السؤال الأبرز الذي يطرح اليوم، في سياق الحرب المفتوحة ضد العماد ميشال عون، هو حول موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري. ذلك أن تصعيد تيار المستقبل، ومعه النائب وليد جنبلاط وقوى 14 آذار، ومن خلف الجميع سفارات أميركا وفرنسا والسعودية، أمر مفهوم، إذ إن لكل من هؤلاء حساباً قديماً ــ جديداً مع الجنرال. لكن ما الذي يجعل رئيس المجلس يتقدم الواجهة، حتى يبدو كأنه رأس الحربة؟
مصدر الغرابة يعود، أيضاً، الى كون الرئيس بري يعرف أن ما يصيب العماد عون سينعكس سلباً على حزب الله. ويفترض، في حال كان غير مهتم لما يحصل مع عون، أنه أكثر اهتماماً لما يحصل مع الحزب. وبالتالي، هل هناك من شيء خفي؟
بالنسبة الى العماد عون وأنصاره، هم على ثقة تامة بأن موقف بري ليس منسّقاً مع حزب الله، وأن الأخير لا يغطي هذا الموقف. كذلك فإن عون الذي يتفهم أن الحزب ليس في وارد الدخول في مشكلة مع رئيس حركة «أمل»، يدرك أن خياراته في مواجهة الحرب والحصار تحظى بتفهّم أكبر من جانب الحزب، وربما بدعم في بعض الحالات. وهو يتعاطى بإيجابية مع نصائح الحزب له بالتفاعل إيجاباً مع المبادرة التي يقودها اللواء عباس إبراهيم للتوفيق بينه وبين رئيس المجلس.
ما الذي يجعل رئيس
المجلس يتقدم الواجهة حتى يبدو كأنه رأس الحربة
لكن عون يعرف، أيضاً، أن التشجيع الاميركي والسعودي والفرنسي لكل خصومه بعدم التساهل معه، أو أقله عدم الوقوف على بعض مطالبه، ليس كله وليد موقف أصلي من جانب هذه الدول، بل هو في كثير من الحالات وليد تشجيع وتحريض من القوى السياسية المحلية، مثل تخويف الغربيين من أن السير بمطالب عون قد يؤدي الى فراغ أمني يهدد الاستقرار في البلاد ويعرّض الجيش للخطر، أو القول بأن الأخذ بها سيؤدي الى تعزيز مواقع حزب الله ونفوذه داخل الدولة.
لكن يبقى السؤال، بالنسبة إلى عون وإلى قوى سياسة أخرى، عن خلفية موقف الرئيس بري، وسط حديث متجدد، مصدره هذه المرة النائب جنبلاط، عن تعرضه لنقد كبير من بري، وقبله الرئيس سعد الحريري، عندما أبدى موافقة على تلبية مطالب عون في ملف التعيينات الأمنية. وتناقل المقرّبون من جنبلاط العبارات نفسها التي يردّدها قادة المستقبل عن «قرار كبير»، إقليمي ودولي، بكسر العماد عون، وأن القوى المحلية لن تقاتل دفاعاً عنه، وهو الذي لا يريد عقد التسويات الداخلية مع أحد. ويلفت هؤلاء، كما نواب في 14 آذار، الى أن التفاهمات القائمة مع بري، تشمل، ضمناً، عدم إبقاء البلاد رهن ما يريده عون، وأن رئيس المجلس يأخذ بهذه الفكرة، انطلاقاً من احتجاجه على موقف الجنرال الذي يحول دون عقد جلسات تشريعية للمجلس النيابي. ويأخذ بري على عون أنه لا يريد منح المجلس أي شرعية، ولن يقبل بدعوته الى الانعقاد إلا في حال انتخابه رئيساً للجمهورية.
أما الاسئلة المتعلقة بموقف بري، فبعضها يتركز على إمكان أن يكون رئيس المجلس قد حسم قراءته بأن عون لن يكون رئيساً للجمهورية، ولن يكون قادراً على لعب دور مركزي في المرحلة المقبلة، وبالتالي ليس هناك من داع لمراضاته. وثمة من يذهب أبعد من ذلك، ليقول إنه ربما تكون لدى رئيس المجلس قراءة مستجدة للتطورات الاقليمية، من الوضع في سوريا الى مرحلة ما بعد الاتفاق النووي بين إيران والغرب، وصولاً الى المساعي الروسية، ليصل الى خلاصة تفيد بأن تسويات كبرى تجري صياغتها، وأنه لا يريد أن يكون في وضعية المتلقي لنتائجها، بل لاعباً في بناء تفاصيلها، وحاصداً لقسم من نتائجها.