تتسارع وتيرة الاجتماعات السياسية للوصول الى توافق حول قانون انتخابي جديد من دون ضمان بحتمية الحل قبل الوصول الى الفراغ. وهو ما دفع الأمين العام لحزب الله الى الدعوة لفتح دورة استثنائية لمجلس النواب لاقاه إليها بإيجابية التيار الوطني الحر
بعد أن ضاقت المهل بالقوى السياسية التي آثرت في الأشهر الأخيرة استنزاف الوقت، بات شركاء الائتلاف الحكومي على يقين بالمأزق الذي وقعوا فيه وضرورة العمل بجدية للوصول إلى قانون انتخابات توافقي؛ فالخيارات البديلة لا تقل سوءاً عن التمديد، بما فيها الستين أو الفراغ الذي لن يقتصر على المجلس النيابي حصراً بل يمهد لأزمة سياسية كبيرة لا يمكن توقّع مدتها وآثارها، لا سيما أن الفراغ يفتقد آلية أوتوماتيكية تحدد مراحله وكيفية انتهائه.
وبالتالي، فإن وقف مفاعيل هذا الفراغ عبر العودة الى قانون الستين غير مضمون بالمطلق. وهو ما حدا بكل الأفرقاء السياسيين الى تكثيف الاتصالات من أجل التوصل الى اتفاق حول قانون انتخاب جديد، وسط انتقال الحديث حصراً إلى النسبية ومجلس الشيوخ بعد رفض غالبية القوى لمشروع التيار الوطني الحر التأهيلي. وعملياً، إحداث خرق جدي في هذا المجال لتتويج الأجواء الايجابية ينتظر موقفاً واضحاً من التيار الوطني الحر حول النسبية، لا سيما بعد أن وافق التيار مبدئياً على مقايضة «التأهيل الطائفي» بمجلس الشيوخ، بناءً على مسعى من رئيس الحكومة سعد الحريري. الا أن التيار والقوات اللبنانية من جهة أخرى يطالبان بضمانات تتعلق بالصوت التفضيلي ومجلس الشيوخ، وبتعديلات في عدد الدوائر المقترحة في مشروع الرئيس نبيه بري الذي تبنّاه الحريري (اقترح بري أن تُجرى الانتخابات النيابية وفق النسبية في 6 دوائر، فيما يطالب التيار والقوات بأن يكون العدد الأدنى للدوائر 13 دائرة). ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، لا تأكيدات لإمكانية الوصول الى حل يرضي جميع الأطراف. من هذا المنطلق، دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس الى فتح دورة استثنائية لمجلس النواب (بين نهاية أيار ونهاية ولاية المجلس في العشرين من حزيران) لإتاحة المجال أمام المجلس للتشريع في آخر 20 يوماً من ولايته، تفادياً للدخول في الفراغ ومخاطره. وهذا الأمر يعيه التيار الوطني، «وكان إجراءً مسلّماً به بالنسبة إلينا، منذ ما قبل خطاب نصرالله»، بحسب مصادر «الوطني الحر». ولا يمانع التيار «فتح دورة استثنائية للمجلس، بل يؤكد ضرورة فتحها في حال لم يتم التوصل الى اتفاق حول قانون الانتخابات، وذلك إفساحاً في المجال أمام مزيد من النقاشات بغية الوصول الى حل»، على ما يقول النائب ألان عون لـ«الأخبار». وبذلك، بات محسوماً أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيُصدر مرسوماً بفتح دورة استثنائية لمجلس النواب، في حال لم يتم الاتفاق على قانون للانتخابات قبل نهاية أيار.
وكان عون قد أوضح في مقابلة تلفزيونية أمس أن «التأهيلي ما زال مطروحاً ولم يسحب عن الطاولة»، مشيراً الى أنه «ربما هناك صيغ تتقدم على أخرى، مثل قانون النسبية الكاملة مع تشكيل مجلس شيوخ». وشدد على أن «التيار لا يرفض أيّ قانون، وبخاصة النسبية التي هي خيار أساسيّ له، ولكن ندعو الى وضع ضوابط لها». وتطرق عون الى انتقاد القوات لوزير الطاقة سيزار أبي خليل وملف تلزيم البواخر، لافتاً الى أن «النقاشات والاختلاف في وجهات النظر مشروعة»، ولكن «التعبير بهذا الشكل هو خاطئ، وقد وضع حزب القوات اللبنانية نفسه في قلب حملة تشنّ علينا. هذا الأداء لا يخدم العلاقة التي استجدّت بين التيار والقوات، وهو يضرّ بهذه العلاقة، وبالتالي عليه إعادة النظر في هذا السلوك». في السياق نفسه، غمز رئيس الجمهورية ميشال عون من قناة القوات وباقي القوى السياسية المنتقدة لأداء التيار، داعياً «من لديه أيّ شيء يدل على فساد محدد، سواء كان من رجال الإدارة أو السلطة، فليقدم الأدلة، وإلا فليتوقف عن تضليل الرأي العام». وأكد عون «أننا سنتوصل الى إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية قريباً». إيجابية عون أعقبتها عدة اجتماعات بين النائب جورج عدوان من جهة ورئيس الحكومة سعد الحريري بحضور مدير مكتبه نادر الحريري، وبين عدوان ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من جهة أخرى. وقد أكد المجتمعون تفاؤلهم بإنتاج قانون جديد وبالتقدم الملموس، فيما أشار نادر الحريري، رداً على سؤال عن «التأهيلي»، إلى أن «هناك أفرقاء في البلد يعارضون هذا الطرح. لذلك يجب التركيز على الأمور التي نستطيع أن نتفق عليها، وأعتقد أن، من الآن فصاعداً، هناك مناخاً من كل الأفرقاء للعمل في هذا الاتجاه». ويبدو أن النسبية باتت أمراً واقعاً نتيجة سقوط التأهيلي وموافقة غالبية القوى السياسية عليها، حيث أكد وزير الثقافة غطاس خوري أنّ «النسبية على أساس 10 دوائر هي أحد الاحتمالات المطروحة»، مشيراً إلى أنّ «عدد الدوائر ليس مقبولاً من بعض الأفرقاء السياسيين، ومنهم التيار الوطني الحر، لكن البحث والنقاش في عدد الدوائر مفتوحان. وإذا كان تعديل عدد الدوائر يؤدّي إلى اتفاق، فهذا الشيء ممكن».
على المقلب الاشتراكي، لا جديد في موقف النائب وليد جنبلاط الذي أعلن خلال تغريدة له على موقع «تويتر» أمس التزامه الصمت الاعلامي من أجل الوصول الى قانون انتخابي توافقي، فيما لم يلتزم غيره من الاشتراكيين الموقف نفسه. فيوم أمس، شنّ وزير التربية مروان حمادة حملة عنيفة على التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، من دون أن يسميهما، وذلك من على منبر حفل العشاء السنوي الذي أقامته مؤسسة «وليد جنبلاط للدراسات الجامعية». فقال حمادة إن «هناك من يريد أن يأخذنا إلى قوانين أقرب إلى القائمقاميتين، ويأخذ لبنان إلى حروب عبثية بعيداً عن حصة التمثيل الصحيح». ورأى أنه «عندما يصبح الحكم معلقاً على كهرباء، يمدّ أسلاك الفساد متجاوزاً قرارات الحكومة ونفور الرأي العام، فنحن لسنا منه ولا معه. وعندما يتنفس الحكم غازاً وفق مكعبات ومربعات مسبوقة التوزيع، متناسياً الموجبات القانونية بإنشاء صندوق سيادي للنفط، فنحن لسنا منه ولا معه. وعندما يتقاعس الحكم عن مواجهة الأخطار الاقتصادية المحدقة بلبنان، فلا يجري التعيينات الضرورية ولا يعالج المناخات المالية والعقوبات المرتقبة، فنحن لسنا منه ولا معه. وعندما يتحول الحكم في دراسة قانون انتخاب حديث وعادل إلى منبر للتحريض الطائفي والمذهبي يستهدف حقوق البعض باسم حقوق البعض، فنحن لسنا منه ولا معه».