بعد مظاهر الألفة التي طغت على العلاقة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، منذ ما قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، يراقب الجميع ما يبدو أنه عودة إلى التوتر بين الطرفين، وتحديداً حول ملفات ثلاثة تتعلق بعودة النازحين الى سوريا، والمداهمات التي نفذها الجيش اللبناني في عرسال، والعملية العسكرية المرتقبة في الجرود.
ورغم أن التعبير عن الخلافات بين التيارين لم يصل إلى تبادل الهجمات علناً، إلا أن مجالس كل منهما تعبّر عن احتقان كبير متصل بالملفات الثلاثة. فالتفاهم الرئاسي لم يغيّر من اقتناعات العونيين بشأن بذل كل ما يجب لحل أزمة اللاجئين السوريين، وتحرير الأرض التي يحتلها المسلحون في جرود عرسال، والدفاع عن المؤسسة العسكرية. أما تيار المستقبل، فلا يزال متمسكاً بـ«ثوابته»: السعي إلى الاستفادة القصوى من وجود النازحين في وجه الدولة السورية، والعمل على محاولة منع تحرير الأرض المحتلة في الجرود وتركها عبئاً أمنياً على المقاومة، وتقييد حركة الجيش.
وتؤكد مصادر رفيعة المستوى في التيار الوطني الحر أن أزمة النازحين يجب أن توضع على سكة الحل، ولو من باب التفاوض مع الدولة السورية، لافتة إلى «عدم جواز الانتظار حتى نهاية الحرب السورية التي قد تطول». في المقابل، تقول مصادر المستقبل إن الرئيس سعد الحريري «مصرّ على رفض أي تواصل رسمي مع النظام السوري».
الخلاف العوني ــ المستقبلي يظهر على شاشات قناتَي «أو تي في» و«المستقبل»، لكن من دون أن يوجّه أحدهما سهامه المباشرة باتجاه الآخر. ويوم أمس، أطلق النائب عقاب صقر موقفاً ضد المؤسسة العسكرية، أبرزته «المستقبل» في مقدمة نشرة أخبارها. وفيما طالب نائب زحلة بتحقيق مستقل لتحديد سبب وفاة أربعة موقوفين في عهدة الجيش، قال إن «تغطية الحقيقة عار على الجيش اللبناني». وأشار إلى أن «الحديث عن التقديس والمقدسات لا يسير بلبنان، وثقافة عبدة (الرينجر) شبعنا منها أيام الوجود السوري ولا نقبل أن تكون في لبنان». وربط صقر عودة النازحين إلى سوريا بانسحاب حزب الله منها!
وعلى النقيض، وقفت قناة «أو تي في» لتؤكّد أن «كثيرين حسموا خيارهم خلف دولتهم وجيشهم وأهلهم. هؤلاء سجلوا انتصارات كثيرة وهم ذاهبون الى انتصارات جديدة آتية، فهل تكون سيادة عرسال بدايتها؟»، في ظل المعلومات عن قرب قيام المقاومة بعملية عسكرية لتحرير جرود عرسال.
ورغم التوتر بين التيارين، فإن مصادر على صلة بهما تؤكد أن الخلافات ستبقى محكومة بسقف الائتلاف الحكومي، ولن تفجّر العلاقة بينهما.
من جهة أخرى، وفي زحمة الملفات التي تضغط بثقلها على القوى السياسية، يبدو أن البلاد ستكون على موعد مع «صفقة» جديدة مؤقتة في الحقل المالي، تؤجل مرة جديدة إقفال حساب المالية العامة. فالتيار الوطني الحر يقترح تعليق المادة 87 من الدستور التي تقول بأن «حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية التي تلي تلك السنة».
وتعليق هذه المادة يسمح بإقرار الموازنة العامة، بمعزل عن مصير الموازنات السابقة التي لم تصدر أي منها بقانون منذ 11 عاماً. كذلك فإن التعليق يؤدي إلى عدم منح الحكومة براءة ذمة بشأن الحسابات المالية السابقة، أي من دون إقرار «قطع حساب» السنوات السابقة. وتتحدّث مصادر التيار عن أن التعليق سيكون لمدة ستة أشهر أو عام، ريثما تتمكّن الحكومة من إنجاز قطع الحساب. ودون «قطع الحساب» عقبات سياسية ودستورية، متصلة بالنظرة إلى شرعية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بين عامَي 2006 و2008، فضلاً عن مشكلة الـ 11 مليار دولار التي اتُّهمت تلك الحكومة بإنفاقها من دون سند قانوني.
وفي الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، سيكون على رئيس الجمهورية اقتراح تعديل دستوري يهدف إلى تعليق المادة 87، ليقره مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين ويحيله إلى مجلس النواب ليوافق عليه أيضاً بأكثرية الثلثين. وفيما يُتوقّع أن يفتح الاقتراح سجالاً سياسياً، وخاصة من زاوية التصويب على التيار الوطني الحر الذي رفع سابقاً شعار «الإبراء المستحيل» لحكومة السنيورة، قالت مصادر التيار إن هذا الإجراء يهدف حصراً إلى تسهيل إصدار الموازنة، وتأجيل بت قطع الحساب أشهراً معدودة، و«لن يتم إبراء ذمّة الحكومات المتعاقبة، وبالتالي الإبراء مستحيل».