عندما يكون التعامل مع وحوش بشرية، يكون قتل الدركي علي البزّال نتيجة متوقّعة. وعندما تخوض دولة مفاوضات مع هؤلاء الوحوش بتراخٍ، وبضغوط سياسية متبادلة بين مسؤوليها، وبمزايدات مذهبية بين قياداتها حتى كاد بعضهم يتحوّل عاملاً لدى الخاطفين، يغطّي قطع الطرق ويضغط للاستجابة لمطالبهم ويحذّر من مخالفة أوامرهم، وعندما يكلف مطلوب بتهمة الإرهاب كمصطفى الحجيري (أبو طاقية) بالتوسط مع إرهابيين، عندها يكون إعدام أسراها نتيجة منطقية لفقدان مثل هذه الدولة هيبتها.
وبالطبع، ليس اللوم هنا على الأهالي المجروحين إذا ما قطعوا طريقاً أو أقفلوا ساحة مطالبين بفلذات أكبادهم. وعلى كل من امتعض من عملية التبادل الأخيرة بين حزب الله وخاطفي أحد عناصره أن يتذكّر أن الثمن الذي قبضه هؤلاء، وهم لا يختلفون بأي حال عن الارهابيين الذين يحتجزون العسكريين، كان بخساً، وأن هؤلاء لم يمسّوا شعرة من أسيرهم لعلمهم بأن من يطالب به قادر على الوصول اليهم، وعلى تدفيعهم ثمناً غالياً. وعليه، بات حكماً من الآن فصاعداً أن تعتمد الدولة طريقة جديدة في مقاربة هذا الملف، عنوانها الرئيس: المقايضة بالدم.
فبعد أقل من 24 ساعة على تهديد الارهابي أنس جركس المعروف بـ»أبو علي الشيشاني» بـ»الثأر» لاعتقال زوجته علا جركس، أعلنت «جبهة النصرة»، على تويتر أمس، إعدام البزال، رداً على «اعتقال الجيش اللبناني (…) النساء والأطفال». وهددت بإعدام جندي آخر «خلال فترة وجيزة» ما «لم يتم إطلاق سراح الأخوات اللاتي اعتقلن ظلماً وجوراً».
توتر وقطع طرق في البقاع الشمالي والجيش ينفّذ انتشاراً واسعاً
وفور شيوع نبأ الاغتيال، سادت حالة من الغضب قرى البقاع الشمالي، لا سيّما في بلدة الشهيد، البزالية، حيث قطع الأهالي طريق بعلبك ــ الهرمل الدولي، وطريق عرسال من اللبوة، وترافق التحرّك مع ظهور مسلّح كثيف. وفيما نفّذ الجيش اللبناني انتشاراً سريعاً على الطريق وعلى مفارق البلدات والطرق الفرعية لمنع أي ردود فعل وتوتر، سُجّل إطلاق نار على سيارة متوجهة إلى عرسال، ما أدى إلى إصابة أحد أبناء البلدة من آل الحجيري إصابة بالغة من دون أن يعرف مصيره. واستمرت حالة الغضب إلى ساعات متأخرة من الليل.
وفي بيروت، تجمع أهالي العسكريين المختطفين بعد شيوع خبر اغتيال البزال أمام المركز الثقافي التركي في بيروت احتجاجاً على استمرار دعم الحكومة التركية للتنظيمات الإرهابية.
مصدر في «جبهة النصرة» عزا قتل البزال الى «نكث الحكومة اللبنانية بوعودها». وقال إن الخاطفين أرجأوا قتل البزال الاسبوع الماضي «بعدما تعهّدت الحكومة بالتفاوض الفوري والمباشر. لكنها خلال أقل من يومين نكثت بالوعد وأوقفت التفاوض وخطفت نساءً وأطفالاً». ولفت الى «أننا حذّرنا الحكومة في المرة الماضية بأننا لن نهدّد بعد اليوم بل سننفّذ فوراً». واللافت أن «النصرة» هي من قامت بـ»الثأر» لتوقيف سجى الدليمي وعلا جركس، علماً بأنهما أقرب الى «داعش»، وهو ما فُسّر بأنه رسالة الى الحكومة بأن الخاطفين لن يرضخوا لأي ضغط باعتقال الدليمي وجركس وأن هذه القضية خارج التفاوض لإطلاق الأسرى.
وكانت أزمة العسكريين خيّمت على أجواء الاجتماع الأمني الموسّع الذي عُقد في السراي الحكومي بعد ظهر أمس برئاسة الرئيس تمام سلام. وتمحور الاجتماع الذي حضره وزراء المال علي حسن خليل والصحة وائل أبو فاعور والدفاع سمير مقبل والداخلية نهاد المشنوق والعدل أشرف ريفي، وقائد الجيش العماد جان قهوجي وقادة الأجهزة الأمنية، حول مسألة التفاوض في ملفّ العسكريين، وكيفية التعامل مع المستجدات الأمنية. وأشارت مصادر وزارية مشاركة إلى أن «التوجّه العام في الجلسة هو قرار الدولة بإجراء صفقة شاملة في ملفّ العسكريين ولو على دفعات، وعدم الرضوخ لمطالب الإرهابيين بتجزئة التفاوض». ولفتت المصادر إلى أن «التوجّه العام اتجه نحو حصر التفاوض بالقنوات الأمنية، أي اللواء عباس إبراهيم، من دون إغلاق الباب مطلقاً أمام قنوات أخرى قد نضطر إليها في ضوء المستجدات». وأشارت المصادر إلى أنه «كان هناك شبه إجماع على عدم جدوى وفعالية الموفد القطري، لذلك سيتمّ التعامل معه كأحد القنوات، وليس القناة الوحيدة».
كذلك تطرّق الاجتماع إلى ضرورة «تشديد الإجراءات العسكرية والأمنية لإقفال كل معابر التهريب التي يتمكن الإرهابيون من الحصول على المحروقات والتموين عبرها إلى الجرود».
بدورهم، أكد أهالي العسكريين المخطوفين، قبل إعدام البزال، أنهم «لن يخرجوا من ساحة رياض الصلح مهما كلف الأمر، وأنهم يفضّون الاعتصام فقط مع عودة أبنائهم». وحذر الأهالي في بيان من «تداعيات اتخاذ قرار كهذا مسيء بحق الأهالي والمخطوفين، لأنهم أصحاب حق، وأبناؤهم ليسوا للتجارة والمساومات».