لاهاي ــ الأخبار
فور دخولها المكان المخصص للعامة في قاعة المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي، اصطدمت الصحافية الفرنسية فلورانس هارتمن برجال الأمن الذين حاولوا منعها من إدخال قنينة مياهٍ كانت في حوزتها إلى الغرفة الزجاجية حيث يوجد صحافيون ومهتمون بمتابعة قضية قناة الجديد في لاهاي.
الصحافية الفرنسية سجّلت اعتراضاً شديداً على منعها من إدخال عبوة المياه، وأسمعت رجال الأمن كلاماً قاسياً عن إمعان المحكمة في قمع أبسط الحقوق البديهية.
المفارقة أن هذه الصحافية الفرنسية التي تكبّدت عناء السفر من فرنسا إلى لاهاي لمساندة قناة «الجديد» في معركتها ضد المحكمة الدولية، صدرت بحقها منذ سنوات مذكرة توقيفٍ عن المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، بعدما نشرت كتاباً يكشف انتهاكاتٍ وأخطاءً في المحكمة الدولية، فضلاً عن تغريمها سبعة آلاف يورو لم تدفعها، ولم تدخل إلى السجن، ولا تزال تتنقّل بحرية من دون أن يجرؤ أحدٌ من الأجهزة الأمنية الأوروبية على اعتقالها، على الرغم من سريان مفعول مذكرة التوقيف حتى اليوم. وحتى في «محكمة الحريري»، لم يقدم أحد على اعتقالها أو مساءلتها.
هارتمان أكّدت لـ»الأخبار» أنها حينما اطّلعت على قضية «الجديد»، وجدت أن مفهوم العدالة بالنسبة إلى المحكمة الخاصة بلبنان «يشبه المفاهيم التي كانت سائدة في الأنظمة السوفياتية». تتحوّل المحكمة، أو هذا ما تحاول فعله، إلى سلطةٍ تشبه الحكومات في البلاد الديكتاتورية: «ممنوعٌ عليك انتقاد الحكومة، كما أنه ممنوع عليك انتقاد المحكمة. هذا جنون. لسنا في نظام قمعي!».
هارتمان جاءت لتتضامن مع «الجديد» في معركتها مع المحكمة الدولية، ومثلها فعلت شخصيات إعلامية وحقوقية حضرت من لبنان في وفدٍ كبيرٍ ضمّ كلاً من الإعلاميين: جورج قراحي، نجاة شرف الدين، سكارليت حداد، إضافةً إلى المخرج شربل خليل والمحامي بول مرقص والحقوقي والأستاذ الجامعي عادل خليفة، ورئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ وعضو المجلس إبراهيم عوض. حضروا معاً وتقدموا بمذكرةٍ مشتركة سلّموها إلى رئيس قلم المحكمة، يعترضون فيها على ملاحقة المحكمة لإعلاميين يقومون بواجبهم الإعلامي، مؤكدين أن المعايير المتبعة من قبل قناة «الجديد» لا تمسّ بسير العدالة ولا تعرّض الشهود للخطر، كما تدّعي المحكمة. وأهم ما جاء في هذه المذكرة البند المتعلّق بعدم اختصاص هذه المحكمة بمقاضاة كرمى خيّاط وقناة «الجديد». «فإذا كان لا بد من محاكمة الصحافية خياط وقناة «الجديد»، يجب أن تكون أمام محكمة المطبوعات وليس أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان».
المحامي مرقص أكّد في حديثٍ إلى «الأخبار» أن اختصاص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لا ينبغي أن يتحوّل من النظر في جريمةٍ إرهابيةٍ إلى محكمةٍ تقاضي وسائل الإعلام، الأداة الناقلة لرسالتها، وهي بذلك تناقض موضوعياً جوهر اختصاصها.
داخل قاعة المحكمة تناولت كرمى خياط في كلمتها نقاطاً كثيرة تتعلّق بانتهاك المحكمة للسيادة اللبنانية، وشبّهتها بالاحتلال العثماني والفرنسي للبنان، وبالوصاية السورية. وتضمنت كلمتها مضبطة اتهامية حول مخالفات محققين وقضاة. وتوجّهت إلى المدعي العام متحدّثة عن انتقائية المحكمة في المحاسبة: «يحق للمحكمة ألا تحاسب محققاً دولياً كديتليف ميليس حين يقدم تقريراً يدين أشخاصاً بناءً على شهادات شهود الزور. هل حاسبت المحكمة ميليس الذي سجن أربعة ضباط لأربع سنوات بناءً على شهادات الزور؟ يحق للمحكمة أن تسرب أسماء المتهمين الأربعة إلى الإعلام الغربي وصورهم، ولكن ما يحق للغرب لا ينطبق علينا»، تابعت خياط، «ويسمح للمدعي العام الحالي أن يعرّض حياة لبنانيين أبرياء للخطر عبر أرقام هواتفهم علناً، ويتهمهم بقتل الحريري». وختمت مطالبة المدّعي بالاعتذار: «لا عيب أن يدرك المدعي أن في بلادنا صحافيين أحراراً، ولا عيب بالاعتذار من العدل والاعلام» (النص الحرفي للكلمة على الموقع الالكتروني).
وشهدت الجلسة الاولى بعد كلمة خياط استجواباً لشاهد الادعاء الاول، جون الين كومو، وحينما تولى محامي الدفاع عن الجديد استجواب الشاهد، بدا الارتباك واضحاً عليه، وعلى المدعي العام، حينما طالب خان بإلغاء شهادة كومو، بعد التشكيك في سلوكه وفي سلوك الادّعاء ووجود اتصالات غير قانونية بينهما.
هي معركة حقوقية وإعلامية تخوضها «الجديد» في لاهاي، بدأت للتو، وستشهد الأيام المقبلة، كما تؤكد مصادر فريق الدفاع، مواجهة حامية مع فريق الادعاء، يستعد لها جيداً المحامي خان وفريقه. مع انتهاء الجلسات، شوهد المخرج شربل خليل وهو يلتقط الصور للمحكمة من الخارج. ولم يكن واضحاً تماماً، أكان يصوّر المحكمة، أم… «دمى قراطية»!