توقفت المعارك في طرابلس والشمال. المسلحون اختفوا من دون أن يتم القضاء عليهم أوتوقيفهم. الجيش ينفي عقد تسوية، فيما القوى السياسية المعنية تصر على ان الامر كله كان للجيش. هي التسويةالتي لا يريد أحد الاعتراف بها، التسوية اللقيطة
الثابت أنّ المعارك في طرابلس والشمال توقفت. والثابت أيضاً أنّ المسلحين التابعين لـ»جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» وبعض المجموعات المحلية، اختفوا. لم يتبخروا. انقسموا مجموعتين: إحداهما فرّت من طرابلس إلى مناطق مجاورة (مصادر أمنية قالت إن جزءاً منهم انتقل إلى جرود الضنية)، والثانية بقي أفرادها حيث هم، في طرابلس. لم يختلف أحد على هذه الوقائع. لكن ما لم يُتّفق عليه هو كيفية توقف المعارك.
السياسيون والأمنيون يتحدّثون عن تسوية أدت إلى رمي المسلحين لأسلحتهم، لكن قيادة الجيش تنفي ذلك. كان قائد الجيش العماد جان قهوجي في السرايا الحكومية (في اجتماع أمني ترأسه الرئيس تمام سلام، وبحضور وزراء الدفاع والداخلية والعدل وقادة الأجهزة الأمنية) عند التاسعة من صباح أمس يتحدّث عن استمرار الجيش في عمليته العسكرية إلى حين القضاء على المسلحين أو توقيفهم.
لكن بعد أقل من ساعتين، توقفت «الأعمال الحربية». قيادة الجيش أصدرت بياناً نسبت فيه الحديث عن تسوية إلى «السياسيين المتضررين من نجاح الجيش السريع والحاسم في استئصال هذه المجموعات». وبعد تزايد الحديث عن تسوية توصل إليها سياسيون من تيار المستقبل، نفت مصادر وزارية من فريق 14 آذار ذلك، قائلة إن قرار المعركة اتخذه الجيش، وقرار وقف القتال كذلك. ولفتت إلى أن انتهاء المعارك مرتبط بواحد من احتمالين: إما أن يكون الجيش قد اعتبر أن ما قام به هو أقصى ما يمكن تحقيقه أخذاً في الاعتبار نيته الحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم، وإما أن تكون قيادته قد اعتبرت أنها حققت أهداف العملية العسكرية. ولفتت المصادر إلى أن توقف المعارك في طرابلس أمس لا يعني انتهاء الحرب في الشمال، «بل هي جولة وانتهت».
إعلان وسائل الإعلام وسياسيين طرابلسيين قبيل ظهر أمس توقف العمليات الحربية و»اختفاء» المسلحين من الشوارع أعقبه حديث عن تسوية حصلت على مرحلتين منفصلتين: الأولى قادها الرئيس نجيب ميقاتي،
والثانية نواب المستقبل، وقضت بخروج المسلحين من الأسواق القديمة خوفاً من تدميرها. وقالت مصادر سياسية طرابلسية لـ»الأخبار» إن ميقاتي تواصل مع أحد المشايخ في المنطقة، الذي تواصل بدوره مع المسلحين وأقنعهم بالخروج من الأسواق. وكان رئيس فرع استخبارات الجيش في الشمال العميد عامر الحسن، هو من تولى التواصل في هذا الشأن من جانب الجيش.
تضيف الرواية التي ينفيها وزراء تيار المستقبل أن التسوية الثانية هي التي أدت إلى خروج المسلحين من باب التبانة فجر أمس. وبحسب ما يُشاع في عاصمة الشمال، فإن اللواء أشرف ريفي هو من تولى إخراج هذه التسوية التي نصت على وقف القتال في باب التبانة، وخروج المسلحين من طرابلس، أو تواريهم عن الأنظار فيها. وفي الحالتين، خرج المسلحون عبر مجرى نهر أبو علي.
كذلك تحدّثت معلومات عن أن تسوية جرى طبخها برعاية «هيئة علماء المسلمين» تقوم على أساس اختباء المسلّحين ودخول الجيش لتنفيذ عمليات دهم في أحياء التبانة، يتزامن ذلك مع تسليم جندي كان مخطوفاً. وهذا ما حصل بعد مبادرة المسلحين إلى إطلاق سراح العسكري المخطوف. وقد جرت مداهمة عدد من مخازن السلاح في التبانة، رغم تسجيل اعتراض في أوساط طرابلسية على اقتصار عمليات الدهم على المربع الأمني دون الإيغال في أحياء التبانة المشتبه في أن المسلحين التجأوا إليها أو خبأوا أسلحتهم فيها.
مصادر طرابلسية أهلية أشارت إلى أن عدد المقاتلين الجديين لم يتجاوز 150 مقاتلاً، وأن المجموعات الأكبر هي التابعة لشادي المولوي وأسامة منصور ولعمر الميقاتي (أبو هريرة).
الخسائر البشرية التي تكبدها الجيش كانت جسيمة. لكن المسلحين تلقوا ضربة قوية. يقول مرجع سياسي شمالي إن مشروع إيجاد منفذ بحري للنصرة وداعش قد تبدّد. لكنه يلفت في الوقت عينه إلى أن المسلحين لا يزالون قادرين على استجماع قواهم خلال الأشهر المقبلة.
في طرابلس، تنفّس المواطنون الصعداء بعدما توقفت المعارك. لكنّ كثراً منهم لم يستسيغوا «التسوية الجديدة»، بعدما ملّوا من تكرار السيناريو نفسه. معركة يسقط فيها قتلى وجرحى، تعقبها تسوية على شكل «تخريجة» يدهم فيها الجيش بعض الأماكن، فيما يتوارى المسلّحون إلى حين، ويبقى الجمر كامناً تحت الرماد في انتظار رياح جديدة.
وعلمت «الأخبار» أن الجيش يتحضّر لتمشيط مناطق بين المنية وعكار، يُحتمل أن يكون قد التجأ إليها الشيخ خالد حُبلص وجماعته. في المقابل، انهزم المسلحون المتحصّنون في التبّانة. وبعد اشتداد القصف، قام عدد منهم بحلق لحاهم واستبدال لباسهم العسكري للخروج مع المدنيين. غير أن استخبارات الجيش كانت متيقظة، بعدما زرعت مخبرين من التبانة على الحواجز لكشفهم. وكان من أبرز المسلحين الذين أوقفوا على الحواجز المنتشرة على باب التبّانة المطلوب داني دنش، الذي حلق شعر لحيته ورأسه في محاولة لتمويه هويته، علماً أن دنش يُعَدّ من أكثر المتشددين، إلى درجة أنه سبق أن قام بتكفير إمام مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي. وبحسب المعلومات، تم توقيف عدد كبير من المسلحين الفارين على مخارج التبّانة، لكن أبرز المطلوبين، شادي المولوي وأسامة منصور و»أبو هريرة» الميقاتي، لا يزالون متوارين في التبانة، علماً أن الأجهزة الأمنية تدّعي أن المولوي مصاب.