التشاؤل سيّد الموقف. حتى المفاوضون لا يتحدّثون بثقة عن قدرتهم على تخطّي العقبات، ولا يجدون إجابة واضحة عن السؤال الأكثر جدية: هل ما يُطرح اليوم يهدف إلى نسف الاتفاق على قانون النسبية في 15 دائرة للعودة إلى الستين، أم أنه مناورة لرفع سقف التفاوض؟
من شاهد أمس مقدّمتَي نشرتَي الأخبار على محطتَي «أن بي أن» و«أو تي في» التلفزيونيتين، لم يجد سوى التشاؤم. تشاؤم بنتيجة التفاوض على قانون للانتخابات، وبمستقبل العلاقات بين القوى السياسية الرئيسية، وتحديداً، بين رئيسَي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري. الأولى تتحدّث عن العودة إلى نقطة البداية في المفاوضات، والثانية توجّه سهامها إلى بري من دون أن تسميه.
في المقابل، يسود التفاؤل كلام المعنيين بالمفاوضات، الذين يبشّرون بحتمية التوصل إلى قانون جديد للانتخابات، مبنيّ على النسبية في 15 دائرة. ويتعزّز هذا الجو من التشاؤل بخبر الاجتماع الليلي الذي جمع رئيس الحكومة سعد الحريري والوزير علي حسن خليل والنائب جورج عدوان والوزير جبران باسيل، والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل. وهذا الاجتماع الذي امتد حتى فجر اليوم، لم يحلحل العقد.
وقالت مصادر المجتمعين إن التوصل إلى قانون جديد لا يزال بحاجة إلى وقت طويل. لكن أحد المفاوضين، وقبل بدء الاجتماع، أكّد أن «الأمور جيدة، وهي أفضل بكثير مما يُعكس في الإعلام». وأكّدت مصادر المتفاوضين أن كل القضايا حُسِمت، باستثناء طريقة احتساب الفائزين، التي يصرّ التيار الوطني الحر على إدخال العامل الطائفي فيها، بما يعيد إحياء اقتراح «التأهيل الطائفي» الذي سقط في المفاوضات قبل أسابيع.
وبعد اجتماع تكتل التغيير والاصلاح أمس، طالب النائب إبراهيم كنعان بـ«تحديد عتبة النجاح للمرشح على أن تكون 40% من الحاصل الانتخابي ضمن طائفته (راجع الكادر أدناه)، ذلك لأننا في نظام يتطلب تأمين تمثيل فعلي لا يكون على حساب من يمثل منطقته وطائفته ودائرته». فالتيار لم يكتف بالحاصل الانتخابي المشروع (مجموع عدد المقترعين مقسماً على عدد المقاعد)، كشرط لفوز أيّ لائحة بمقعد واحد، بل ذهب أبعد من ذلك عبر إدخال مشروع رئيس الحزب جبران باسيل التأهيلي بشكل أو بآخر الى النظام النسبي، ربما في مسعى لرفع سقف المطالب قبيل ساعات من الاجتماع المفصلي الذي ترأسه الحريري ليلاً. وكان لافتاً، بحسب أعضاء في التكتل، أن باسيل شدّد على كونه لم يطالب بتعديل الدستور لتثبيت المناصفة، لأن الدستور حسم أمر المناصفة عندما تحدّث عن التساوي بين المسلمين والمسيحيين في مجلس النواب، وأنه طالب بضمانات متصلة باللامركزية الإدارية وإنشاء مجلس للشيوخ واعتماد البطاقة الممغنطة في عملية الانتخاب (إذا لم يتسنّ إقرارها في الانتخابات المقبلة، ففي التي تليها) وبإدخال إصلاحات تتصل بالإنفاق الانتخابي.
وكان كنعان قد عدّد إصلاحات أخرى يطالب بها التيار، ومنها «تمثيل الانتشار بستة مقاعد»، مطالباً الكتل السياسية بأن تحسم أمرها، «لا سيما أن هناك مقاعد نيابية لا تعبّر عن واقع جدي انتخابي في الشكل الحالي، فما المانع من إعادة توزيعها مناصفة بين المسلمين والمسيحيين على الانتشار؟». أما عن موعد الانتخابات فقال: «نحن مع إجراء الاستحقاق في أقرب فرصة، وفي ضوء رأيين على هذا الصعيد، الأول يريدها في تشرين 2017 والثاني في آذار 2018، فنحن نميل الى إجرائها في تشرين. والحديث عن بعض المسائل اللوجستية والمالية ليس عائقاً، لا سيما أن كلفة الانتخابات يمكن أن تتأمن من خلال الموازنة، أو اعتماد إضافي، أو من الاحتياط بقرار من مجلس الوزراء». وختم كنعان: «لا نريد أن يتحول تأجيل المهل إلى تمديد مقنع، لأن التمديد بالنسبة الينا خطّ أحمر». في المقابل، كان لوزير الإعلام ملحم رياشي رأي آخر في مسألة موعد إجراء الانتخابات، إذ رأى أن «الجميع بحاجة للتعلم على القانون الجديد من الناخبين والمنتخبين ورؤساء الأقلام، إضافة الى طريقة الفرز، وسيحتاج الى ستة أشهر وهي كافية لذلك». وأشار الى أن «من الممكن ألا يتم طرح القانون على جدول أعمال مجلس الوزراء اليوم ويتم تأجيله الى جلسة خاصة». ولفت الى أنه زار رئيس مجلس النواب نبيه بري الأسبوع الماضي، و»كان واضحاً لجهة موافقته على تعديل الدستور لتكريس المناصفة. وبرأيي إن تكريس المناصفة أمر واقع، سواء بورودها في اتفاق الطائف أو غير ذلك، وممكن أن تكرّس كذلك عبر قانون الانتخاب».
من جانبه، ردّ بري ضمنياً على ما سبق في دردشة أمام زواره أمس، وأكد في معرض انتقاده إعادة طرح بنود كان قد تم تجاوزها في الايام الاخيرة في ما يتعلق بقانون الانتخاب، وخصوصاً الشق المذهبي في الصوت التفضيلي، قائلاً: «لو قامت الساعة لن أقبل بجعل لبنان طائفياً. انظروا الى ماذا يجري في المنطقة. نحن نشهد ما يمكن وصفه ببداية تقسيمها، فهل نمعن ببلدنا ونسير في هذا المسار؟». وتحدث بري عن إعادة طرح بعض الافرقاء موضوع مجلس الشيوخ ونقل عدد من مقاعد مجلس النواب وتعديل الدستور في ما يتعلق بالمناصفة، فأعاد التأكيد أن «العرض الذي كان قدّمه حتى 15 أيار التغى ولا عودة اليه». وذكّر بأنه كان أول من طرح موضوع مجلس الشيوخ منذ لقائه البطريرك الماروني في الفاتيكان، ثم في طاولة الحوار برئاسة الرئيس السابق ميشال سليمان في قصر بعبدا، ثم في طاولة الحوار في عين التينة. وعرض لتلك المرحلة بالقول إنه «فسّر الدستور على نحو يجعل مجلس الشيوخ وطنياً كما مجلس نواب وطني لاطائفي بالإصرار على المناصفة». وأضاف: «ذهبت بالتفسير على نحو يتزامن فيه استحداث مجلس للشيوخ وفق الأرثوذكسي مع قانون انتخاب وطني. ومن باب الحرص عليها، اعتبرت أن كلمة وطني تعني المناصفة». ثم تحدث عن الطروحات التي رافقت وضع قانون الانتخاب، فأشار الى أنه أبلغ النائب جورج عدوان في حضور الرئيس سعد الحريري موافقته على النسبية بـ6 أو 10 أو 11 أو 12 أو 13 دائرة، وأنه رفض اقتراح الـ15 دائرة قبل أن يعود ويوافق عليه، «بعد ما تحقق من هذا الاقتراح. إلا أنهم الآن يعودون الى طرح ما كنت قد تجاوزته بالنسبة الى نقل المقاعد وتثبيت المناصفة في الدستور التي هي مثبتة في الأصل ولا تحتاج الى ما يثبتها».
على مقلب تيار المستقبل، أملت الكتلة أمس، إثر اجتماعها، استكمال الجهود «لإنجاز الصيغة القانونية الكاملة لمشروع القانون الجديد وإقرارها في مجلس الوزراء، ثم إحالة المشروع الى مجلس النواب». وغمزت من قناة المنادين بالطائفية بالقول: «إن المسألة الأساسية في عملية إقرار النظام الجديد للانتخابات وتطبيقه تبقى وتكمن في أهمية الاستمرار في الاستناد الى اتفاق الطائف والاحترام الكامل للدستور ببنودهما كافة، والمستندين الى ركيزة العيش المشترك والواحد، بعيداً عن التقوقع الطائفي والمذهبي». من جهته، أطلق النائب محمد قباني، في مؤتمر صحافي عقده أمس في ساحة النجمة، «صرخة من أجل لبنان الوطن»، واصفاً القانون الأرثوذكسي بـ«مشروع لفيدرالية طائفية مذهبية رسمية لا بد أن تؤدي إلى تقسيم لبنان. وبعد فشل هذا المشروع استمر النافخون في النار المذهبية بصورة غير مباشرة من خلال النسبية والتأهيلي على الأساس الطائفي»، ليأتي بعدها مشروع مجلس الشيوخ «على أن يرافقه تثبيت المناصفة في مجلس النواب بنص دستوري، ما يعني تأبيد الطائفية في لبنان». أضاف قباني: «هذه الطروحات الشعبوية بكل وضوح تضرّ بالطوائف التي يدّعي البعض الدفاع عنها. أوقفوا المتاجرة بالنعرات الطائفية قبل أن تحرق الجميع، وبلا مجلس شيوخ الآن، لعل الزمن يعالج مسألة الموتورين وتجار الطائفية». ووجّه تحية إلى الرئيس نبيه بري الذي «رفض تأبيد المناصفة في مجلس النواب بنص دستوري بعد إنشاء مجلس الشيوخ».
اقتراح التيار لاحتساب الفائزين طائفياً
ترفض غالبية القوى السياسية اقتراح التيار الوطني الحر لاحتساب الفائزين في مشروع النسبية في 15 دائرة. ينص الاقتراح على عدم فوز من لم ينل 40 في المئة من الحاصل الانتخابي لأصوات طائفته. عملياً، يمكن تفسير الاقتراح وفق الآتي:
في دائرة عكار مثلاً، إذا اقترع 35 ألف ناخب مسيحي، وترشّح للمقعد الماروني 5 مرشحين على خمس لوائح، يكون «الحاصل الانتخابي المسيحي» 35 ألفاً / 5 = 7 آلاف. وإذا لم ينل المرشح 40 في المئة من الـ7 آلاف (أي 2800 صوت)، يكون ساقطاً حكماً، حتى لو نال عدداً من الأصوات التفضيلية (من المسلمين والمسيحيين) يفوق جميع منافسيه. وفضلاً عن طائفية هذا الاقتراح، فإن اختراقه سهل للغاية، إذ يعمد أي حزب إلى إغراق المقعد بمرشحين «وهميين»، لا دور لهم سوى الترشّح رسمياً إلى الانتخابات، بهدف تصغير «الحاصل الانتخابي» لطائفة المقعد. فإذا تنافس على المقعد عينه 10 مرشحين، يُصبح «الحاصل الانتخابي المسيحي» 35 ألفاً /10 = 3500 صوت، ما يعني أن المرشح سيكون بحاجة حصراً إلى 1400 صوت مسيحي ليتخطّى العتبة التي يطالب بها التيار، ما يفرغ اقتراحه من هدفه.