IMLebanon

معركة اسقاط إمارة الشمال

بدماء جنوده وضباطه، يخوض الجيش معركة إسقاط إمارة «داعِش» و«جبهة النصرة» في الشمال. قيادة تيار المستقبل تؤكد وقوفها إلى جانبه. لكن هوى مسؤولي التيار في طرابلس يغلب قرار قيادتهم. في المقابل، يعي الجيش خطورة ما يدور في لبنان الشمالي، مدركاً أن عدم حسم المعركة سيسقط لبنان برمته في الفخ الداعشي

باختصار، يمكن الجزم بأن الجيش انقذ لبنان من فخ كبير كان يجري الإعداد له في الشمال، يحوّل هذه المنطقة اللبنانية إلى إمارة يحكمها تنظيما «داعش» و«جبهة النصرة». وباختصار، أيضاً، يمكن الجزم بأن بيئة طرابلس وعكار وما بينهما ليست مساندة لهذين التنظيمين. ففي منطقة الشمال كلها، لم يخرج شاهراً سلاحه في وجه المؤسسة العسكرية سوى أقل من 300 مسلح على أبعد تقدير.

صحيح ان هذا العدد كاف لإرباك الجيش في منطقة مكتظة بالمدنيين، وصحيح ان جزءاً منهم يعملون كخلايا امنية يحتاج «علاجها» إلى بعض الوقت، إلا ان «الهبّة» او «الانتفاضة» التي دعا إليها قادة المجموعات الإرهابية وداعموهم لم تظهر على أرض الواقع. وبقيت منطقة عكار برمتها خارج دائرة الاشتباك، لتحفظ ظهر الجيش في طرابلس والمنية.

ورغم قلة عدد المسلحين الذين يقاتلون الجيش، بقي قادة تيار المستقبل الشماليين أسرى الخطاب التحريضي. الموقف الرسمي للتيار عبّر عنه الرئيس سعد الحريري في اتصال مع العماد جان قهوجي، إذ أكد له انه دعم الجيش في كل ما يقوم به.

الحريري في اتصال مع قهوجي استخدم عبارات واضحة في تأييد استئصال الإرهابيين من الشمال

مخطط الارهابيين السيطرة السريعة على مساحات واسعة من طرابلس بما فيها الميناء وبحسب مصادر وزارية، فإن الحريري استخدم عبارات واضحة في تأييدها استئصال الإرهابيين من الشمال. وتؤكد مصادر وزارية ونيابية مستقبلية ان قيادة التيار تعي جيداً ان عدم حسم هذه المعركة سيؤدي إلى فقدان منطقة الشمال نهائياً لحساب الجماعات الإرهابية. فعدم تطبيق الخطة الامنية بشكل حاسم في نيسان الماضي، ثم تمييع علاج ظاهرة شادي المولوي وأسامة منصور قبل أسابيع، سمحا للمجموعات المتشددة بتجميع قواها. لكن هذه القناعة لم تنعكس على خطاب النواب الشماليين في المستقبل، الذين طالب بعضهم بتطبيق الخطة الامنية بشكل «سلمي» (محمد كبارة)، فيما هاجم آخرون الجيش.

قيادة الجيش تتحدّث عن خطورة ما يجري. تجزم المصادر العسكرية بأن عدم القضاء على الجماعات المسلحة في الشمال سيشجعها على مضاعفة قدراتها، وسيحفزها على السيطرة على المزيد من المناطق، كما سيخلق توازن رعب يحول دون قيام الجيش والاجهزة الامنية بأي مهمة امنية او عسكرية في الشمال.

ميدانياً، تمكّن الجيش منذ اعتقال الإرهابي أحمد سليم ميقاتي في بلدة عاصون في الضنية فجر الخميس الماضي، أن يقلب السحر على الساحر بالنسبة للإرهابيين التابعين لـ «النصرة» و«داعش» وبعض القوى السلفية. فالحرب التي بدأها الإرهابيون ظهر الجمعة الماضي على مواقع الجيش ونقاطه في طرابلس وبحنّين والمنية والمحمرّة، لم تكن مفاجئة. وبحسب مصادر عسكرية رفيعة المستوى، كان الجيش ينتظر تحرّك المسلحين الذين قاموا بردّ فعل «سريع ومتهوّر على الضربة الاستباقية في عاصون واعتقال الميقاتي»، وهو أحد أبرز مسؤولي «داعش» في الشمال، وصلة الوصل بين مختلف الجماعات الإرهابية في طرابلس وعكّار.

وما حصل في الأيام الماضية هو «احباط مخطّط قديم ـــ جديد يشبه إلى حد بعيد ما كان سيحصل في نهر البارد»، بحسب أكثر من مصدر عسكري تحدّث لـ « الأخبار»، لكن الفارق أن «الجيش كان على علمٍ مسبق بهذا المخطّط، وهو السيطرة السريعة على مساحات واسعة من مدينة طرابلس، بما فيها ميناء المدينة». وتذكّر المصادر بما ردّده قهوجي في حديثين صحافيين عن «نيّة المسلّحين الحصول على منفذ بحري في طرابلس»، بالإضافة إلى ما قاله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن حاجة الإرهابيين إلى منفذ بحري عبر الشمال اللبناني.

وعلى ما تؤكّد المصادر، فإن الجماعات الإرهابية على مختلف انتماءاتها كانت «تحضّر لهجومات متزامنة على مواقع الجيش والقطع العسكرية الرئيسية ما يسمح لها بالسيطرة على الطريق الدولية والواجهة البحرية في الشمال، تمهيداً لإعلان إمارة إسلامية»!

ماذا عن التوقيت؟

وتشير المصادر إلى أن «الجيش كان يراقب تحرّكات المسلحين، وتبيّن بالمتابعة أن ساعة الصفر للبدء بتنفيذ المخطط هو أحد أيام عاشوراء، لذا عمد إلى توجيه ضربة استباقية باعتقال الميقاتي، وإحداث صدمة على صعيد إدارة المجموعات الإرهابية وتنظيمها وتواصلها». وهذا ما دفع بالإرهابيين في طرابلس وخارجها إلى التحرّك في الحدّ الأدنى من التنسيق لاستهداف الجيش الذي كان قد عزّز حضوره في المدينة وفي المواقع المفصلية قبل يومين على الأقل من تنفيذ عملية عاصون، مما حوّل عمل المسلحين من الفعل إلى ردّ الفعل. وعلى ما تؤكّد المصادر، فإن «ردّ الجيش السريع والفّعال والحاسم جعل عدداً من الجماعات الإرهابية والخلايا النائمة في الشمال تنأى بنفسها عن المعارك خشية انكشاف أمرها ، في الوقت الذي كانت فيه ستتحرك لو سار المخطط كما رسمه الإرهابيون». وتلفت المصادر إلى أن «الوقائع الميدانية أثبتت بأن ما كان يحكى عنه خلال الأشهر الماضية حول حجم الجماعات الإرهابية، ما هو إلا تهويلا وتضخيما، فأعداد الإرهابيين، لبنانيين وسوريين وفلسطينيين ومن جنسيات عربية، تقل عن 300». فيما قالت مصادر أخرى إن «عدد المسلحين الذين يواجهون الجيش في باب التبانة، لا يقل عن 400 مسلح، موجودون في بيئة حاضنة تعتبر أن مواجهة الجيش أمنية تراود كثيرين، نتيجة التحريض المستمر عليه».

وتؤكد المصادر أن «وضع الجيش في طرابلس والمنية ممتاز ومتقدم. ورغم سقوط شهداء وجرحى في صفوفه، إلا أن أداءه العسكري جيد وقدرته عالية وقوته النارية كبيرة بما يكفي لحسم المعركة». وأكدت أنه «سيتابع عمليته العسكرية ضد المسلحين ومصمم على الحسم بسرعة، ولن يتراجع قبل أن تعود باب التبانة إلى كنف الدولة، ويعود الأمن إلى كافة أحياء طرابلس، وهو سيطلق النار على أي مسلح وعلى أي استهداف له». وشددت على أن «الجيش اتخذ قراره بعدم السماح بعودة التوتر الأمني وافتعال الحوادث كل فترة إلى طرابلس، وأنه سيطبق الخطة الأمنية، كما يطالب أبناء المدينة». ولفتت إلى الفارق بين معركتي طرابلس وعرسال قبل ثلاثة أشهر، موضحاً أن «وضع الجيش قد تحسن، والاتصالات الحالية تشدد على ضرورة عدم التهاون مع المسلحين». وأضافت المصادر أن «الجيش اعلن جهوزية كاملة بنسبة 90 في المئة على كافة الأراضي اللبنانية».

في السياسة، تقول مصادر نيابية بارزة في قوى 8 آذار إن «ما كنا نقوله طوال المدّة الماضية صار حقيقة، ولا يمكن الاستهانة بمخطّط التنظيمات الإرهابية بالسيطرة على منطقة الشمال». وتلفت الى أن «المطلوب اليوم عدم التدّخل بعمل الجيش، وترك القرارات العسكرية لأهل الاختصاص، لأن أي تدخل قبل حسم الأمور والقضاء على الخلايا الإرهابية يعني ترك الجرح مفتوحاً من ثم التهابه بشكل أكبر في المستقبل». وحذّرت من أنه «في حال لم تدعم السعودية وحلفاؤها الجيش، فإنهم سيدفعون الثمن لأن الإرهابيين في الشمال على تماس مع تيار المستقبل وليس مع حزب الله».