لا جديد على صعيد النقاش حول قانون الانتخاب. ومع رفض غالبية القوى للقانون التأهيل الطائفي، تفتح نافذة القانون النسبي مخرجاً لائقاً للجميع، مع الاستعداد للبحث عن مخارج للتيار الوطني الحرّ
لا يزال السّجال حول قانون الانتخاب يستنزف الوقت والعهد الجديد، فيدخل البلاد في دوّامة المجهول، على أعتاب تحوّلات إقليمية خطيرة. وإن بدا أن غالبية القوى السياسيّة تستشعر مدى الخطر المحدق بالنظام السياسي، على علّاته، تُظهر دينامية التعامل مع أزمة قانون الانتخاب والتأجيل المستمر للوصول إلى اتفاق على صيغة وطنية للقانون تحت ذرائع مختلفة، أنّ ما يحكم مواقف بعض الكتل السياسية، هو سوء التقدير والتعامل بخفّة مع الاستحقاقات التي يقف لبنان والمنطقة عندها.
فعلى رغم سقوط مشروع التأهيل الطائفي بالضربة القاضية للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بعد بروز اعتراضات جذرية عليه من كتل وازنة في البلاد، مثل الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط وغالبية قوى فريق 8 آذار، وحتى حزب القوات اللبنانية، أعلن رئيس الجمهورية ميشال عون قبل يومين دعمه للقانون التأهيلي. وبخلاف التوافق المستجدّ والتماهي شبه التّام بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل، برز أمس موقف مستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري، وإعلانه سقوط قانون التأهيل الطائفي بسبب الاعتراضات الواسعة عليه وحصر النقاشات في القانون الذي قدّمه برّي. إلّا أن أكثر من مصدر متابع أكّد أمس لـ«الأخبار» أن التيار الوطني الحرّ لا يزال متمسّكاً بالتأهيلي، مع انفتاحه على البحث في قوانين جديدة، ما دامت تحقّق ذات النتيجة التي يحقّقها التأهيلي تحت عنوان «حقوق المسيحيين».
وفيما خلت جلسة مجلس الوزراء أمس من النّقاش حول قانون الانتخاب، باستثناء تأكيد الحريري لضرورة الوصول إلى صيغة حلّ مقبولة من الجميع، ظهرت أكثر هشاشة التحالف بين التيار الوطني الحرّ والقوات، على خلفية الصراع المستعر حول قضية بواخر الكهرباء، في ظلّ اعتراض القوات على آلية إجراء المناقصات، ولجوء التيار إلى عرقلة البنود التي تخصّ وزارة الصّحة مرة جديدة في خلال جلسة أمس.
وتابع رئيس المجلس النيابي هجومه على الخطاب الطائفي في البلاد وعلى القانون التأهيلي من دون أن يسمّيه، داعياً في خلال لقاء الأربعاء النيابي إلى الابتعاد «عن بث الروح الطائفية، والتمسك بالمبادئ الوطنية بعيداً عن المصالح الضيقة والفئوية». وقال برّي: «ليس المطلوب الانتقال من سجن سيئ إلى سجن أسوأ… من قانون الستين إلى قانون طائفي، فاللعب بالطائفية لا يعني أن الطوائف لعبة والوطن ملعب».
وفي ظلّ الحديث عن إمكان الاتفاق على قانون انتخابي نسبي على أساس دوائر متوسّطة مع حصر الصوت التفضيلي في القضاء، قالت مصادر وزارية في قوى 8 آذار وأخرى في تيار المستقبل إن «الاتفاق لا يزال بعيداً». وأضافت أن «الشيطان يكمن في تفاصيل القانون»، مؤكّدةً أنه «إذا أخذ المبدأ العام أو فلسفة القانون كل هذا الوقت من دون الوصول إلى اتفاق، فإن التفاصيل والدوائر إذا جرى الاتفاق تحتاج إلى وقت طويل أيضاً، والمهل باتت ضيقة والأحداث من حولنا تزداد خطورة».
ويمكن القول إن الخيارات المتوافرة من الآن وحتى مهلة 20 حزيران لم تعد كبيرة، وهي باتت محصورة إمّا بالاتفاق على قانون نسبي على أساس دوائر متوسّطة، وإما العودة إلى السّتين، أو الوصول إلى الفراغ. وفي ما خصّ القانون النسبي على أساس الدوائر المتوسّطة (مع أو من دون قانون برّي الذي يتضمّن إنشاء مجلس للشيوخ)، فإن موافقة شريحة واسعة من القوى عليه تعطيه الفرص الأوفر حظّاً، لأن من عبّروا عن موافقتهم على مبدأ النسبية في السابق، كان ضمنهم الرئيس عون، قبل أن ينقلب التيار الوطني الحرّ على هذا الخيار. وعدا عن تكرار التيار مطالبته بالنسبية طوال السنوات الماضية، فإن هذه الطرح هو ما كان عون يحاول إقناع الحزب التقدمي الاشتراكي به في لقاءاته الأولى معه حين كان الاشتراكي يبدي اعتراضاً حاسماً على النسبية. وتقول مصادر وزارية اشتراكية وأخرى في 8 آذار، إنه «إذا كان لدى التيار النيّة للموافقة على هذه الخيارات، فإنّ من الأفضل الموافقة الآن، قبل أن يمرّ الوقت». وتقول المصادر إن «أكثر من طرف سياسي مستعدّ لإيجاد مخرج سياسي لائق للتيار الوطني الحرّ إذا قرّر تسهيل المهمة بهدف إجراء الانتخابات على أسس وطنية والخروج من النفق المظلم الذي نتقدم إليه». أمّا في حال تعذُّر الاتفاق، فتبدو العودة إلى قانون السّتين، خياراً وحيداً، وحتى هذا الخيار، يعني تمديداً تقنيّاً للمجلس النيابي بغية تعديل المهل، وهو يضعف عهد الرئيس عون، ويحبط آمال اللبنانيين، ويعيد تركيب القوى السياسية على النحو الذي استمر منذ انتخابات 2009، في وقت جرى فيه شحذ الهمم الطائفية وإيقاظ عصبيات وأحقاد وخطابات تعود لأيام الحرب الأهلية، لتكون النتيجة عودة إلى التركيبة الحالية ذاتها.
أمّا الخيار الثالث، أي الفراغ، فيُسقط أوّلاً حكومة الحريري، ويقضي على العهد الجديد في عامه الأوّل، ويدخل لبنان في سياق التحوّلات الإقليمية، في خطوة قاتلة نحو المجهول تسهل عندها دخول العوامل الإقليمية والدولية على الملفّ اللبناني.
وتجدر الإشارة إلى التحذير الذي أطلقه أمس النائب علي عمار، وإشارته إلى أنه «لم يمر في تاريخ لبنان مأزق أشد خطورة من مأزق اليوم»، محذّراً من «إنعاش نزعة التقسيم الطائفي». واعتبر «أننا في أمس الحاجة إلى التحرر من التعصب الطائفي والاقتراب من الدستور والتحرر من منطق الحصص والأحجام»، لافتاً إلى أن «الحديث عن قانون الانتخاب اليوم هو حديث معيب لفرادة لبنان. يمكن أن نتناصف على مستوى الحكومة ومجلس النواب والوظائف، ولكن هذه مرحلة انتقالية لبلوغ أمور دستورية أساسية، أولها إلغاء الطائفية السياسية»، مشدّداً على ضرورة «اعتماد النسبية الكاملة على مستوى قانون الانتخاب ليكون النائب نائباً عن الأمة جمعاء». وختم عمّار: «هناك من تدغدغه الفيديرالية، إلا أن لبنان أصغر من أن يقسَّم وأكبر من أن يكون حسب الطائفية».