نكث الرئيس سعد الحريري بوعده للنائب وليد جنبلاط عدم السير في قانون يرفضه الأخير. تراجع الحريري عن رفضه «التأهيلي»، فيما لا تزال اعتراضات جنبلاط والرئيس نبيه بري والقوات اللبنانية تحول دون الاتفاق عليه. في غضون ذلك، توافق أركان الحكم على التمديد لحاكم مصرف لبنان في منصبه
يتّجه أركان الحكم الى التوافق على التجديد لحاكم مصرف لبنان رياضة سلامة في منصبه. ويدور النقاش بين تمديد ولايته لمدة ثلاث سنوات أو ست سنوات. وبحسب المعلومات، فإن الرئيس سعد الحريري يضغط لاتخاذ القرار سريعاً وعدم انتظار موعد انتهاء ولاية سلامة في تموز المقبل. ويجري الحديث عن ترتيبات لوضع التمديد على جدول أعمال الحكومة في أول جلسة مقبلة لها.
وتفيد المعلومات بأن الحريري والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وحزب الله وغالبية القوى السياسية أبلغوا سلامة دعمهم التمديد له. كذلك أبلغوا موقفهم هذا الى الرئيس ميشال عون، الذي لم يعلن حتى أمس موافقته الكاملة بعد، رغم أن أوساطاً مصرفية وحكومية أكدت أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أبلغ سلامة موافقة التيار على بقائه في منصبه، على قاعدة إدخال تعديلات في السياسات النقدية المتّبعة في البلاد.
وبحسب المعلومات، فإن لكل من القوى السياسية حساباتها، وإن سلامة أظهر استعداداً للتعاون مع الجميع، بما في ذلك الرئيس عون والتيار الوطني الحر، وأن يأخذ في الاعتبار من الآن فصاعداً العودة اليهما في كل ما يتصل بالمواقع الادارية المحسوبة على المسيحيين في المؤسسات التابعة لسلطته المباشرة أو غير المباشرة.
من جهة أخرى، لا تزال عقدة «القانون التأهيلي» بعد إخراجه بنسخته النهائية على يد الوزير باسيل، تعرقل التوصّل إلى اتفاق على قانون الانتخاب، في ظلّ المراوحة المستمرة في النقاشات بين الأطراف، ورفضه من قبل الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وملاحظات حزب القوات اللبنانية عليه، وأطراف كثيرة أخرى في البلاد.
ومع مرور الوقت وبداية الأسبوع الثاني من مهلة الشهر التي فرضها رئيس الجمهورية ميشال عون باستناده إلى المادة 59 وتجميده عمل مجلس النواب، تزداد احتمالات الوصول إلى المجهول. وفي سياسة واضحة لليّ ذراع القوى السياسية الرافضة للتصويت الطائفي والمذهبي في البلاد والتأسيس لتقسيم البلاد من بوابة قانون الانتخاب بعد ثلاثة عقود على نهاية الحرب الأهلية، يضع التيار الوطني الحرّ الآخرين أمام خيارات ضيّقة، بالإصرار على قوانين تحت عنوان «حقوق المسيحيين»، وهي إمّا الفوضى والوصول إلى التقسيم الفعلي الذي تنتجه الفوضى في الشارع، وإمّا السير بقانون التأهيل الطائفي المقيت، الذي يؤسّس بدوره لتقسيم المجلس النيابي، وتالياً فرز اللبنانيين أكثر فأكثر في طوائف وملل ومذاهب ومناطق، وكأن المطلوب إدخال لبنان، الكيان الصغير، في بازار الفدراليات التي ترسّم بالدم في الإقليم.
وفي المعلومات، بات واضحاً أن تيار المستقبل تراجع عن رفضه للقانون، بعد أن أبلغ مستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري أمس المعنيين بأن التيار وافق على مشروع قانون الانتخاب الأخير محطّ النقاش. وبذلك يكون الحريري ليس فقط انقلب على موقفه السابق، بل على وعده للنائب وليد جنبلاط بأنه لن يسير بقانون لا يوافق عليه الحزب التقدمي الاشتراكي. ومع أن حزب الله وافق على القانون، برز صوت الوزير علي خليل، في خلوة وزارة الخارجية أول من أمس، صوتاً معترضاً وحيداً على القانون، علماً بأن الرئيس عون كرّر أمام زواره في اليومين الماضيين أن «الشيعة أعطوني التزاماً، ولا يخرجون مني».
ومع أن كلام عون أمس أمام وفد من أهالي المتن وقوله «لا أحد يحلم بالتمديد لمجلس النواب أو البقاء على القانون نفسه أو حصول أي فراغ»، بدا موجّهاً نحو برّي، الذي حدّد جلسة للتمديد للمجلس النيابي في 15 أيار المقبل في حال عدم التوافق على القانون خشيةً من الفراغ، إلّا أن رئيس المجلس النيابي اعتبر أمام زوّاره أمس أن «كلام رئيس الجمهورية تحفيزي»، وهو بذلك يراه إيجابيّاً للحثّ على الاتفاق على القانون، وليس جواباً على جلسة التمديد.
من جهته، قال النائب سامي الجميّل لـ«الأخبار» إنّ «الحكومة مجتمعة تتحمل مسؤولية التمديد للمجلس النيابي، فلا أحد من مكوّناتها طالب مرة بأن يوضع قانون الانتخابات على جدول الأعمال. طارت المهل الواحدة تلو الأخرى، وكنا في كل مرة نقوم بمؤتمرات صحافية ونُحذر». وأضاف الجميّل: «أما حالياً، فنُحذر اللبنانيين من أن يكون ما يحصل تمثيلية حتى نصل إلى الفراغ، ومجرد أن نصل إلى هذا الخيار ستُدعى الهيئات الناخبة وتُجرى الانتخابات على أساس الستين، بعد أن عُطّلت كل مشاريع القوانين الأخرى. خطر جداً، يُكرّس منطق المحادل ويمنع العديد من القوى السياسية من أن تتمثل».
كذلك، كرر النائب غازي العريضي لـ«الأخبار» موقف الحزب التقدمي الاشتراكي بالرفض القاطع للقانون المطروح، مؤكّداً أن «هذا القانون غير منصف وغير عادل ويكرّس تفتيت اللبنانيين بين طوائف ومذاهب متفرّقة، ونحن أبلغنا موقفنا برفضنا له». وقال «سمعنا من الجميع، ومن التيار الوطني الحر، عن المساواة والعدالة والإنصاف. كيف يكون الإنصاف إن كان القانون يمنع عشرات آلاف اللبنانيين من الاقتراع؟». وسأل: «هل ما زالت القوى السياسية عند موقفها بأن قانون الانتخاب يحصل بالتوافق لا بالفرض؟ إذا كان لا يزال بالتوافق، فعلينا جميعاً أن نهدّي الأمور بعيداً عن التشنّج للوصول إلى تفاهمات وترك الحوار مفتوح».
على صعيد آخر، وضعت السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيث ريتشارد، يوم أمس، الحجر الأساس للسفارة الاميركية الجديدة في بيروت، الذي يقوم على 43 فداناً من الأرض بكلفة مليار دولار أميركي. وقالت ريتشارد إن «المجمع سيوفّر منبراً آمناً ومستداماً وحديثاً وداعماً لموظفي السفارة في تمثيل الحكومة الأميركية في لبنان وفي الإدارة الدبلوماسية اليومية»، وإن «هذه رسالة قوية للشعب اللبناني بأننا معكم على المدى الطويل». هذه الخطوة المتوقّعة منذ مدّة، هي إشارة واضحة من الأميركيين بالرغبة في رفع مستوى نفوذهم في لبنان والاستفادة من الموقع الجغرافي كمنصّة لتوسيع النفوذ في المنطقة، في وقت شرع لبنان فيه بالعمل على استثمار النفط والغاز على شواطئه، وارتفاع حدة المواجهة الأميركية ــ الروسية، والضغوط الكبيرة التي يمارسها الأميركيون على سوريا وإيران والمقاومة في لبنان.