ضرب خاطفو العسكريين ضربتهم الجديدة. من مخابئهم في جرود عرسال المحتلة، حرّكوا أهالي المخطوفين ليقطعوا الطرق، احتجاجاً على أحكام أصدرها القضاء. لم يتراجع القضاء، لكن وزير الصحة أقنع الخاطفين بالإيعاز بفتح الطرق
عاد خاطفو العسكريين إلى التحكم بحياة اللبنانيين وطرق سيرهم. من المغاور التي يتحصنون فيها بجرود عرسال المحتلة، يُصدرون الأوامر، ويبتزون أهالي المخطوفين الذين ينفّذون كل ما يطلبه الإرهابيون منهم. بعد صدور أحكام عن المجلس العدلي بحق عدد من المتهمين في ملف قتال الجيش في مخيم نهار البارد، أمر الخاطفون بإقفال الطرق في بيروت، إلى أن تتراجع الدولة اللبنانية عن الأحكام. امتثل الأهالي، وأحرقوا إطارات سيارات في ساحة رياض الصلح، وأقفلوا مدخل بيروت الشرقي الشمالي من جهة الصيفي، فيما قطع زملاء لهم الأوتوستراد الدولي بين بيروت وطرابلس، قرب بلدة القلمون الشمالية. بالتأكيد، لا يمكن التراجع عن أحكام صادرة عن المجلس العدلي، إلا بمرسوم عفو يصدره رئيس الجمهورية، أو بقانون يصدره مجلس النواب. والأمران متعذران حالياً. إزاء ذلك، لم يكن أمام بعض النواب والوزراء سوى محاولة إقناع أهالي العسكريين بالخروج من الشارع.
النائبان هادي حبيش ومحمد الحجار حاولا عبثاً. بعث حبيش برسائل «على الهواء مباشرة»، إلى الخاطفين ليقنعهم بأن القضاء استبدل بأحكام الإعدام السجنَ المؤبد نتيجة الضغوط التي مارستها الدولة اللبنانية والأهالي. وزير العدل أشرف ريفي بعث رسالة مشابهة عندما أكد أن «الحكم بالإعدام في حق الموقوفين الإسلاميين هو حكم مخفض إلى المؤبد».
وبقي الأهالي مصرين على تحركهم، إلى أن أجرى وزير الصحة وائل أبو فاعور سلسلة اتصالات برئيس الحكومة وعدد من العاملين على ملف التفاوض مع الخاطفين، بينهم وسيط بين أبو فاعور والخاطفين. ونتيجة للاتصالات بين وزير الصحة والوسيط، سمح الخاطفون لأهالي المخطوفين بفتح الطريق، وهو ما تم قرابة الثالثة من بعد الظهر. وتبيّن أن الخاطفين قرأوا الأحكام القضائية رسالة من الحكومة اللبنانية بوقف التفاوض معهم، فهددوا بذبح المخطوفين. وأبلغ أبو فاعور الوسيط بأن «الحكومة اللبنانية مستمرة في التفاوض، وأن اللواء عباس إبراهيم سيعاود نشاطه في هذا المجال».
قرأ الخاطفون في الأحكام القضائية رسالة من الحكومة بقطع المفاوضات
وأكّدت المصادر أن الخاطفين طالبوا بالبت بطلبات تقدم بها محكومون في قضايا إرهاب، أمام محكمة التمييز العسكرية، لإسقاط الأحكام التي أصدرتها بحقهم محكمة التمييز العسكرية. وتبيّن أن بإمكان محكمة التمييز إصدار جزء من قراراتها اليوم، إلا أن أبو فاعور أقنع الوسيط بضرورة بت القرارات دفعة واحدة، وأجرى اتصالات أدت إلى تأجيل إصدار القرار، وهو ما وافق عليه الخاطفون.
ومن إمارة دبي في الإمارات العربية المتحدة، أكّد رئيس الحكومة تمام سلام، أنّ «المفاوضات بشأن العسكريين مستمرة ولكن معقدة، والموفد القطري يقوم بواجباته». وقال: «سنطلب من الإمارات تقديم طوافات على غرار طوافات غازال المقدم منها في السابق». وعن الخطة الأمنية قال: «لا يمكن أن تطبق في منطقة دون أخرى، وسنعمل على بسط سلطة القانون في كامل المناطق».
بدوره، أسف وزير الداخلية نهاد المشنوق لكون الخاطفين يتحكمون بقرار أهالي المخطوفين. وإذ أشار إلى أن كلام الخاطفين غير جدي ومن باب التهويل، قال: «لا نستطيع أن نلوم الأهالي على تصرفهم». ورداً على سؤال في مقابلة مع قناة «سكاي نيوز عربية»، وصف المشنوق الوضع الأمني في الجنوب بأنه «من أفضل المناطق، وهو مستقر وآمن ضمن تفاهمات سياسية».
على صعيد آخر، عادت جلسات اللجنة الانتخابيّة المكلفة درس قوانين الانتخاب للانعقاد من جديد. أمس، وفي سبيل الوصول إلى صيغة توافقية لقانون انتخاب، ترأس رئيس مجلس النواب نبيه برّي الجلسة «الافتتاحية» في عين التينة، حضرها النواب روبير غانم، سيرج طورسركيسيان،علي بزي، أحمد فتفت، إميل رحمة، جورج عدوان، علي فياض، هاغوب بقرادونيان وسامي الجميّل. الانطباع الأول الذي سجّله النواب هو أن «مواقف الأطراف السياسية باتت أكثر انفتاحاً، مقارنة مع الجلسات الماضية التي توقف فيها النقاش في تشرين الأول من العام الماضي». وقالت مصادر اللجنة إن «الرئيس برّي شدّد في بداية الجلسة على ضرورة الالتزام بمهلة الشهر التي سبق أن حدّدها هو لمناقشة القوانين». وكان ممثلو القوات والكتائب قد طالبوا الرئيس برّي «بانتزاع التزام من جميع الحاضرين بالنزول إلى الجلسة العامة والتصويت على القوانين إن لم تصل اللجنة إلى هدفها»، فما كان من رئيس المجلس إلا أن قطع الطريق بالقول: «لا داعي لذلك، أصلاً بعد انتهاء النقاشات سنذهب إلى التصويت حتماً، وأنا كنت قد ذكرت الأمر في السابق». رغم ذلك «لم يواجه طلب القوات والكتائب بمعارضة أي من الكتل، باستثناء تيار المستقبل، بعد أن قال النائب فتفت إنه لا يستطيع الالتزام قبل العودة إلى قيادة التيار ومناقشة الأمر معها». ورداً على اقتراحهما «طالب عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب ألان عون بالتزام حضور جلسة تفسير المادة 24 من الدستور التي تتعلق بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وهذه الجلسة أصرّ عليها العماد ميشال عون عبر رسالة حملها ممثل التيار في اللجنة إلى الرئيس برّي». وتحدثت المصادر عن «مخاوف من تكرار سيناريو الجلسات السابقة»، فيما طمأن برّي إلى «وجود فرصة كبيرة للاتفاق، خصوصاً أن النائب وليد جنبلاط أبدى انفتاحاً على المشروع المختلط (64 نائباً وفق النظام النسبي و64 وفق النظام الأكثري)، مصراً على أن تبدأ اللجنة ببحثه قبل أي قانون». وأشارت المصادر إلى أن «البحث التقني الجدي سيبدأ يوم الخميس المقبل، في جلسة تعقد برئاسة النائب روبير غانم في ساحة النجمة، إذ لم يتطرق المجتمعون إلى تفاصيل انتخابية، فقد كانت الجلسة جلسة استماع إلى توجيهات الرئيس برّي، لجهة ضرورة انطلاق النقاشات من مبادئ النسبية والتوازن السياسي والتمثيل الصحيح، خاصة لدى المسيحيين».