في الذكرى الثانية لاغتيال اللواء وسام الحسن، وجّه الوزير نهاد المشنوق رسائل تصعيدية في وجه حزب الله واستخبارات الجيش. موقف رأت فيه مصادر الثامن من آذار «خرقاً غير مبرّر» للتهدئة النسبية في البلاد، فيما أكّد المشنوق انه تحدّث كوزير للداخلية، لا كسياسي مستقبلي، «بسبب التقصير في تنفيذ الخطة الامنية»
ميسم رزق
عند الحديث عن اللواء وسام الحسن، غالباً ما تُسيطر المشاعر على وزير الداخلية نهاد المشنوق. وهو كان قد هيّأ المستمعين في بداية خطابه أول من أمس إلى أن كلمته هي «أقرب إلى القلب من غشائه»، تاركاً للآخرين «أسلوب تغليب العقل والمنطق».
لكن أحداً لم يتصوّر أن يقف المشنوق على منبر الذكرى الثانية لاغتيال الحسن، ليوجّه إلى خصوم فريقه السياسي، تحديداً حزب الله (من دون أن يسمّيه)، رسائل سياسية وأمنية بخطابٍ عالي اللهجة. فالصورة التي جمعته بمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا لا تزال حاضرة في أذهان الكثيرين، على رأسهم أنصار تيار المستقبل.
ولم يكُن الحزب الذي رأت مصادر متابعة له في كلام المشنوق «خرقاً غير مبرّر، ورسالة سياسية واضحة»، الجهة المعنية الوحيدة في الخطاب. فالمشنوق لم يوفّر استخبارات الجيش، من دون أن يُسمّيها أيضاً، مشيراً إلى أن «رئاسة أحد الأجهزة الأمنية تفتقد الصفاء الوطني في مقاربة الوضع الأمني»! بالنسبة إلى الحسن، لم يملك وزير الداخلية إلا الإعلان عن «أننا قاب قوسين من كشف من نفّذ جريمة الاغتيال». أما الجزء الأكبر من كلمته، فكان لإعلان مواقف كان قد حاذر إطلاقها منذ تولّيه حقيبة «الداخلية».
برأي المشنوق «لم يكُن في الإمكان اعتماد خطاب آخر غير الذي سمعتموه أمس». لكنه يُبعده عن أي غرض سياسي. يضع كل كلامه ضمن «الإطار الأمني»، ويقول لـ «الأخبار»: «ما قلته سبق أن نقلته إلى مختلف القيادات السياسية، وقلته أيضاً أمام كل مسؤولي الأجهزة الأمنية، من دون أن يكون هناك أي تفاعل مع كلامنا. قلته لمدير المخابرات العميد إدمون فاضل، ولوفيق صفا». يقول إن ما دفعه إلى «بق البحصة» هو «تعثّر الخطة الأمنية بأسباب سياسية»، مشيراً الى أن كلامه «نتيجة طبيعية، بعدما تخلّف الحزب واستخبارات الجيش عن تنفيذ الجزء الذي يتعلق بهما في الخطة الأمنية، تحديداً في البقاع الشمالي». يلفت إلى حصول «17 عملية خطف مقابل فدية في البقاع الشمالي منذ بداية العام الجاري. لماذا تجاهل هذه الوقائع؟ مِن مصلحة مَن ترك الخاطفين من دون عقاب والتسبب بتآكل الخطة الامنية؟». ولا ينسى تقديم «حجّة مقنعة» لتأكيد «ابتعاده عن السياسة» بالقول: «ألم ينتبه أحد إلى أنني لم أذكر قتال حزب الله في سوريا، ووصفت عناصر الحزب الذين سقطوا في بريتال بأنهم شهداء لأنهم كانوا يدافعون عن أراض لبنانية؟».
مصادر 8 آذار علّقت بالقول إن «الحزب لمس أخيراً ميلاً لدى تيار المستقبل نحو التصعيد السياسي». وفي رأيها أن كلام وزير الداخلية كان «أول الغيث، وبداية لما سنسمعه في الفترة المقبلة». تربط المصادر التصعيد المستقبلي «بالموقف السعودي على المستوى الإقليمي، وانقلاب المملكة فجأة على المناخات الإيجابية». حصل ذلك في مقابل «اعتماد الحزب خطاب تهدئة، ولمّ الشمل واحتواء التناقضات في الساحة المحلية».
لعلّ المشهد الأبرز في الذكرى، كان في التفاعل الإيجابي من شخصيات مستقبلية، لم تتوقف عن مهاجمة المشنوق في أروقة التيار الداخلية. في مقدّمة هؤلاء الرئيس فؤاد السنيورة. بدا ذلك واضحاً، تحديداً عندما قال المشنوق إن «ثمة من رغب في فهم موقفي من الخطة الأمنية وفقاً لهواه، معتقداً أنني تركت انتمائي السياسي خارج حرم الوزارة من أجل أن أعلن انتساباً سياسياً جديداً أو أنني أتخفف من أثقالي الحزبية السياسية لأغراض خاصة»، كذلك حين أشار إلى أن «الخطة الأمنية تحوّلت الى مسار لمحاسبة بعض المرتكبين في لبنان من لون واحد وصرف النظر عن البعض الآخر، لأن حزباً سياسياً يوفر الحماية».
ردّ الفعل الأوّلي على خطاب المشنوق لا يزال «ضمن المعقول». حزب الله آثر الصمت، باستثناء حديث مبطن للوزير محمد فنيش استغرب فيه الحديث عن «توازن أمني»، متسائلاً عمَا إذا كان هذا الحديث تمهيداً لفتح ممر آمن لإرهابيين اعتدوا على الجيش في طرابلس، وقال: «هل هذه عودة من جديد إلى رهانات خاطئة وارتكاب خطايا؟ بالنسبة إلينا مسؤولية الوزارة والحكومة: الذي يؤدي واجبه ودوره فهذه مسؤوليته ولا ينتظر مقابلاً أو مقايضة».
لكن تأكيد وزير الداخلية أن «ما قاله هو أول الكلام»، يطرح سؤالاً عمّا إذا كان هذا الخطاب سيشكّل نقطة تحوّل في مسيرة الحكومة. رغم الإشارات السلبية، تؤكّد المصادر أن «فريق 8 آذار، وخصوصاً حزب الله، سيحمي الحكومة، لأن الوضع خطير ولا يحتمل المغامرة. كما أننا لا نحتمل أي نقد أو اتهام يوجّه إلى الجيش، إعلامياً أو سياسياً، لأنه موقف يخدم الإرهابيين». وعن تأثير هذا التصعيد على التنسيق الأمني بين الأجهزة، ومع حزب الله في عدد من المناطق، لفتت المصادر إلى أن «الحزب مرن، لكنه ليس متساهلاً. معركته مع التكفيريين ماشية، وأي محاولة لإلهائه بمذهبة الصراع بشكل يخدم التكفيريين لن تنفع، ولن تضيّع البوصلة».
من جهة اخرى، وفي رد على خطاب المشنوق قال النائب وليد جنبلاط: «لن أدخل في سجال مع صديقي نهاد، نعم لا نريد صحوات، ولكن ان الآوان لتكون هناك صحوات فكرية ليخرج لبنان من السجال العقيم». كما كشف زوار عين التينة لموقع «النشرة» أنهم حين سألوا الرئيس نبيه برّي عن رأيه بخطاب المشنوق، رد ممازحاً: «مشنوق الخطاب».