هل يهدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بقانون «الستين» بهدف حثّ القوى السياسية على التوصل إلى قانون جديد؟ ام ان «الستين» صار فعلاً خيار الأمر الواقع المفروض على الجميع؟ كل مشاريع القوانين، بلا استثناء، أفضل من العودة إلى الستين، سواء وطنياً، أو «مسيحياً».
فلماذا يحشر العهد نفسه في خانة القانون الأسوأ، بدل المبادرة، عبر التيار الوطني الحر، إلى تبنّي قانون لطالما نادى به ووافق عليه سابقاً (النسبية في دوائر صغرى) بعدما وافق عليه الجميع بلا استثناء؟ ولمصحلة من توجيه ضربة من هذا العيار إلى العهد في بدايته؟ وما هو موقف القوى الأخرى؟ ألا تحمل إحداها مبادرة لتجاوز هذا «القطوع» الخطير؟ وماذا عن الفراغ؟ من يضمن إجراء الانتخابات وفق «الستين» بعد حصول الفراغ؟ هل يتم ذلك بلا تعديل للقانون يجعل إجراء الانتخابات بعد انتهاء ولاية المجلس أمراً غير مخالف للدستور والقوانين؟ وماذا عن جلسة 29 أيار التشريعية؟ هل ستشهد تمديداً «تقنياً» يمنع الفراغ بين موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي وموعد إجراء الانتخابات وفق «الستين»؟ رئيس الجمهورية سيُصدر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل يوم أو يومين من انتهاء ولاية المجلس النيابي، لتُجرى الانتخابات قبل 18 أيلول المقبل، فهل ستتم هذه الدعوة «بالتراضي» أم في ظل اشتباك سياسي؟ وفي حال وقع الفراغ النيابي، واستقال وزراء حركة أمل وحلفائهم، فهل ستبقى الحكومة قادرة على تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات؟ وهل من تناقض بين موقفَي رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر أمس؟ والأهم من ذلك كله، ما دام «الستين» قدراً محتوماً، فلماذا لا يشرب الجميع هذه الكأس بهدوء، وبأقل الأضرار الممكنة؟
يوم أمس، أسقط عون رسمياً تحفّظه على «الستين»، قائلاً إنه في صدد العمل «بهدي الدستور لجهة دعوة الشعب الى الانتخابات ضمن مهلة تسعين يوماً. وتكون هذه الانتخابات على أساس القانون النافذ إذا لم يقر المجلس قانوناً جديداً». وحين سئل خلال استقباله وفداً من نادي الصحافة عن دخول البلد في الفوضى بعد 19 حزيران، أجاب: «أنا لا أريد قانون الستين، ولكن إذا لم نصل الى حلّ ويتم الاتفاق على قانون جديد، فهل أترك الجمهورية فالتة؟». إلا أن عون لم يقفل الباب نهائياً على الستين، بل فتح «كوّة» على خيار ثالث هو الاحتكام الى الشعب عبر الاشارة الى أنه «حتى الساعة لم يقر القانون الجديد فليقل الشعب كلمته». ولم يُفهم ما إذا كان عون يقصد بذلك إجراء استفتاء شعبي.
وفي ردّ على سؤال آخر يتعلق باللاءات الثلاث التي تضمنت «لا للستين» واتهام البعض له بالتراجع عن النسبية، أجاب: «أنا لم أتراجع عن النسبية، لا بل انني كنت أول من طرحها، وهم بدأوا بها في المشروع المختلط، لأن البعض أخذ حقوقاً ومنعها عن الآخرين». وفي إطار شرحه للمراحل التي مرّ فيها القانون الانتخابي، قال: «نادينا بالقانون النسبي على أساس 15 دائرة، ولكن لا يعتقد أحد أنه بالنسبية سنستعيد كافة الحقوق. وحتى هذا الطرح لم يتم القبول به».
من جهة أخرى، منح رئيس الجمهورية غطاءً لموقف باسيل الذي تبرّأ من بيان قمة الرياض، إذ أوضح عون أن ما قاله وزير الخارجية «عن الموقف اللبناني من إعلان الرياض صحيح 100%»، مشيراً الى أن «لبنان لا يمكنه أن يقف الى جانب طرف، ونحن لسنا مستعدين للعب هكذا دور». وأشار الى أن «الفوضى الخلاقة أتت وتمت تسميتها بالربيع العربي، وصدق البعض ذلك، فانظروا الى ما وصلنا اليه. وكل الدول تتكلم عن محاربة الارهاب. ألا يعرفون في دول العالم من يموّل هذا الارهاب، ومن يسانده فكرياً ومالياً؟ أنتم ألا تعرفون؟ ربما لا تعرفون الحقيقة كاملة، لكنكم تعرفون قسماً كبيراً منها. ونحن في كل يوم نسمع من يكذب علينا والصدق غير موجود».
وبخلاف كلام عون عن ضرورة العودة الى الستين بما يمليه الدستور، كان للوزير جبران باسيل رأي آخر باعتبار أن «هناك من يريد تمديد الوضع السياسي القائم من عام 1990، وهذا يتم إما بالستين أو التمديد». وأكد أن «أحداً لا يستطيع أن يفرض علينا قانون انتخاب مقابل عرقلة قانون انتخاب، ونحن عرضنا عدة قوانين، فالخيارات السيئة لن نقبل بها». ولفت باسيل الى أن «المعطى السياسي بعد 20 حزيران سيكون مختلفاً بحال منعنا من إقرار قانون جديد. ومن يفرض ذلك يتحمل الفراغ وما يحدث، وسنخرج من الصيغة الحالية الى شيء مختلف، ونحن متيقنون من النجاح في هذه المبادرة»، ليعود ويوضح أن «قانون الستين كان لمرة واحدة فقط». ودعا رئيس التيار الوطني الحر إلى التصويت على قانون للانتخاب في المؤسسات الدستورية، قبل أن يلاقي الرئيس عون في طرح الاستفتاء الشعبي بالاشارة الى أنه في حال تم «منعنا من التصويت في المؤسسات الدستورية لدينا التصويت الشعبي».
على مقلب رئيس مجلس النواب نبيه بري الهدوء سيّد الموقف؛ فخلال سؤاله أمس عمّا يتوقع من جلسة المجلس في 29 أيار، أجاب: «يخلق الله ما لا تعلمون». وأضاف: «الصمت الكبير خير من الصراخ غير المجدي، عندما نصل الى حل جيد نتكلم».
أما عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله فذكر أن الفرصة ما زالت متاحة للاتفاق حول قانون جديد عبر «تقديم كل طرف من السياسيين تنازلاً من أجل الوصول إلى تفاهم». وجدد الدعوة الى إنجاز قانون قائم على النسبية الكاملة، مضيفاً: «لا يتساهلن أحد بالفراغ الذي إذا ما حصل سوف يمتد على الجميع في لبنان».