ظهرت مؤشرات على وجود تسوية يجري التسويق لها في شأن مشروع الموازنة، تتضمن حذف الاعتمادات الملحوظة لتعديل سلسلة الرواتب، بحجّة ان المجلس النيابي هو الذي يبت بأمر السلسلة، وتمرير اجراءات ضريبية لا تصيب ارباح المصارف والمضاربات العقارية الا بمعدّلات متدنية
يعقد مجلس الوزراء، اليوم، جلسة مخصصة لاستكمال مناقشة مشروع قانون الموازنة لعام 2017. على ان تليها جلستان في هذا الاسبوع، يومي الخميس الجمعة. بحسب مصادر وزارية معنية جرى التوافق على ان تُحسم في هذا الجلسات وجهة المجلس في شأن الاجراءات الضريبية المقترحة في المشروع والاعتمادات المرصودة في احتياط الموازنة لتمويل مشروع قانون تعديل سلسلة الرتب والرواتب، المطروح على الهيئة العامة لمجلس النواب منذ عام 2014. على ان يبدأ بعدها مناقشة بنود مشروع الموازنة واقرارها.
انطلاقا من هذا التوافق انطلقت قبل ايام مفاوضات خارج مجلس الوزراء بين وزير المال علي حسن خليل وممثلي التيار الوطني والحرّ وتيار المستقبل لايجاد تسوية بين المواقف المتناقضة، اذ يصر خليل على مشروعه فيما يعارض التيار الوطني الحر السلسلة ويوافق على الاجراءات الضريبية، فيما يرفض تيار المستقبل السلسلة والاجراءات معا، ويدعو الى مشروع للموازنة خال من اي «اصلاحات» وتركها الى ما بعد الانتخابات النيابية. في هذا الوقت، تتكثف الضغوط التي تمارسها «الهيئات الاقتصادية» وجمعية المصارف لاجهاض الاقتراحات الرامية الى زيادة الاقتطاع الضريبي على الارباح المصرفية والعقارية وارباح الشركات. وقام وفد من الهيئات بزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري، فيما زار وفد من الجمعية وزير المال.
في ضوء هذه التحركات والضغوط برزت ملامح التسوية المحتملة او التي يجري تسويقها، اذ اعلنت جمعية المصارف بعد الاجتماع مع خليل ان «الأفكار لم تكن كلها متطابقة بيننا وبينه، ولكن توقفنا عند نقطة رئيسية وهي ان اي اجراء ضريبي يتناول المصارف، ولا سيما الفوائد التي تجنيها، يجب أن لا يكون له اي مفعول رجعي، يعني ان لا يشمل السندات المكتتب بها سابقا، لأنه جرى الاكتتاب بها وفقا لقواعد وشروط، ويجب أن تستمر هذه الشروط مرعية وأن لا تخلق أعباء جديدة تتناول السوق المحلية. ونحن متفائلون ان ينقل الوزير وجهة نظرنا الى مجلس الوزراء». بحسب مصادر مصرفية، فان هذا الموقف جديد، ويمثل تراجعا جزئيا من قبل الجمعية، اذ يعني انها وافقت على الاقتراح الرامي الى زيادة معدّل الضريبة على الفوائد من 5% الى 7%، ولكن بشرط ان تسري هذه الزيادة على الاكتتابات الجديدة في سندات الخزينة وشهادات الايداع فقط، من دون الفوائد على الاكتتابات القائمة.
من جهته، بدا الحريري متجاوبا جدّا مع مطالب الهيئات، وقال ان النقاش حول فرض الرسوم والضرائب، «التي سترهق كاهل المواطنين وبعض القطاعات ومنها القطاع المصرفي»، لا يزال في اطار الاخذ والرد، وهو يأخذ في الاعتبار «تحقيق التوازن بين مصلحة المواطنين والقطاعات الاقتصادية وتوفير موارد اضافية لتمويل الموازنة». وأضاف: «الجميع يعلم ان الوضع الاقتصادي يمر بحالة من التعثر والتوجه ليس لفرض رسوم وضرائب جديدة فقط، وإنما إجراء مناقشة دقيقة وعملية لتحديد ماهية الضرائب والرسوم المفترض اقرارها». وقال «ان التوجه هو لايجاد توازن بين حاجات القطاع الخاص والمواطنين والدولة. وفي المقابل هناك رزمة من الحوافز لتنشيط القطاع الخاص نسعى لادراجها في مشروع الموازنة ايضا». واعلن أن «إقرار سلسلة الرتب والرواتب لا يزال يدرس على طاولة مجلس الوزراء وانه في حال اقرارها لا بد ان يربط ذلك بجملة اصلاحات ادارية وتوفير الموارد المالية المطلوبة لتمويلها، ومن دون ادراج هذه الاصلاحات والالتزام بتنفيذها لا يمكن اقرار السلسلة، لانه ليس معقولا ان تتم زيادة الرواتب والاجور بمعزل عن تحسين زيادة الانتاجية في القطاع العام وتفعيل الادارة العامة».
ونقل رئيس الهيئات الاقتصادية عدنان القصار عن الحريري انه «كان متجاوبا معنا (…) ومتفهما حيال هواجس الهيئات الاقتصادية من التوجه نحو فرض الضرائب من أجل تمويل عجز الموازنة»
الا ان المؤشر الابرز على التسوية الجاري تسويقها، هو ما ادلى به امين سر تكتل التغيير والاصلاح، النائب إبراهيم كنعان، بعد اجتماع التكتل الاسبوعي، امس، اذ قال «ان حكومة الانتخابات لا يمكنها ان تضع حلولا جذرية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، بل يمكنها ان تنظم الوضع وتضبط الفلتان وتنظم المالية العامة».
وقال كنعان ان «السلسلة موجودة اصلا في المجلس النيابي، وما هو ضمن الموازنة، هي كلفتها من ضمن الاحتياط. وتقرير الهيئة العامة للمجلس النيابي في العام 2014، يؤكد ان السلسلة وصلت الى الهيئة العامة، وقد صوت على قسم من ايراداتها في مشروع قانون في الهيئة العامة»، لافتا الى أن «الحكومة تلحظ الواقع الموجود في مجلس النواب، بينما اولوية إقرار السلسلة او عدمها هي في الهيئة العامة، وليست في اللجان المشتركة او لجنة المال والموازنة». معتبرا أن «العودة الى الوراء لناحية إعادة ادراج السلسلة في الموازنة يؤدي الى مسار طويل ليس في مصلحة المطالبين بها».
وكان بعض الوزراء، ومنهم وزراء في التكتل، قد طالبوا في جلسات مجلس الوزراء السابقة بحذف الاعتمادات الملحوظة للسلسلة من مشروع الموازنة، بحجة ان مشروع السلسلة يبت به المجلس النيابي، الا ان اراء اخرى في مجلس الوزراء اصرت على ان مشروع الموازنة يجب ان يكون شاملا كل النفقات، وبالتالي من الطبيعي ان يلحظ اعتمادات السلسلة في ارقامه الا اذا كانت النية بعدم اقرارها ابدا.
(الأخبار)