تفاهم تاريخي نجحت إيران أمس في انتزاعه من الغرب بعد أكثر من 11 عاماً من المفاوضات، الجولة الأخيرة فيها استمرت 18 شهراً. اعتراف غربي بالجمهورية الإسلامية دولة نووية، تمتلك دورة وقود نووي كاملة، مع حقها الكامل بتطوير البرنامج في شقه السلمي، مع رفع كامل للعقوبات بشكل متزامن، في مقابل رقابة دولية. والأهم من كل ذلك أنه تفاهم اقتصر على النووي، من دون أي ربط بالسياسة الخارجية لإيران ولا ببرنامجها التسلحي ولا حتى بالشؤون الداخلية.
جاء ذلك في ورقة من أربع صفحات، أطلق عليها تسمية «معايير خطة العمل المشتركة الشاملة الخاصة بالبرنامج النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية»، لم يجد الرئيس باراك أوباما في الدفاع عنها في وجه منتقديه في الداخل والخارج إلا حجتين: الأولى، أنها تمنع إيران من أن تنتج سلاحاً نووياً، فيما الثانية أن لا بديل منها متوفراً أمامه. ورقة يفترض أن تتواصل المفاوضات في إطارها بهدف التوصل الى اتفاق نهائي بين الجانبين قبل 30 حزيران المقبل.
إعلان تولاه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ومنسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني، يتوّج جولة مفاوضات دبلوماسية ماراثونية تباحث فيها المفاوضون، ليلاً ونهاراً، و«سطراً سطراً»، بحسب مصادر قريبة من المفاوضات.
الرئيس الإيراني حسن روحاني سارع إلى الدعوة عبر «تويتر» إلى البدء فوراً في كتابة مسودة الاتفاق النهائي، معتبراً أن «حلولاً حول المعايير الرئيسية للملف النووي لإيران تمّ التوصل إليها»، في حين عقد أوباما مؤتمراً صحافياً في البيت الأبيض، رحّب فيه بـ«التفاهم التاريخي»، محاولاً في الوقت ذاته طمأنه حلفائه الخليجيين وإسرائيل إلى أن ما تم التوصل إليه يقي من الخيارات الأخرى المتاحة، ومن ضمنها الخيار «الأسوأ» وهو الضربة العسكرية، التي «كانت ستؤدي إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط». وقال أوباما، الذي كان يتحدث في حديقة البيت الأبيض، إنه سيتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ــ أشد المنتقدين لاتفاق إيران ــ وزعماء في الكونغرس الأميركي، مشيراً إلى أنه تحدّث، بالفعل، مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
وفي هذا المجال، وجّه أوباما حديثه إلى منتقدي المحادثات مع إيران، مقرّاً بأن اتفاق الإطار وحده لن يمحو انعدام الثقة بين واشنطن وطهران. وقال «اليوم… توصلت الولايات المتحدة مع حلفائنا وشركائنا إلى تفاهم تاريخي مع إيران، إذا نفذ بالكامل فسيمنعها من الحصول على سلاح نووي»، مضيفاً إنه «إذا أدى هذا الاتفاق الإطاري إلى اتفاق شامل نهائي فسيجعل بلدنا وحلفاءنا والعالم أكثر أماناً».
الرئيس الأميركي، الذي يسعى الى إقناع الرأي العام الأميركي والمشرعين الأميركيين بالاتفاق، أكد أنه سيغلق كل طريق يمكن أن تسلكه إيران لتطوير سلاح نووي، لافتاً إلى أن «طهران ستواجه قيوداً صارمة على برنامجها» وأنها «وافقت على أكثر نظم التفتيش والشفافية قوة وعمقاً التي يتم التفاوض عليها لأي برنامج نووي على مدى التاريخ. ولذلك، فإن هذا الاتفاق لا يستند إلى الثقة. إنه يستند إلى إجراءات تحقق لم يسبق لها مثيل». وقال «إذا أقدمت إيران على الغش فسيعرف العالم. وإذا رأينا شيئاً مريباً فإننا سنفتشه. سيتم التعامل مع جهود إيران السابقة لتحويل برنامجها إلى إنتاج أسلحة».
«تمّ اتخاذ خطوة حاسمة في المفاوضات الجارية بين إيران والمجموعة الدولية (5 +1)، حول البرنامج النووي لطهران»، قالت موغريني متحدثة عن البيان المشترك، فيما حرص وزير الخارجية الإيراني (الذي تلا البيان بالفارسية) على التأكيد أن كل قرارات مجلس الأمن بشأن إيران ستنتهي وفقاً للاتفاق النهائي، مشدداً في الوقت ذاته على أن التوصل إلى اتفاق نووي مع القوى العالمية الست لا يعني تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. على هذا الصعيد، قال ظريف «انعدمت الثقة بيننا في الماضي. لذا آمل بإمكان استعادة بعض الثقة من خلال التنفيذ الشجاع هذا. لكننا سنوف ننتظر ونرى».
بدورها، أكدت موغريني أنه وفق الاتفاق، «سيتم تقييد جميع الأنشطة الإيرانية، وبما يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني»، موضحة في الوقت ذاته أنه «سيتم خفض قدرات إيران في عمليات تخصيب اليورانيوم، إضافه إلى مراقبة أجهزة الطرد المركزي، ولن يكون هناك أي معامل أخرى لتخصيب اليورانيوم، باستثناء معمل (ناتانز)».
ووفقاً لموغريني، فإن الوكالة الدولية للطاقه الذرية، باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، ستعمد الى مراقبة كل ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، كما أن مفاعل «فوردو» سيتحول إلى مركز نووي، «حيث سيتم التعاون مع إيران في ما يتعلق بالأنشطة السلمية في هذا المجال».
من جهته، أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن الاتفاق النووي المبدئي يعدّ أساساً قوياً لاتفاق في المستقبل، قد ينهي المواجهة النووية بين طهران والغرب المستمرّة منذ 12 عاماً. ولكن كيري أشار إلى أنه «لا يزال أمامنا الكثير من التفاصيل الفنية، وغيرها من المسائل التي تحتاج إلى عمل»، بما في ذلك احتمال رفع حظر أسلحة فرضته الأمم المتحدة وتحديث مفاعل آراك، الذي يعمل بالماء الثقيل وموقع فوردو تحت الأرض. وأضاف إن «الولايات المتحدة لا تزال قلقة جداً من أنشطة إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة».
موسكو أشادت، بدورها، بالاتفاق، معتبرة أنه يشكل اعترافاً بالحق «غير المشروط» لإيران في تطوير برنامج نووي مدني. وفي بيان، صرحت وزارة الخارجية الروسية بأن «هذا الاتفاق يستند إلى المبدأ الذي عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الحق غير المشروط لإيران في برنامج نووي مدني».
على الجانب الفرنسي، رحّب كل من الرئيس فرانسوا هولاند ووزير الخارجية لوران فابيوس بالإطار الذي تمّ التفاهم عليه. وفي إشارة إلى مهلة الثلاثين من حزيران للتوصل إلى اتفاق نهائي، أعلنت الرئاسة الفرنسية أنها «ستسهر» على أن يكون تطبيق الاتفاق «موثوقاً به ويمكن التحقق منه»، محذرة من أن العقوبات «ستفرض مجدداً إذا لم يطبق الاتفاق».
وأضافت الرئاسة الفرنسية، في بيان، إن «فرنسا ستحرص كما تفعل دائماً بالتنسيق مع شركائها، على أن يتمّ تنفيذ (التفاصيل) بهدف التوصل الى اتفاق موثوق به ويمكن التحقق منه»، محذّرة من أن «العقوبات التي رفعت يمكن أن تفرض مجدداً إذا لم يطبق الاتفاق».
من جهته، رحّب وزير الخارجية لوران فابيوس بالاتفاق، لكنه أشار إلى أنه لا يزال هناك المزيد من العمل، قبل أن يكون هناك اتفاق مقبول. وقال فابيوس للقناة الثانية الفرنسية من لوزان إن «هذا اتفاقاً مرحلياً يتضمن بعض التطورات الإيجابية، بشكل لا جدال فيه، لكن لا يزال هناك المزيد من العمل».
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اعتبرت أنه بعد الاتفاق الإطار الذي تم التوصل إليه في لوزان، أصبح المجتمع الدولي أقرب من أي وقت مضى إلى «اتفاق يمنع إيران من حيازة سلاح نووي».
وأكدت في بيان أنه «مع (هذا التفاهم) أصبحنا اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق يمنع إيران من حيازة سلاح نووي».
كذلك، هنّأ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الطرفين على التوصل إلى اتفاق إطار، يمهّد الطريق أمام تسوية شاملة في المستقبل. وقال بان في بيان إن التوصل إلى اتفاق شامل بين إيران والقوى العالمية، بحلول 30 حزيران، قد «يمكّن جميع الدول من التعاون بشكل عاجل للتصدي لكثير من التحديات الأمنية الخطيرة التي تواجهها».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)
الجمهوريون: الاتفاق «مقلق»
سريعاً، ظهرت مواقف الجمهوريين في الكونغرس الأميركي الرافضة للاتفاق ــ الإطار المعلن عنه في لوزان، معربين عن قلقهم إزاء الاتفاق، ومؤكدين تمسكهم بحقهم في أن تكون لهم كلمة في أي اتفاق نهائي يتم التوصل إليه بهذا الشأن.
وقال رئيس مجلس النواب الأميركي، الجمهوري جون باينر(الصورة)، في بيان، إن «معايير اتفاق نهائي تمثل فارقاً مقلقاً بالمقارنة مع الأهداف الأساسية التي حددها البيت الأبيض»، معرباً خصوصاً عن قلقه إزاء إمكان رفع العقوبة عن طهران في المدى القصير.
وأضاف إنه «يجب أن يكون للكونغرس الحق في أن ينظر بالكامل في تفاصيل أي اتفاق قبل أن ترفع العقوبات». بدوره، أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور بوب كوركر، أن من الضروري أن يراجع الكونغرس تفاصيل أي اتفاق نووي نهائي مع إيران، وأن التأييد يتزايد لتشريع يتبناه للسماح بذلك.
وقال كوركر، وهو جمهوري، في بيان، «إذا تم التوصل إلى اتفاق نهائي… فيجب أن تتاح الفرصة للشعب الأميركي من خلال ممثليه المنتخبين لإبداء الرأي للتأكد من قدرة الاتفاق حقاً على القضاء على خطر البرنامج النووي الإيراني ومحاسبة النظام». وأضاف إنه يتوقع «تصويتاً قوياً» من جانب لجنة العلاقات الخارجية عندما تدرس مشروع قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني الذي سيقدمه في 14 نيسان.