلطة في صنعاء في شباط الماضي. حاولت السعودية توريط الحوثيين عبر دفع الرئيس عبد ربه منصور هادي الى الاستقالة، قبل أن تخوض معركة تقسيم اليمن بواسطة دعمها إعلان هادي عدن «عاصمة مؤقتة»، محاولةً رعاية «مبادرة خليجية» أخرى، عبر سعيها إلى احتضان مؤتمر حوار يمني في الرياض.

وبعد انطلاقها بصورةٍ خاطفة منتصف ليل الأربعاء ـ الخميس، نفذت طائرات الحملة غارات على مطار صنعاء الدولي، قاعدة الديلمي والشرطة العسكرية والقصر الرئاسي في صنعاء، والفرقة المدرعة الأولى والقوات الخاصة وقيادة قوات الاحتياط في صنعاء، قاعدة العند الجوية (التي سيطر عليها الحوثيون قبل يومين) في لحج، إضافة إلى مواقع عسكرية في صعدة، ومعسكرات الصباحة والسواد وريمة حميد، وبعض مناطق سكنية في صنعاء مثل السنينة والصباحة والأحياء المجاورة للمطار الدولي. وفيما أدى القصف إلى مقتل 23 مدنياً، وجرح نحو 47 في محصلة غير نهائية، معظمهم من النساء والأطفال، أعلنت الرياض أن العملية أدت إلى «تدمير الدفاعات الجوية للمتمردين الحوثيين في قاعدة الدليمي العسكرية وتدمير بطاريات صواريخ سام وأربع طائرات مقاتلة»، في بيانٍ رسمي.

وكان «وزير الخارجية اليمني بالوكالة»، رياض ياسين، قد أعلن يوم أمس، أن عملية «عاصفة الحزم» هي عملية «اضطرارية محدودة من أجل تثبيت الشرعية في اليمن». وقال، على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب، يوم أمس، إن العملية التي قادتها السعودية وشارك فيها عدد من الدول العربية «هي اضطرار لا يفرح أحداً». وأضاف ياسين الذي كان أول من دعا علناً إلى استقدام قواتٍ خليجية إلى اليمن، أن الباب مفتوح الآن للحوار في اليمن والعودة إلى الحوار الوطني والتفاهمات، مؤكداً أن «كل القوى السياسية في اليمن ستدرك الآن أنه يجب العودة إلى طاولة الحوار الذي ندعو إليه»، في إشارةٍ إلى مؤتمر الحوار الذي دعا هادي إلى عقده في الرياض مرات عدة.

وعلى المستوى الداخلي، نُظّمت في صنعاء يوم أمس تظاهرة حاشدة للتنديد بالعدوان السعودي على اليمن. وتوّعد عضو اللجنة الثورية العليا، خالد المداني، بـ«ردٍّ قاسٍ على العدوان السعودي»، داعياً اليمنيين إلى عدم السماح للعدوان بالتأثير في معنوياتهم. وأكد المداني خلال التظاهرة أن اليمن مقبرة الغزاة، مخاطباً اليمنيين بالقول: أسمعوهم أننا سننتصر عليهم وستكون اليمن مقبرتهم. وأضاف أن أكبر خطأ ارتكبته السعودية ومرتزقتها هو العدوان على اليمن، وأن «هلاك السعودية سيكون على أيدي اليمنيين المستضعفين».

ولم تُدلِ القوى والأحزاب اليمنية بمواقف رسمية من العدوان، باستثناء حزب المؤتمر الشعبي الذي دعا «الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي» إلى وقف العمليات العسكرية، وإلى عودتهم للممارسة دورهم المباشر مع الأطراف المختلفة للوصول الى حلول سلمية وفقاً لمبادرتهم، في وقتٍ طالب فيه «المؤتمر» كذلك «أنصار الله» بوقف الاعمال العسكرية وتجنيب عدن واليمن عموماً مغبة الانجرار نحو مزيد من التصعيد.

وكان الحوثيون قد وصلوا أول من أمس إلى مشارف عدن التي يتحصّن فيها الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، وتمكنوا في طريقهم من أسر وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة، محمود الصبيحي، الموالي لهادي، في مدينة الحوطة في محافظة لحج التي تُعدّ معقلاً لمعسكرات «القاعدة». ولم يتم تحديد مكان هادي، إلا مساء أمس، حين وصل إلى الرياض حيث التقى بالملك سلمان.